لم يعد خفيّاً سعي الإمارات لتعزيز نفوذها في منطقة القرن الإفريقي، ولعبها دوراً في تعميق حالة عدم الاستقرار الذي يعيشه بعض دوله، خصوصاً في الصومال، البلد الذي بدأ يتعافى تدريجياً من تركة سنوات الحرب وعدم الاستقرار الطويلة.
وبعد تكثف الدعم الدولي والإقليمي الذي تتلقاه حكومة الصومال الشرعية، خصوصاً من تركيا وقطر، زجّت الإمارات بنفسها في حسابات البلاد المعقدة، وأصبح في حكم المسلَّم به علاقتها ودعمها من تحت الطاولة لـ"حركة الشباب" الإرهابية. فما الدور الذي تلعبه الإمارات في القرن الإفريقي؟
أنشطةٌ هدّامة ودعم للإرهاب
في الوقت الذي كانت تعيش فيه ليبيا مرحلة صعبة من مراحل الصراع بين الحكومة المعترَف بها دولياً، والانقلابي خليفة حفتر، كانت الإمارات حاضرة في الصورة، من خلال دعمها العسكري لميليشيات حفتر، ورفضها إدانة انقلابه وتعيين نفسه قائداً لليبيا دون أي شرعية.
في الصورة الخلفية لهذا الدور الإماراتي، تأتي مطامعها الإقليمية وتنافسها مع دور تركيا التي تقف إلى جانب الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً في البلاد، خصوصاً بعد تصريحات خارجيتها المهاجمة لتركيا، ما دفع الناطق الرسمي باسم الخارجية التركية حامي أقصوي إلى القول إن الإمارات تحاول "إخفاء سياسة منافقة لدولة تقدم كل أشكال الدعم للانقلابيين".
وفي معرض رده على بيان للخارجية الإماراتية، أشار أقصوي إلى أن الإمارات تحاول "التغطية على أنشطتها الهدامة"، إذ قدمت لسنوات أسلحة ومستلزمات عسكرية وجنوداً مأجورين في ليبيا وفي غيرها.
وأوضح أقصوي أن المجتمع الدولي على دراية بحركات زعزعة الاستقرار والأمن والسلم الدوليين التي تنفذها الإمارات في المنطقة بأسرها، ومنها اليمن وسوريا والقرن الإفريقي، وأردف: "في هذا الإطار، فإن دعم الإمارات للتنظيمات الإرهابية، على رأسها حركة الشباب في الصومال، ليس سرّاً".
وكان تقرير لفريق الرصد التابع للأمم المتحدة حول العقوبات المفروضة على الصومال كشف أن الإمارات "تراجعت من حيث الاتساق والفاعلية عن تنفيذ الحظر المفروض على تصدير الفحم"، الذي يعدّ المصدر الرئيسي لتمويل حركة الشباب الإرهابية.
وأفرد التقرير فقرة لرصد انتهاك الإمارات لحظر الأسلحة المفروض على الصومال، وكشف أن "حركة الشباب تتلقى نحو 10 ملايين دولار سنوياً من تجارة الفحم غير المشروعة، ولا تزال مدينة دبي وجهة التصدير الرئيسية، إضافة إلى كونها مركزاً للشبكات الإجرامية التي تنتهك الحظر المفروض على تصدير الفحم في إفلات شبه كامل من العقاب".
توسيع النفوذ في القرن الإفريقي
في ورقة بحثية عن الدور الإماراتي في الصومال وجيرانها، قالت مجموعة الأزمات الدولية، إن الإمارات برزت مؤخراً "بوصفها لاعباً فاعلاً ومهمّاً في القرن الأفريقي" من خلال "التحالفات السياسية والمساعدات والاستثمارات، أو اتفاقيات إقامة قواعد عسكرية وعقود بناء المواني"، مما يجعلها "توسّع نفوذها في المنطقة".
وحسب ما جاء في ورقة بحثية لمركز بروكنغز، فإن الإمارات بالإضافة إلى السعودية تلعب دوراً أساسياً في منطقة القرن الإفريقي، من خلال سعيها لعقد اتفاقيات للسيطرة على عدد من المواني في المنطقة، وإقامة قواعد عسكرية تساعدها في حرب اليمن، بالإضافة إلى الاستفادة من الموارد الاقتصادية التي تتيحها هذه الاتفاقيات.
ويُعَدّ أغلب هذه الاتفاقيات إما مجحفاً في حق دول القرن الإفريقي، وإما معتدياً على سيادتها في كثير من الأحيان، ومن ذلك تراجع جيبوتي عن اتفاقية أبرمتها مع أبو ظبي في هذا الخصوص، بعد أن اعتبرتها مجحفة في حقها وغير منصفة.
في هذا الصدد قال حسن شيخ أستاذ العلاقات الدولية في جامعة مقديشو، إن "خطط استثمار الإمارات في مواني القرن الإفريقي لا تتوافق مع نهج الاستثمارات الأجنبية، وإنما تهدف إلى تجفيف منابع اقتصاد غيرها خدمة لموانيها، التي تجذب ملايين الحاويات يومياً على حساب الدول المطلة على خليج عدن والبحر الأحمر".
وأضاف حسن شيخ أن "الإمارات تستغل احتياجات الدول الفقيرة عبر إغرائها بأموال باهظة بغية تمرير مساعيها للسيطرة على مواني ومصادر اقتصاد هذه الدول، لكن معظم تلك الدول أدركت خفايا تلك الاستثمارات، وفسخت اتفاقياتها، مثل جيبوتي".
سلّحت المخابرات الإماراتية بعض القبائل وأمدتهم بالمال السياسي لإدارة الفيدرالية، واتجهت نحو دعم الانفصاليين في أرض الصومال
الرهان على تقسيم الصومال
الصومال الذي عاش سنوات حرب طويلة، يراكم أيضاً نزاعات سياسية حول السيادة، ففي البلاد إقليمان أعلنا استقلالهما عن الحكومة المركزية، أبرزهمها إقليم "أرض الصومال" (صوماليلاند).
وبعد خلافها مع الحكومة الصومالية الاتحادية، التي تحصل على دعم تركي وقطري، تسعى الإمارات لتقويض سلطة الحكومة الشرعية وإسقاطها، إذ يقول الباحث الصومالي علي جبريل إن "طبيعة الدور الإماراتي تتجلى في محاولة تقسيم الصومال عبر الولايات الفيدرالية".
ويضيف جبريل أن الإمارات خططت "في خضمّ سياستها التخريبية في المنطقة لمشروع تقسيم الصومال بدعم الولايات الفيدرالية، وإضعاف الدولة الاتحادية، بل إنها لم تتورع عن إنشاء كيان موازٍ للدولة الصومالية… إذ سلّحت المخابرات الإماراتية بعض القبائل وأمدتهم بالمال السياسي لإدارة الفيدرالية، واتجهت نحو دعم الانفصاليين في أرض الصومال".
وفي الوقت الذي لا تعترف فيه أي دولة باستقلال إقليم "أرض الصومال"، تحاول الإمارات تعزيز حضورها هناك، لإعلانها تدريب قوات أمن في المنطقة، وعقد اتفاق لإنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في مطار مدينة بربرة في الإقليم.
في هذا الصدد قالت شبكة BBC إن هذه الخطط الإماراتية تأتي "وسط معارضة من الصومال، الذي يعتبر الأمر انتهاكاً لسيادته"، إذ قال مسؤولون بارزون إن "مثل هذه الاتفاقات تُعَدّ تجاوزاً على السلطة الشرعية لمقديشو".