رغم كون السلالة الجديدة لفيروس كورونا تم رصدها في بعض الدول فقط، كجنوب إفريقيا وبريطانيا وهولندا والدنمارك، فإن بقية بلدان العالم بدأت المسارعة للتأهب لمواجهة الطفرة الجديدة، وباشرت في إغلاق المطارات مع هذه الدول، وسط تساؤل كبير عن تمكن اللقاحات من مواجهة سرعة الانتشار والإصابة.
وكشف الظهور السريع للسلالة الجديدة عن تخوف كبير في الأوساط السياسية والطبية من ظهور أشكال أخرى للفيروس أكثر فتكاً بالمصابين في حال توافرت الأجواء الملائمة لذلك، بخاصة أمام عدم تمكن البلدان من السيطرة التامة على انتشار فيروس كورونا الذي عاد في الارتفاع من جديد.
بريطانيا تعلن تسجيل سلالة جديدة لكورونا
عقد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مؤتمراً صحفياً يوم السبت 19 ديسمبر/كانون الأول، ليعلن فيه تسجيل انتشار سريع لسلالة جديدة من فيروس كورونا، قرر بموجبها إعلان العودة إلى الحجر المنزلي من جديد، وفرض قيود أكثر على التجمعات والمتاجر والمرافق غير الأساسية.
ووسط تخوف كبير، وعدم يقين من مدى اختلاف الطفرة الجديدة عن خاصيات الفيروس الأم Covid 19 ،أعلنت ماريا فان كيرخوف، إحدى المسؤولات في منظمة الصحة العالمية، عن عدم تأكد المنظمة من اختلاف النوع الجديد من الفيروس عن الفيروس العادي، وأنهم سيقومون بدراسة تطوره ومدى تأثيره على مناعة جسم الإنسان.
وبعد أيام من تصريح جونسون ومجموعة الإجراءات الأولية التي قام بفرضها، أيد وزير الصحة البريطاني مات هانكوك ذلك معلناً في مؤتمر صحفي تسجيل المملكة المتحدة انتشاراً واسعاً لسلالة جديدة من فيروس كورونا. ورجح أن مصدرها مسافرون قادمون من جنوب إفريقيا، وأن الانتشار السريع الذي رصدته المملكة المتحدة مؤخراً يحتم رفع درجة الحيطة، وإلزام الجميع الحجر المنزلي، بخاصة أن بلاده تشهد نفس الذروة الماضية مع الانطلاق الأول لانتشار فيروس كورونا.
وأعلنت السلطات البريطانية ارتفاعاً كبيراً ولافتاً في عدد الإصابات والوفيات، في الأيام الأخيرة عقب اكتشاف انتشار السلالة الجديدة من الفيروس، إذ سجلت المملكة المتحدة 39 ألفاً و237 إصابة جديدة و744 حالة وفاة بكورونايوم الثلاثاء 22 ديسمبر/كانون الأول.
ما مدى اختلاف السلالة الجديدة للفيروس؟
قالت الدكتورة سوزان هوبكنز من الصحة العامة في إنجلترا (PHE) إن الطفرة الجديدة للفيروس لها "تركيبة جينية واضحة للغاية يمكننا اتباعها"، وإن العلماء اكتشفوا أن السلالة الجديدة "أكثر قابلية للانتقال من الأنواع الأخرى المتداولة".
وأضافت الدكتورة هوبكنز أنه من السابق لأوانه القول ما إذا كانت السلالة الجديدة ستزيد عدد الوفيات.
كما أكد البروفيسور كريس ويتي، كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا، أنه "لا دليل حالياً يشير إلى أن السلالة الجديدة تسبب ارتفاع معدل الوفيات أو أنها تؤثر في اللقاحات والعلاجات".
والمعروف عن الفيروسات أنها تشهد تطورات وتحورات عديدة، ووفقاً لذلك فقد سجل العديد من الدول الأوروبية والآسيوية طفرات مختلفة للفيروس، اضطرت على أثرها إلى تقييد الحركة وفرض مزيد من القيود للحد من انتشارها الواسع.
كما أشار العديد من البحوث العلمية نتيجة رصد سلوك انتشار الوباء وأعراضه على المصابين، إلى أن ما يحتاج إليه الفيروس ليتمكن من تطوير مناعته وإمكانياته في التحول إلى نسخة جديدة، هو تخطيه كل دفاعات الجسم وبقاؤه بالتالي فترة طويلة في جسد مريض مصاب بمرض من الأمراض المزمنة.
إلا أن كل هذه الاستنتاجات لا تزال غير يقينية، ما يعني أن النتائج القريبة من الصواب تحتاج إلى استمرار الأبحاث ورصد انتقال الوباء ومدى سرعته في الانتشار، لذلك تستمر جهود المنظمات العالمية والمخابر في عديد دول العالم في الرصد وإجراء التجارب والتحاليل.
هل تتمكن اللقاحات من التحصين ضد السلالة الجديدة؟
أثارت الأنباء المتداولة عن ظهور سلالة جديدة لفيروس كورونا حالة من الذعر والهلع في أنحاء العالم، وسط استفسار ملحّ عن مدى قدرة اللقاحات الحالية من التحصين ضد الوباء.
ووفقاً للنتائج المخبرية المنشورة فإن نسبة 5% تقريباً معرضون للإصابة بكورونا مرة أخرى بعد إجراء اللقاح.
بعد أن أعلنت شركة بيونتيك الألمانية إنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا رفقة شركة فايزر الأمريكية والانطلاق في حملات التطعيم حول العالم، صرح المدير التنفيذي لبيونتيك، أوغور شاهين بأن فريق العمل قادر على إنتاج لقاح مضاد للنسخة الجديدة من الفيروس خلال ستة أسابيع، وأن احتمالية نجاحه مرتفعة نسبياً، كما أنه سيتم تطبيق النسخة الحالية من اللقاح على السلالة الجديدة للفيروس ورصد مدى نجاعتها في المختبرات.
كما أكدت شركة مودرنافي بيان لـ"سي إن إن" أنها تتوقع أن يوفر لقاحها الحالي حصانة كبيرة ضد السلالة الجديدة للفيروس المنتشرة في المملكة المتحدة.
وفي نفس السياق، قال ماركو كافاليري، رئيس فريق مكافحة الأوبئة التابع لوكالة الأدوية الأوروبية، في إفادة صحفية إن استجابة الجسم للقاح لا ينبغي أن تتأثر بتأثيرات الطفرات في السلالة الجديدة، وإنه ولو لم يكن تأكيد كامل حتى الآن، فمن المحتمل جداً أن تحتفظ اللقاحات الحالية بالحماية ضد النسخة الجديدة للفيروس.
كما أشار منصف السلاوي، مستشار مدير برنامج "وارب سبيد" الذي أطلقته الحكومة الأمريكية لتطوير لقاحات ضد الفيروس وتوزيعها، في ما يتعلق بمسألة حدة العدوى، إلى أنه يجب إجراء تجارب على حيوانات مستضيفة للفيروس ويتم نقل العدوى لها بشكل متعمَّد، من أجل تحديد السبب والنتيجة.
ورغم التصريحات الأكثر تفاؤلا للمنظمات والخبراء حول العالم، لم يمنع ذلك السلطات في أوروبا وبقية بلدان العالم من غلق الحدود ووقف حركة الطيران في اتجاه المملكة المتحدة والبلدان التي سجلت ظهور السلالة الجديدة.
كما تم أخذ الاحتياطات وزيادة درجة التأهب لمواجهة الفيروس، بخاصة أن الطفرة الجديدة تشهد انتشاراً سريعاً وواسعا أثار قلق المراقبين والمسؤولين.
ولكن في نفس الوقت تبقى الأنباء المتداولة عن شدة فتك النسخة الجديدة من الفيروس بالمصابين غير دقيقة و تحتاج إلى مزيد من الوقت والرصد للوصول إلى نتيجة حاسمة عن مدى خطورته، وسيظلّ العالم يتجه إلى الإغلاق مرة أخرى لفترة من الصعب التكهن بطول مدتها.