أما الجيل "زد" فهو الجيل الذي يأتي بعد جيل الألفية، ويقدّر علماء الديموغرافيا أنّ هذا الجيل يمتدّ مِن مواليد عقد التسعينيات إلى منتصف عقد الألفين كنقطة بدءٍ للجيل إلى منتصف عقد الألفين وعشرين كنقطة انتهاء له.
وبشكل أدق، أشارت هيئة الإحصاءات الكنديّة إلى أن الجيل "زد" يبدأ مع مواليد عام 1993، فيما وصف مركز "بيو" للأبحاث أنّ الجيل "زد" يبدأ مع مواليد العام 1997 وهو جيلٌ متميّز بالنّمو الرقمي والبراعة التكنولوجية. حيث نشأ أبناء هذا الجيل في ظلّ طفرة تكنولوجيا الهواتف النّقالة والإنترنت والاتصالات، كما أنه الجيل الأكثر تعلّما مقارنة بالأجيال السابقة.
وفي تركيا بدأ النّقاش حول الجيل "زد" خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بشكل متزايد حيث سُلّط الضوء على خصائص هذا الجيل وتصوّراته واعتقاداته، وتطلّعاته في ظلّ حالةٍ مِن التّنافس بين الأطراف السياسيّة لكسب قلوب وعقول أبناء وبنات هذا الجيل سواء مِن خلال تطلعاته السياسيّة أو تطلعاته العامّة بشأن مستقبله خاصّة أن نسبةً مؤثرةً مِن الكتلة التصويتية لهذا الجيل في الانتخابات القادمة في تركيا ستكون مؤثرة في نتيجة الانتخابات.
فمن المتوصع أن يشارك 5 ملايين من أبناء هذا الجيل في الانتخابات القادمة لأوّل مرة، وسيكون مجموع المشاركين من هذا الجيل حوالي 13 مليوناً بما يشكّل 20% مِن الكتلة التصويتية في تركيا، وهي كتلة معتبرة ومؤثّرة.
وبشكل عام، ووفقاً لبعض الدّراسات التي أُجريت على فئة الجيل "زد"، فإنّ أهمّ ما يريده هذا الجيل في تركيا هو الحياة الحرّة، والديمقراطية والعدالة. ولا يرى أبناؤه مشكلةً في التّعايش مع الآخر بشرط عدم تدخله في أمورهم. ومن مخاوفهم عدم الحصول على فرصة عمل بعد التخرج.
أما بالنسبة للسياسة، فإن أكبر مشكلة يرونها في الأحزاب السياسيّة هي تشكيلة الأحزاب مِن أعلى إلى أسفل وأن هذه التشكيلات لا تعطي الشباب إمكانات التحرك الحر، كما يرون أن خطاب السياسيين وأسلوبهم ليس موجها للشباب، حيث يفضل الشباب الخطاب الحديث والمتنوّع الذي يستهدفهم عن طريق المشاريع.
وقد أشارت بعض الدراسات إلى أنّ نسبة كبيرة مِن أبناء هذا الجيل في تركيا ترى نفسها خارج التصنيفات السياسيّة الموجودة مثل الأتاتوركيين أو المحافظين أو غيرهم.
وفي هذا السياق تناول السّاسة الأتراك موضوع الجيل "زد" باهتمام كبير. فعلى سبيل المثال قبل شهرين تقريباً وتحديدا في 28 يناير/كانون الثاني 2021 تطرّق الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان في حديثٍ له أمام كتلة حزب العدالة والتنمية البرلمانيّة إلى موضوع الجيل "زد"، وقال: "لا يعرف الجيل "زد" ما الذي حدث لمرضانا في المستشفيات وفي التأمينات الصحيّة عندما كان المعارضون مسؤولين عن هذا الملف"، وبالطبع يشير أردوغان هنا إلى الفترة التي كان فيهاكمال قليجدار أوغلو-الذي يرأس أكبر حزب معارض حالياً- رئيس دائرة التأمينات الصحية والاجتماعية، وكانت العمليّة الإدارية لهذا الملف توصف بأنها بائسة وعاجزة عن إيجاد حلول لمشاكل المواطنين مما تسبب بحالة تذمّر شعبي حينها.
وفي إشارة إلى التّسابق على الجيل "زد" حالياً وكسب تأييده، أشار أردوغان إلى الأهمية الكبيرة لذلك عندما قال: "نحن بحاجة إلى أن نذكّر شبابنا بهذه الأمور"، وبالطبع ردّت المعارضة بالقول إنّ من يقول إنّ الجيل "زد" يجب أن يعرف هذه الأمور، عليه إدراك أنّ الجيل "زد" يعرف كل شيء يريد معرفته.
في الواقع يوجد تحدٍ أمام حزب العدالة في كسب الجيل "زد"، فأغلب أبناء هذا الجيل ولدوا في فترة حزب العدالة والتنمية أو السنوات الخمس التي سبقتها وبالتالي لم يشاهدوا الطفرة والنقلة النوعية التي حققها حزب العدالة والتنمية في البلاد في قطاعات النقل والنظافة والمياه والكهرباء والصحة والخدمات عموماً.
كما أنهم لم يعيشوا فترة 28 فبراير/شباط 1997 والتي حُوربت الحريّات فيها من النظام قبل حزب العدالة والتنمية، وقد شهدت فترة ما بعد 28 فبراير/شباط الكثير مِن تجارب المعاناة في مصادرة الحريّات فيما يتعلق بالحجاب والعمل في المؤسّسات الرسميّة وغيرها، وبالتّالي لم يشعر أبناء هذا الجيل بالفارق الذي أحدثه حزب العدالة والتنمية في هذا السياق.
ويمتدّ التنافس اليوم على الجيل "زد" بين الأذرع الشبابيّة للأحزاب السياسية لكسب الشباب في الجامعات والمنتديات والفعاليات الشبابيّة، وقد أطلق حزب العدالة والتنمية الحاكم تنافساً بين أذرعه الشبابية في المدن لكسب الشباب، فعلى سبيل المثال كسب حزب العدالة والتنمية فرع أنقرة لأعضائه في شهر واحد وهو سبتمبر/أيلول 2020 أكثر من 3700 شاب.
وفي هذا السياق يتجاوز عدد أعضاء فرع الشباب في حزب العدالة والتنمية 1.4 مليون عضو وذلك وفق إحصائيات عام 2020، وبهذا يكون عدد أعضاء الشباب في حزب العدالة والتنمية أكبر مِن عدد كامل أعضاء حزب الشعب الجمهوري الذي يبلغ عدد أعضائه حوالي 1.2 مليون عضو، فيما يبلغ عدد أعضاء حزب العدالة والتنمية بالكامل أكثر من 10.5 مليون عضو.
وتعمل الجهات المتنافسة على تطوير أدوات الخطاب مع الشباب عبر التقنيات الجديدة وأدوات التواصل الجديدة بما يتناسب مع المنصات الجديدة والوسائط الرقمية والتي تختلف عن أدوات التواصل التقليدية القديمة.
على كل الأحوال ومع هذه الأرقام، توجد اليوم حالة تنافس كبيرة على الجيل "زد" وستكون الحكومات جميعها وليس في تركيا فقط أمام تحدٍ كبير في التعامل مع مطالب هذا الجيل في ظلّ الكثير مِن التطورات والقفزات التكنولوجية التي تحمل معها تداعيات ثقافية واجتماعية وسياسية.
جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.