الأزمة في الصومال.. عودة التوتر الأمني والتباعد السياسي
لم تكد الأوضاع الأمنية والسياسية لتهدأ في الصومال الذي يُعَدّ واحداً من أفقر دول العالم، حتى يعود شبح الحرب الأهلية يتصدر الواجهة من جديد. وهذا ما بات واضحاً في التوترات السياسية التي أفرزتها قرارات الرئيس الصومالي يوم 27 ديسمبر الماضي.
عودة التوترات إلى الصومال إثر تجميد الرئيس الصومالي لصلاحيات رئيس الوزراء  (Reuters)

قضت هذه القرارات بتعليق صلاحيات رئيس الوزراء محمد حسين روبلي إلى حين انتهاء تحقيقات في تُهَم فساد ضده، والتقدم العسكري لحركة الشباب المجاهدين التي باتت على تخوم العاصمة مقديشو بعد فرض سيطرتها على مدينة بلعد التي تبعد نحو 37 كيلومتراً عن العاصمة وتضمّ خمس قرى تشكّل رئاسة المنطقة.

وشهدت العلاقة بين الرئيس ورئيس الوزراء توترات متصاعدة منذ عدة أشهر بسبب خلافات في إدارة الدولة وتعيينات لمسؤولين في مواقع حساسة. من جانبه رفض رئيس الوزراء روبلي قرار الرئيس فرماجو وأمر الجيش وقوات الأمن بتلقّي الأوامر منه مباشرة بدلاً من الرئيس، مما جعل شبح الحرب يخيّم من جديد لتعود البلاد مرة أخرى إلى سنوات النزوح والفقر واللجوء.

من الواضح أنه منذ العام 1991 الذي أُسقطَ فيه حكم الرئيس سياد بري بعد عقود طويلة من الحكم، لم تشهد البلاد استقرراً ولم يؤدِّ إسقاط بري إلى إنهاء الانقسام، إذ تبعه عقدان من الصراع والعنف بين مختلف الجماعات، التي أدخلت البلد في فوضى لم يتم الخروج منها حتى الآن.

الانتخابات المؤجلة تزيد وتيرة الانقسام

يُعَدّ ملف الانتخابات الملف الأكثر تعقيداً في علاقة الرجلين: الرئيس ورئيس الوزراء، العلاقة المعقدة أصلاً، حسب تفسير كل منهما لنصوص القانون المنظم للعملية الانتخابية، إذ يرى رئيس الوزراء أن صلاحيات إدارة العملية الانتخابية والملف الأمني من اختصاصاته. الخلافات تجددت مع عزل رئيس الوزراء روبلي لرئيس لجنة حل النزاعات الانتخابية، معتبراً أن رئيس البلاد فرماجو يحاول تقويض عمل رئيس الوزراء. عقبها أعلن الرئيس الصومالي فرماجو تعليق سلطات رئيس الوزراء روبلي في تصعيد فاقم الأزمة السياسية وهدّد الاستقرار الهشّ في البلاد.

في المقابل وصف رئيس الوزراء قرارات الرئيس بأنها محاولة انقلاب على الشرعية والدستور، وأن الهدف منها عرقلة الانتخابات العامة، باعتبار أن حكومته هي المسؤولة الوحيدة عن تسيير شؤون البلاد، وطالب الجيش بتلقّي الأوامر مباشرة منه، وليس من الرئيس، في وقت ينص فيه الدستور الصومالي على أن القوات النظامية تتبع الرئيس بوصفه القائد العامّ للقوات المسلحة، ممَّا أدخل البلاد في جدل قانوني وسياسي يزيد حالة الانقسام السياسي والاستقطاب الحادّ.

هل تسيطر حركة الشباب المجاهدين الصومالية على البلاد؟

صارت حركة الشباب الصومالية على تخوم العاصمة مقديشو بعد فرض سيطرتها على مدينة بلعد التي تبعد نحو 37 كيلومتراً عن العاصمة، فيما تبنّت الحركة التفجير الذي وقع وسط العاصمة مقديشو وأسفر عن مقتل 4 أشخاص بالقرب من أحد المرافق الحكومية في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

التطورات السالبة المتسارعة التي يشهدها الصومال جراء تداعيات الأوضاع السياسية والأمنية تفتح الباب أمام عدة احتمالات وسيناريوهات من المتوقع حدوثها في البلاد. فإن تهديد الدولة من قبل حركة الشباب، التي تدين بالولاء والبيعة لتنظيم القاعدة منذ العام 2004، وتتحالف الآن مع تنظيم الدولة الإسلامية، لن يمثّلا تهديداً للاستقرار في الصومال فحسب، بل يهدّد هذا بنسف استقرار الإقليم بأكمله وعودة تهديد الملاحة في منطقة باب المندب والقرن الإفريقي.

واضعين في الاعتبار أن هذه المنطقة تُعتبر واحداً من أهمّ أربعة معابر دولية ويعبر بها نحو 20% من التجارة الدولية، ونتيجة لهذه الخطوة ربما عاد الصومال مجدداً إلى مربع الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي، ووقتها فإن انهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة سيكون متوقعاً. وهذا ما يدعمه التمدُّد المتسارع للحركة على حساب الأراضي الصومالية دون مقدرة للجيش الوطني على التصدي لها. ولعلّ عدم تدخل قوات البعثة الأممية "أميصوم" يعود في رأينا إلى تقاعس المجتمع الدولي خلال الفترة الأخيرة تجاه قضية مكافحة الإرهاب في الصومال، بانسحاب العديد من القوات الدولية. هذا الانسحاب كان مقابل تولّي القوات الوطنية للمهمة، مما فاقم حجم الأزمة وسط جملة من التعقيدات السياسية والأمنية التي تعاني منها القوات الوطنية الصومالية، وأدّى إلى حالة من العجز أمام هجمات حركة الشباب.

التخوفات الدولية من تفاقم الأزمة السياسية والعودة إلى مربع الاحتراب

في الوقت الذي تتضاءل فيه إمكانية حدوث تقارب بين الموقفين، فمن المستبعد نجاح أي مساعٍ داخلية لإخماد شرارة الخلاف المستعر بين الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء، حتى التدخلات الخارجية سريعاً ما تنهار أمام تعقيدات المشهد السياسي المتصارع وآخرها الوساطة السابقة التي قامت بها الولايات لإنهاء الخلاف بين الرجلين ولم تصمد أكثر من شهرين، مما يجعل التدخل الدولي وإن كان أكثر قبولاً فإنه لا يملك القدرة على حماية الاتفاق واستدامته.

ولكنّ كثيراً من أطراف العملية السياسية في الصومال يرون أن اصطفاف الولايات المتحدة إلى جانب أحد طرفَي الخلاف يجعلها خارجة عن دائرة التأثير الفاعل في مسار المصالحة ويسحب منها مفاتيح الحلّ.

ففي الوقت الذي يتصاعد فيه الصراع داخلياً انحازت الولايات المتحدة إلى جانب رئيس الوزراء، إذ اعتبرت الخارجية الأمريكية أن "محاولة تجميد صلاحيات رئيس وزراء الصومال مقلقة"، وأكدت واشنطن استعدادها لمواجهة من يعرقل مسار السلام في الصومال.

إلى أين يتجه الصومال

يبدو أن الأمور في الصومال آخذة في التطور السالب، وبات من الصعب تلافي الأمور إذا لم ينجز المشروع السياسي وقيام الانتخابات، إضافة إلى تطورات الأوضاع الأمنية وزحف حركة الشباب نحو العاصمة مقديشو بعد الاستيلاء على نصف أراضي البلاد تقريباً، إذ تشكّل الأزمة السياسية التي يعيش فيها الصوماليون، الأثر البالغ والكبير على استقرار الأوضاع، ولم يقدّم نظام الرئيس عبد الله فرماجو حتى الآن ما يشفع له في إعادة انتخابه لولاية ثانية ولم يحقّق أي تقدم على مستوى إنهاء مشروع الإرهاب الذي يتخذ من الأراضي الصومالية ملاذاً له.

ولكن في حالة الصومال فإنه متى ما فرضت حركة الشباب سيطرتها العسكرية على معظم الأراضي، فإن البلاد ستدخل في مواجهة إقليمية ودولية مع عدة دول، باعتبار تصنيف الحركة الآن إرهابية أولاً، ومن ثم مشروعها الفكري الذي تسعى لتطبيقه، وهو يتنافى مع السياسات العامة لدول المنطقة. إذاً فإن مشروع التوافق السياسي سيكون المخرج الآمن لبلد مُثخَن بالجراح والمجاعات والفقر ويهدّده الإرهاب.

إن ما توصل إليه المؤتمر التشاوري الوطني بالصومال يوم الأحد الماضي، من اتفاق سياسي ينص على الانتهاء من انتخابات الغرفة الأولى "مجلس الشعب" من البرلمان خلال 40 يوماً تبدأ في 15 يناير/كانون الثاني الجاري وحتى 25 فبراير/شباط المقبل، والذي جاء بعد مشاورات استمرت لمدة 7 أيام، بمشاركة رؤساء الولايات الفيدرالية إلى جانب رئيس الوزراء، يمثل هذا الاتفاق بارقة أمل للصومال للخروج من أزمته في حالة الإيفاء به وقيام الانتخابات في موعدها.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي