تشير الدراسات إلى أن واحداً من كل خمسة أشخاص مسجونين في الاتحاد الأوروبي لم تجرِ إدانته بارتكاب جريمة، وإنما يقبع في حبس احتياطي غير ضروري في معظم الحالات.
في كتابه "الجميع ليسوا سواسية أمام القانون" قال المحامي والصحفي رونين ستاينكه إن آلاف الحالات التي يجلس فيها المشتبه به في الحبس رغم عدم وجود حكم نافذ بذلك، تقع سنوياً.
ففي عام 2020 احتُجز حوالي 27 ألفاً و500 شخص على ذمة المحاكمة في ألمانيا، أي ما يقرب من 3% من جميع المتهمين بارتكاب جرائم. وعلى سبيل المثال كان 12 ألف شخص من أصل 60 ألف شخص في يناير/كانون الثاني من عام 2021 ممن يقبعون في السجون الألمانية لا يقضون عقوبة نهائية بالسجن، وإنما كانوا محبوسين فعلياً حتى انتهاء إجراءات محاكمتهم، بينما يُفترض أنهم بريئون حتى تثبت إدانتهم.
وفي أنحاء الاتحاد الأوروبي يقبع حالياً نحو 100 ألف شخص في السجون رهن الحبس الاحتياطي، وهو الحبس الذي يكون قبل إجراءات المحاكمة ويمكن أن تصل مدته في المتوسط إلى شهور وحتى أكثر من عام، حسب البلد المعني.
حبس احتياطي بسبب "جرائم صغيرة"
على الرغم من أن الرعايا الأجانب يشكلون 12% فقط من إجمالي عدد نزلاء السجون في ألمانيا -وفقاً للإحصاءات الاتحادية- فإنهم يمثلون 60% من إجمالي الأشخاص المحتجزين قبل المحاكمة.
وجدت إحدى الدراسات أن معظم الأشخاص الذين يقبعون في الحبس الاحتياطي هم عاطلون عن العمل، وكان نصفهم تقريباً يعاني التشرد وقت إلقاء القبض عليهم.
كذلك تقول كريستينه مورغنشترن أستاذة القانون الجنائي ودراسات النوع الاجتماعي في جامعة برلين الحرة إن أكثر من ثلث الأشخاص المحتجزين على ذمة المحاكمة في جميع أنحاء ألمانيا متهمون بجرائم صغيرة، “فعادة ما يسرقون بعض زجاجات الخمر أو بعض القهوة أو مشروباً للطاقة أو سلطة اللحم أو السردين.
المهمشون الأكثر عرضة للحبس الاحتياطي
وجدت أطروحة الدكتوراة لمحامية الدفاع الجنائي لارا فولف -وهي إحدى الدراسات التجريبية القليلة حول مخاطر الفرار من المحاكمة في ألمانيا والاتحاد الأوروبي- أنه في غياب الأدلة فإن القضاة يشكلون تقديراتهم الخاصة عن المشتبه بهم بناءً على التجارب الشخصية والأفكار المسبقة عن هؤلاء الأشخاص.
وتُظهر الأعمال المرجعية القانونية والمقابلات مع القضاة أن وجود اتصالات وعلاقات مع آخرين خارج السجن، على سبيل المثال، تُعتبر بشكل عام عاملاً من عوامل زيادة مخاطر الهروب.
كذلك ينظر إلى الوظيفة الثابتة والتعليم الجيد والعلاقات الشخصية للمشتبه بهم على أنها عوامل تقلل من مخاطر الهروب. والنتيجة النهائية هي أن الأشخاص من الفئات المهمشة هم الأكثر عرضة للاحتجاز قبل المحاكمة.
وغالباً ما يكون الحبس الاحتياطي أقسى من عقوبة السجن: إذ يُحبس الأشخاص لمدة 23 ساعة في اليوم ولا يتواصلون كثيراً مع العالم الخارجي ولديهم القليل جداً من الأنشطة التي يمكن ممارستها لاستهلاك الوقت.
تقول مورغنشترن إن تدابير إعادة الإدماج مثل العمل مقابل أجر في السجن والبرامج الاجتماعية ليست متاحة للأشخاص الذين يُفترض أنهم أبرياء لكنهم قيد الحبس الاحتياطي. هذا بالإضافة إلى التجربة المؤلمة المتمثلة في أن يجري اقتلاع المرء من حياته بلا فكرة واضحة عما سيأتي بعد ذلك.
نصف الحالات تنتهي من دون أحكام بالسجن
الحبس الاحتياطي هو وضع يمكن أن يستمر لفترة، إذ إن نحو 80% من الأشخاص القابعين في الحبس الاحتياطي يقضون أكثر من ثلاثة أشهر خلف القضبان.
وينص القانون الألماني على أن الوقت الذي يقضيه الشخص في الاحتجاز قبل المحاكمة يجب أن يكون متناسباً مع العقوبة المحتملة، كما يجري أيضاً خصم وقت الحبس الاحتياطي من الحكم النهائي.
وبدلاً من الحبس الاحتياطي يدعو البعض إلى إخضاع الأشخاص للمراقبة الإلكترونية في منازلهم كلما كان ذلك ممكناً، وهي ممارسة شائعة في إيطاليا وبلجيكا.
لكن مورغنشترن قالت إن الإقامة الجبرية لم تقلل من عدد الأشخاص الخاضعين لهذا النوع من الإجراءات التحفظية. وقالت: "في بلجيكا، على سبيل المثال، يستخدمون هذه البدائل كثيراً، لكنهم لا يزالون يحتجزون العدد نفسه من الأشخاص".