عمّق مقتل 24 جنديّاً إسرائيليّاً، يوم الاثنين الماضي، خلال المعارك بقطاع غزة، المخاوف والانقسامات في إسرائيل بشأن مواصلة الحرب المدمرة على القطاع، كما كشف تفاصيل جديدة تتعلق بمهمة الجنود في تلك المنطقة في أثناء استهدافهم.
وقالت صحيفة "جيروزاليم بوست"، في تحليل، إن الجيش الإسرائيلي لم يعُد بوسعه تحقيق إنجازات على المستوى الاستراتيجي في غزة أكبر مما حقق بالفعل.
وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن الاستمرار على هذا النحو سيؤدي نهاية المطاف إلى إزهاق أرواح مئات الجنود دون هدف استراتيجي واضح.
وحسب تحليل الصحيفة الإسرائيلية، فإن مقتل 24 جنديّاً سيقوّي موقف الجناح المطالب بصفقة تُعيد الأسرى، حتى دون القضاء على حركة "حماس" كُليّاً.
لكن هذه الخسائر الفادحة والمتتالية لم تمنع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن التعهد بمواصلة الحرب حتى تحقيق ما سمّاه "النصر المطلق".
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن نتنياهو، خلال اجتماع مغلق لمجلس الوزراء، أن المرحلة الثالثة من حرب غزة ستستغرق نحو 6 أشهر.
لكن "وول ستريت جورنال" أكدت، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، أن التقديرات الاستخبارية تشير إلى أن "حماس" لا تزال تملك ذخائر تكفي لضرب إسرائيل عدة أشهر أخرى.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤولين إسرائيليين اعترافهم بأن هدف تدمير "حماس" خلال الحرب على غزة "لم يتحقق" رغم الحملة الجوية والبرية والدمار الهائل.
عملية مُركَّبة بالمغازي
وكانت "كتائب القسَّام"، الجناح العسكري لحركة المقاومة حماس، أعلنت، الاثنين الماضي، تنفيذ عملية مُركَّبة، شرق مخيم المغازي، وسط قطاع غزة، أسفرت عن مقتل 21 عسكريّاً إسرائيليّاً.
وأوضحت "القسَّام" أنها استهدفت منزلاً شرق مخيم المغازي تحصَّنت به قوة إسرائيلية، ما أدى إلى انفجار الذخائر التي كانت بحوزتها.
وأضافت أنها فجَّرت حقل ألغام في قوة إسرائيلية أخرى كانت في نفس المكان، ما أدى إلى إيقاع أفرادها بين قتيل وجريح.
كما دمَّرت القسَّام أيضاً دبابة ميركافا كانت تُؤَمّن القوة المتحصّنة في المنزل شرق مخيم المغازي بقذيفة الياسين 105.
وأسفرت العملية في مخيم المغازي عن مقتل 21 عسكريّاً إسرائيليّاً، وأعلن جيش الحتلال تفاصيلها، صباح الثلاثاء، ووصفها بأنها "الأصعب منذ بداية الاجتياح البري للقطاع في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي".
وارتفع عدد الضباط والجنود الإسرائيليين القتلى منذ بداية الحرب البرية في قطاع غزة منذ 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى 221، وفق تقديرات عبرية.
"أصعب الأيام"
في إطار ردود الفعل على عملية المقاومة الفلسطينية، قال نتنياهو إن "يوم أمس (الاثنين) كان من أصعب الأيام منذ اندلاع الحرب".
وأضاف أن مقتل 24 (3 ضباط في معارك بخان يونس) من الجنود في غزة لن يوقف مساعي إسرائيل من أجل تحقيق "النصر المطلق"، وفق تعبيره.
وكتب الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، عبر منصة "إكس"، الاثنين: "صباح صعب بشكل لا يطاق"، مضيفاً: "حتى في هذا الصباح الحزين والصعب، نحن أقوياء.. ومعاً سننتصر".
من جهتها، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن الانفجار الذي أسفر عن مقتل الجنود وقع على بُعد 600 متر من الشريط الحدودي، مؤكدة أن عمليات إنقاذ المصابين في انهيار المبنيين من تحت الأنقاض استمرت ساعات طويلة الليلة الماضية.
وأشارت إلى أن طاقم الدبابة الذي وُجِد لتأمين الجنود بمكان الحادث أُصيب إصابة مباشرة بقذيفة المقاتلين الفلسطينيين.
"منطقة عازلة"
لكن حادثة استهداف الجنود الإسرائيليين في المبنى كانت تُخفي وراءها مخططاً إسرائيليّاً أكبر، إذ كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن إسرائيل كانت تحاول هدم جزء من ضاحية فلسطينية في إطار مساعيها لإنشاء "منطقة عازلة" بين قطاع غزة وإسرائيل، وذلك حينما قتل 21 جنديّاً من جنودها.
ونقلت الصحيفة المعلومات عن 3 مسؤولين إسرائيليين وضابط مشارك في عمليات الهدم وسط غزة.
وأوضح المسؤولون أن إسرائيل تهدف إلى هدم عديد من المباني الفلسطينية القريبة من الحدود من أجل إنشاء "منطقة أمنية".
وأوضح اثنان من المسؤولين أن الهدف هو "إنشاء منطقة عازلة تصل إلى 0.6 ميل على طول الحدود مع غزة، والبالغة نحو 36 ميلاً".
وتهدف إسرائيل بإنشاء هذه المنطقة العازلة إلى تفادي تكرار هجمات مثل التي جرت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
كما تسعى إلى "إقناع الإسرائيليين الذين جرى إجلاؤهم من المستوطنات الجنوبية (غلاف غزة)، بالعودة إلى منازلهم".
وكان المقرر الخاص للأمم المتحدة، المعني بالحق في السكن اللائق، بالاكريشنان راجاغوبال، قد قال إن "التدمير المنهجي للمنازل الفلسطينية الحدودية يمكن أن يشكل جريمة حرب، لأنها لا تشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل".
وأوضح راجاغوبال في تصريحات لنيويورك تايمز أنه "لا يوجد أي بند في اتفاقيات جنيف بشأن ما تفعله إسرائيل على الحدود، وهو نوع من التدمير الاستباقي للممتلكات".
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشنُّ جيش الاحتلال الإسرائيلي حرباً مدمرة على قطاع غزة، خلَّفت حتى صباح الثلاثاء "25 ألفاً و490 شهيداً و63 ألفاً و354 مصاباً، معظمهم أطفال ونساء"، وفق السلطات الفلسطينية، وتسببت في "دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة"، حسب الأمم المتحدة.