لم تتضح سياسة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن بشكل كامل تجاه منطقة الخليج، لكن بعض الملامح تشير إلى تحركات أكثر صرامة وجدية ممَّا كان عليه عهد سابقه دونالد ترمب.
آخر تلك الملامح تسمية واشنطن، الجمعة الماضية، روبرت مالي، المستشار السابق في إدارة باراك أوباما، وأحد مهندسي الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، مبعوثاً خاصاً لإيران.
مالي الذي تقول واشنطن إنه منع إيران من تطوير قنبلة نووية، يواجه سيلاً من الانتقادات الأمريكية تتهمه بـ"التساهل مع بلد عدو". وكتب السيناتور الجمهوري توم كوتون في 21 يناير/كانون الثاني في تغريدة "مالي معروف بتعاطفه مع النظام الإيراني وعدائيته تجاه إسرائيل".
ولم تعلق إسرائيل أو حليفاتها من دول الخليج على هذا التعيين، وسط تخوفها من سياسات بايدن الذي أنهى مجيئه أربع سنوات من الدعم الكامل والواضح لتل أبيب والسعودية والإمارات على وجه الخصوص.
وروبرت مالي صديق طفولة وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي أظهرت تصريحاته الأخيرة أيضاً سياسة غير متساهلة مع دول الخليج، رغم توقيع بعضها اتفاقيات للتطبيع مع إسرائيل.
وأكد بلينكن هذا الأسبوع نية بايدن العودة إلى الاتفاق النووي، شرط أن تجدد إيران الالتزام بتعهداتها المنصوص عليها في الاتفاق والتي بدأت بالتخلي عنها رداً على عقوبات إدارة ترمب.
وفي أول مقابلة تليفزيونية أجراها مع قناة NBC الأمريكية الأحد، وصف بلينكن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بـ"العمل الشائن". وأكّد أن "واشنطن تراجع علاقتها مع السعودية لتضمن أنها تتماشى مع المصالح والمبادئ الأمريكية".
بيد أن بلينكن رفض "إدانة وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي خلصت وكالة الاستخبارات المركزية إلى أنه أمر بقتل خاشقجي"، حسب NBC، دون أن يوضح حيثيات الرفض.
لكن رئيسة الاستخبارات الوطنية الأمريكية الجديدة أفريل هاينز، تعهدت بنشر ملف مفصل عن مقتل خاشقجي، خاصة أن أغنيس كالامار المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أكدت أكثر من مرة أن محمد بن سلمان هو "المشتبه به الرئيسي" في الجريمة.
وفي إطار تغيير السياسات، قال البيت الأبيض إن الرئيس جو بايدن يعتزم الإبقاء على الرسوم الجمركية على واردات الألومنيوم من الإمارات، في تراجع عن خطوة اتخذها الرئيس السابق دونالد ترمب لإنهاء الرسوم في آخر يوم من رئاسته.
وقال ترمب في 20 يناير/كانون الثاني إنه سيستثني الإمارات من رسوم جمركية تبلغ 10% فُرضت على معظم واردات الألومنيوم في 2018، مضيفاً أن البلدين توصلا إلى اتفاق حصص سيحد من واردات الألومنيوم. وكان من المقرر أن يدخل الإعفاء حيز التنفيذ يوم الأربعاء.
ومنح ترمب الإعفاء بعد فترة وجيزة من إعلان الإمارات "شريكاً أمنياً رئيسياً" وتوقيع اتفاق لبيع 50 طائرة مقاتلة من طراز F-35. وفي الأسبوع الماضي علقت إدارة بايدن هذا الاتفاق مؤقتاً وصفقة أخرى لبيع ذخائر للسعودية بهدف مراجعتها.
وتواجه صفقات بيع الأسلحة للسعودية والإمارات معارضة في الولايات المتحدة، حيث تثير الانتهاكات التي ارتكبتها الدولتان في الخارج، القلق في الكونغرس الذي يتخوف الكثير من أعضائه من وقوع تلك الأسلحة بالأيدي الخطأ.
وتتهم منظمات دولية الإمارات بارتكاب فظائع في ليبيا واليمن، من بينها قصف طلاب كلية عسكرية عزل في طرابلس في يناير/كانون الثاني الماضي، ممَّا أدى إلى مقتل العشرات.
كما وعد جو بايدن خلال حملته الانتخابية بأنه سيجعل السعودية "دولة منبوذة"، وسيضمن عدم استخدامها للأسلحة الأمريكية في اليمن، حيث أدت الحرب المستمرة منذ سنوات في هذا البلد إلى انهيار البنية التحتية ومقتل آلاف المدنيين.
وترى صحيفة الغارديان البريطانية أن "تجميد الأسلحة سيثير قلق إسرائيل خاصة فيما يتعلق بالتهديد الإيراني، وقد رحبوا (تل أبيب) بوجود حلفاء عرب مجهزين بشكل جيد ومستعدين وقادرين على المساعدة في احتواء طهران".
ورأت في تحليل لها أن "بايدن سيواجه معارضة كبيرة من هذا المحور الإسرائيلي الخليجي الجديد، حيث إن إسرائيل والخليج يعارضان بشدة أي تقارب بأي شروط مع إيران".
بدورها ذكرت القناة 12 العبرية، منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، أن إدارة بايدن أبلغت مسؤولين إسرائيليين بأنها بدأت اتصالات سرية مع مسؤولين إيرانيين للعودة إلى الاتفاق النووي.
ويُلاحظ هنا عدم تواصل بايدن مع أي من قادة السعودية والإمارات اللتين درجتا على إعلان قلقهما من "التغول الإيراني" في المنطقة، على الرغم من تواصله مع زعماء عديدين في دول أخرى.
وفي حديثها عن اختلاف الإدارة الحالية، تقول صحيفة لاكروا الفرنسية إن بن سلمان لم يعد يحظى بالضمانات التي أمنها له ترمب، وإن "إدارة بايدن قد تستعمل قضية خاشقجي كأداة ضغط على السعودية خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والبحث عن مخرج للأزمة اليمنية".
لكن هذه الضغوط قد لا تعني بالضرورة إعادة النظر بالشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية، حيث إن "تصميم بايدن على التوفيق بين الالتزام بإيران والحفاظ على العلاقة مع إسرائيل وتوبيخ بن سلمان قد يصطدم بضرورات الواقعية السياسية"، وفق الصحيفة.