أردوغان إلى الإمارات.. ماذا وراء الزيارة؟
تعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المرتقبة إلى الإمارات العربية المتحدة خطوة مهمة في مسار علاقات البلدين، جرى الإعلان عنها في شهر كانون الثاني من العام الجاري، بعد بضع سنوات من الجفاء والمشكلات العالقة.
كانت زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان إلى أنقرة قفزة في العلاقات بين البلدين  (AA)

تأتي هذه الزيارة بمثابة الخطوة الرئيسة الثانية لإتمام الوفاق التركي- الإماراتي، بعد زيارة ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا بدعوة من الرئيس التركي ، في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

أهداف ودلالات الزيارة

تجئ زيارة الرئيس التركي إلى الإمارات بعد نحو عشر سنوات من آخر زيارة، على الرغم من إصابة الرئيس التركي بفيروس كورونا (كوفيد-19) مؤخرا وتعافيه، إلا أن المسؤولون في تركيا أعلنوا أن الزيارة إلى الإمارات ستكون في موعدها المحدد، في إشارة إلى أهميتها.

تأتي زيارة الرئيس التركي في ظل ظروف تعرض الإمارات لقصف بصواريخ وطائرات مُسيّرة شنته جماعة الحوثي اليمنية في الأيام والأسابيع الماضية، ومن هنا فإن هذه الزيارة دعم ومساندة تركية للإمارات، فضلاً عن ذلك فالزيارة تتزامن مع أجواء من المصالحة وحلحلة المشكلات بين عدد من دول الشرق الاوسط.

أهم أهداف الزيارة استكمال طي صفحة التوتر بين البلدين، وتعزيز الشراكة الاقتصادية وبحث آليات إتمام ملف المصالحة الخليجية، ومناقشة سبل إيجاد مقاربة بين الموقف التركي والإماراتي تجاه الملف الليبي، وبداية حقبة جديدة من التفاهمات في الشرق الأوسط عموماً، وما يؤكد ذلك التصريحات الرسمية التركية التي أفادت بأن هذه الزيارة مقدمة لإعادة ترتيب العلاقات التركية -الإسرائيلية دون إغفال الحقوق الفلسطينية، ولتجاوز الخلافات وإعادة العلاقات مع مصر إلى مسارها الطبيعي.

إن زيارة الرئيس التركي إلى الإمارات، تعني أن الأخيرة اتخذت قراراً جدياً، بإعادة العلاقات مع تركيا إلى مسارها الإيجابي، وهي رغبة مشتركة في إعادة تفعيل وتطوير العلاقات بين الطرفين، وهذا لا يعني أن تركيا لم تكن لديها التوجهات ذاتها، فالإمارات شريك تجاري مهم لتركيا، يبلغ متوسط حجم التبادل التجاري السنوي بين الطرفين في العقد الأخير نحو 8 مليارات دولار، والإمارات تصنف بالمستثمر الخليجي الأول في تركيا، فضلاً عن روابط الأخوة والتاريخ والثقافة المشتركة.

ومن الأسئلة المطروحة حول الحراك الإيجابي الإماراتي تجاه تركيا: أين موقف أو دور السعودية؟ وللإجابة على هذا السؤال نورد احتمالين، الاحتمال الأول: من الممكن أن تكون الإمارات اتخذت قرارها بتفعيل العلاقات مع تركيا دون التشاور مع المملكة العربية السعودية، وقد يكون هذا هو الأقرب للواقع من الاحتمال الثاني: وهو تحرك الإمارات بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية. ومهما يكن فإن تركيا تسعى إلى تعزيز ودعم علاقتها مع المملكة السعودية بالقدر نفسه، رغماً عن ما يكتنف ملف الوفاق السعودي - التركي المرتقب بعض الغموض، بخاصة بعد أن أعلن الرئيس التركي أردوغان قبل أكثر من شهر عن زيارة مرتقبة إلى المملكة العربية السعودية في فبراير/شباط، لكن يبدو أن الزيارة جرى تأجيلها، مما يشير إلى أنه لم يجرِ التوصل بعد إلى صيغة حل نهائي تنهي الخلاف بين البلدين في بعض الملفات ذات الاهتمام المشترك .

محركات و دوافع التقارب التركي - الإماراتي

لا يخفى على صناع القرار في تركيا والإمارات أن العلاقات بين البلدين في حالتها الطبيعية هي علاقة رابح – رابح، وبالذات في الملف الأمني والاقتصادي؛ فتركيا دولة شرق أوسطية غير مغامرة تتعامل مع ملف السياسية الخارجية بروية ودون قرارات انفعالية، وطالما كانت تحظى بقبول واحترام من دول الخليج العربي، فضلاً عن اعتبارات الأخوة والتاريخ المشترك، التي تعد محركاً أساسياً للتقريب بين الإمارات وتركيا، فهي ليست علاقات مبنية على أساس مصلحة مشتركة فحسب. علماً بأن تركيا تمر بوضع اقتصادي فرض جملة من التحديات من بينها تذبذب قيمة الليرة التركية، ومن هنا فإن إمكانات الإمارات الاقتصادية مفيدة للاقتصاد التركي بعد ترجمتها إلى استثمارات مباشرة وغير مباشرة، ولاسيما أن تركيا دولة مستقرة، وفيها بيئة مثالية للاستثمار.

منذ نحو عقد من الزمن باتت دول الخليج العربي تدرك أن التعويل على الولايات المتحدة وحدها في حل مشكلات الخليج والتعاطي مع قضاياه، أمر يجانب الحكمة، بعد ضعف أداء الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع مشكلات المنطقة الملحة، والتخلي عن المساندة الجدية لحلفائها الخليجيين، منذ عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، هذا الأمر فاقم مشكلات سياسية وأمنية، كما هو حاصل في اليمن على سبيل المثال، ومن هنا ترسخت قناعة لدى صناع القرار السياسي في دول الخليج العربي بضرورة تنويع العلاقات الإقليمية والدولية وتفعيلها، وهذه الاستراتيجية تبنتها الإمارات وجعلتها من أولويات سياستها الخارجية، لذلك قامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وطورت علاقات دفاعية واقتصادية مع فرنسا والصين، وضمن السياسة ذاتها تفاعلت بجدية مع تحدي حل الخلاف مع تركيا، وقد كانت الأخيرة على استعداد لمبادلة الإمارات التوجه ذاته.

يعد التحدي الإيراني ضاغطاً جدياً على دول الخليج العربي، لذلك من مصلحة دول الخليج العربي إيجاد علاقات مع قوة إقليمية تنافس إيران، وهذه الاستراتيجية من الدوافع الأساسية للإمارات بالانفتاح تجاه تركيا، وتطوير علاقتها معها إلى أبعد مدى ممكن، ولاسيما أن إيران على مشارف توقيع اتفاق نووي جديد في مفاوضات فيينا، وهذا الاتفاق إذا وقع، سيترتب عليه تخفيف العقوبات عن إيران، إذن فالإمارات تستبق الأحداث، وتعيد بناء علاقاتها مع تركيا، فهي ودول الخليج عموماً بحاجة إلى دولة تخلق حالة من التوازن في قبال إيران.

النتائج المتوقعة للزيارة

لاشك أن الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الإمارات زيارة تاريخية، وستكون بوابة لزيارة الرئيس التركي دولاً أخرى في الشرق الأوسط، وستحظى باهتمام واسع إقليمياً ودولياً، وسيتمخض عنها نتائج وآثار مهمة، فهي ليست زيارة بروتوكولية لزعيم دولة؛ بل انطلاقة نحو علاقات تركية – إماراتية إيجابية، ومستقبلاً تركية – خليجية، وسبب من أسباب إتمام المصالحة الخليجية، ولاسيما أن العلاقات التركية-القطرية تمر بأفضل حالاتها، فضلاً عن الانفتاح الإماراتي على قطر وحصول أكثر من لقاء قطري -إماراتي لتفعيل نتائج لقاء العلا.

وفي ظل ظروف المنطقة فإن اللقاء على مستوى القيادات يعني أن المسؤولين المعنيين في البلدين وضعوا اللمسات الأخيرة على ملف إنهاء الخلاف التركي –الإماراتي.

من المتوقع أيضاً أن يتمخض عن زيارة الرئيس التركي نتائج مهمة سيعلن عنها أثناء الزيارة، أو بعد انتهائها مباشرة، على غرار نتائج زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا، التي تكللت بفتح صندوق استثماري إماراتي بنحو (10) مليارات دولار في تركيا.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي