إعلان إسرائيل المرحلة الثالثة: الحرب تتأرجح والعمليات تستمر
الخسائر الجسيمة التي يتعرض لها الجيش الإسرائيلي يومياً، مع عدم إمكانية تحقيق أيٍّ من أهداف الحرب، كل ذلك شكّل تحديات أمام صانع القرار السياسي لتسويق الإنجازات الوهمية للجمهور الإسرائيلي.
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي في وقت سابق بدأ المرحلة الثالثة من عملياته في منطقة شمال ومدينة غزة / صورة: Reuters (Reuters)

نفّذت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 هجوماً تاريخياً وضربة استباقية نوعية، لم تتعرض إسرائيل لمثلها سابقاً، أُطلق خلالها نحو (5000) صاروخ على أهداف منتخبة في مواقع عسكرية وعديد من المستوطنات في أول (20) دقيقة.

بالتزامن مع ذلك اقتحم مئات المقاتلين من كتائب القسام الحدود مع الأراضي المحتلة، وهاجموا المواقع العسكرية لفرقة غزة وعدد من القواعد الأمنية والاستخبارية، في ظل فشل إسرائيلي في درء العملية أو التعامل معها.

وأطلقت حركة حماس على العملية اسم "طوفان الأقصى"، وحددت أهدافها بالدفاع عن المسجد الأقصى وتحرير الأسرى المحتجزين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية.

أسهمت عوامل عدة في نجاح العملية، على رأسها الإعداد والتجهيز المحترف للعملية ومباغتة ومفاجأة الخصم، وسرعة الهجوم الذي أربك أنظمة الدفاع الإسرائيلية التي لم تكن جاهزة لمواجهة قوات المقاومة الفلسطينية، ما عكس هشاشة الكيان الإسرائيلي الغاصب.

في المقابل أعلنت إسرائيل حالة الحرب على غزة، ووضعت أهدافاً استراتيجية، تمثلت بتدمير حركة حماس، وتحرير الأسرى المحتجزين من المدنيين والعسكريين.

الهجوم الإسرائيلي

استدعت إسرائيل قوات الاحتياط وبدأت عملياتها العسكرية، وفي المرحلة الأولى منها شنت حملة قصف جوي ومدفعي استمر لمدة 20 يوماً، وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بدأت قوات الجيش بالهجوم البري الذي بدأ في المنطقة الشمالية وتوسّع لبقية المناطق.

صرح وزير الدفاع الإسرائيلي بأنّ المناورة البرية ستكون بحدّ أقصى لمدة ثلاثة أشهر، ولكنّ إسرائيل لم تتمكن من إحراز أيٍّ من الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها للحرب.

دخلت القوات الإسرائيلية العمليات القتالية بفشلٍ استخباري ومن دون خطة عملياتية واضحة المعالم، توغلت القوات الإسرائيلية بأعمال القتال داخل المناطق المبنية في حرب غير متماثلة مقابل قوات المقاومة التي تقاتل بنظام المجموعات الصغيرة ضمن عُقد دفاعية مُحكمة التنظيم.

سعت إسرائيل إلى محاولة حسم المناورة البرية الواسعة لكنها فوجئت بقوة وضراوة القتال من قدرات المقاومة بكل فصائلها في مختلف محاور القتال.

تَعرَّض الجيش الإسرائيلي لخسائر فادحة في الأرواح والآلاف من الإصابات وتدمير ما يزيد على (1000) دبابة وناقلة جند وآلية عسكرية مختلفة، بالإضافة إلى استهلاك كميات كبيرة من الذخائر.

وصلت إسرائيل إلى مرحلة اللا عودة، إذ صرّح القادة السياسيون والعسكريون الإسرائيليون بأنّ الحرب صعبة وقاسية وستكون طويلة الأمد وأنّ إلحاق الهزيمة بحماس هو تحدٍّ وجوديّ، وبأنّه سيجري الانتقال إلى المرحلة الثالثة من العمليات الأقل كثافة والأخفّ حدّة بالتركيز على العمليات النوعية على حركة حماس، بمجرد الانتهاء من الهجوم البري الواسع، الذي أعقب القصف التمهيدي.

المرحلة الثالثة من الهجوم

بدأت إسرائيل بخفض عدد القوات، وتسريح جزء من الاحتياط والاكتفاء بالقوات النظامية، مع تنفيذ عمليات نوعية سريعة من قوات منتخبة تعمل فِرَقَ قتال باختراقات محدودة وسريعة، بناءً على معلومات استخبارية دقيقة ومؤكدة، يسبقها قصف جوي وأحزمة نارية وقصف مدفعي، مع إقامة منطقة عازلة (Buffer Zone) على كامل الحدود الخارجية من داخل القطاع بعمق كيلومتر واحد تقريباً.

بالإضافة إلى إنشاء مناطق عازلة عرضانية داخل القطاع تقسمه إلى ثلاث مناطق مع إنشاء مواقع أمنية وعسكرية تتولى المراقبة والسيطرة والتفتيش وتكون قادرة على رد الفعل السريع تجاه أي تهديدات مستقبلاً، مع الاستمرار بتنفيذ القصف المدفعي والبحري والغارات الجوية المكثفة، وحسب الموقف الاستخباري والعملياتي لحرمان فصائل المقاومة من قدراتها العسكرية التعرّضية المؤثّرة وصولاً إلى محاولة إنهاء تأثيرها العسكري والقضاء عليه واجتثاثه بشكل تام مستقبلاً.

حسب المعلومات المتوفرة فإن المرحلة الثالثة ستستغرق 6 أشهر لإنجازها، وهي التي بدأت بالفعل في شمال قطاع غزة، حيث تسعى إسرائيل من خلال الهجمات إلى تدمير البنية التحتية لحركة حماس في المناطق التي أنهت فيها القوات الإسرائيلية القتال.

تتضمن المرحلة تثبيت السيطرة والتطهير للمناطق والأحياء والمباني السكنية والبحث عن شبكات الأنفاق واستنزاف ومحاولة اجتثاث جيوب المقاومة، وتريد إسرائيل من خلال المرحلة الثالثة خلق واقع أمني جديد للحفاظ على أمن المستوطنات ومنع أي عمليات عسكرية أو أمنية تهدد سلامة وأمن الصهاينة، وهذا أمر بعيد.

تتطلع إسرائيل إلى محاصرة قطاع غزة وعزله بالكامل من خلال المنطقة العازلة، وكذلك السيطرة على محور فيلادلفيا على الحدود المصرية بطول 14 كم، الذي تعتقد إسرائيل أنّه من الضروري إغلاقه بالكامل من خلال بناء جدار استنادي تحت الأرض على طول المحور لمنع أي تحركات في شبكات الأنفاق المحتمَلة وإحكام الخناق على القطاع المحاصَر، مع وجود أنظمة مراقبة إلكترونية وكاميرات وقوات عسكرية وأمنية قادرة على المراقبة الدائمة ورد الفعل السريع.

استخدمت القوات الإسرائيلية أقصى قدرات قتالية تقليدية لديها في عمليات عالية الكثافة في الهجوم على غزة دون تحقيق أيٍّ من أهداف الحرب لغاية الآن، ولا خيار لها في الاستمرار بالعمليات على جبهات اختراق واسعة، بسبب الخسائر الفادحة التي تتعرض لها.

تسعى إسرائيل الآن إلى حرب استنزاف طويلة الأمد لشلّ قدرات فصائل المقاومة، إلى أن يجري الوصول إلى مرحلة أقل شراسة تستهدف بشكل مباشر قادة ومسؤولين ومقاتلين محددين من حماس والفصائل المسلحة التابعة لها.

على الرغم من التحديات التي يفرضها وجود شبكات الأنفاق التي تتطلب عمليات طويلة الأمد للتعامل معها وتحييدها، تتطلع إسرائيل إلى إنجازات لإضعاف حماس إلى الحد الذي يجعلها غير قادرة مستقبلاً على تكرار الهجوم الذي شنّته على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

ينصح الجانب الأمريكي إسرائيل بالتحول إلى استراتيجية أكثر تحديداً واستهدافاً، مع نهاية شهر يناير/كانون الثاني 2024، بناءً على الدروس المستفادة في حربي العراق وأفغانستان للانتقال من القتال المكثف إلى حملة أكثر تحديداً لاستهداف القادة السياسيين والعسكريين لفصائل المقاومة الإسلامية. كذلك حذّر وزير الدفاع الأمريكي إسرائيل من الاستمرار في استهداف المدنيين ومن أنّ النصر التكتيكي قد يتحوّل إلى هزيمة استراتيجية.

إنّ مراوغة نتنياهو أدّت إلى عدم الوضوح الاستراتيجي للحرب، والتخبط في الخطط العسكرية خلال العمليات القتالية في محاور القتال وعدم وضوح الرؤية، يصاحبه العمى والفشل الاستخباري وعدم الوضوح للمرحلة الثانية لما بعد الحرب.

بالإضافة إلى ما سبق فإنّ الخسائر الجسيمة التي يتعرض لها الجيش الإسرائيلي يومياً، مع عدم إمكانية تحقيق أيٍّ من أهداف الحرب، كل ذلك شكّل تحديات أمام صانع القرار السياسي لتسويق الإنجازات الوهمية للجمهور الإسرائيلي، فضلاً عن وجود تحديات لا يمكن تجاهلها على الجبهة الشمالية مع حزب الله، تتطلب رد فعل مستقبلاً قد يتطور إلى الدخول في حرب شاملة ومدمرة.

إنّ الواقع العملياتي والحصار المفروض على حركة حماس والفصائل الفلسطينية يفرض واقعاً صعباً وتحديات قاسية عليها خلال الأيام القادمة، ولا خيار لها سوى الاستمرار في القتال بالمجموعات الصغيرة وتبنّي تكتيك الذئاب المنفردة مع الاقتصاد في الجهد للاستمرار في استنزاف القوات الإسرائيلية، مع إمكانية واحتمالية أن تعيد حماس بناء جزء من قدراتها خلال المرحلة الثالثة.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي