هل تستطيع الحكومة العراقية إنهاء مهمة "التحالف الدولي"؟
يعيش العراق على صفيح ساخن منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعد أن أطلقت فصائل المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى"، وما تبعها من رد انتقامي على قطاع غزة من إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة.
التحالف الدولي العراق / صورة: AA (AA)

أعلن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني في 5 يناير/كانون الثاني الجاري عن تشكيل لجنة ثلاثية من أجل العمل على إنهاء وجود قوات التحالف الدولي في العراق.

وجاء هذا الإعلان خلال الذكرى السنوية الرابعة لمقتل قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني، التي أقامتها هيئة الحشد الشعبي العراقي لتأبين سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، اللذين قُتلا في غارة جوية أمريكية مطلع عام 2020.

العراق على صفيح ساخن

يعيش العراق على صفيح ساخن منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعد أن أطلقت فصائل المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى"، وما تبعها من رد انتقامي على قطاع غزة من إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة.

وتزايدت بشكل ملحوظ هجمات الفصائل التابعة للحشد الشعبي العراقي على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، وبلغت 115 هجوماً في الفترة الممتدة بين 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و5 يناير/كانون الثاني 2024.

وقابلت القوات الأمريكية التصعيد ضدها بضربات جوية مركزة، استهدفت مقرات ومنشآت تتبع لكل من كتائب حزب الله العراقي وحركة النجباء التابعتين للحشد الشعبي.

وبحسب ما أكدته القيادة المركزية الأمريكية، فإن هدف الغارات محاسبة العناصر المسؤولة بشكل مباشر عن الهجمات ضد قوات التحالف الدولي في العراق وسوريا، وتقليل قدرتها على مواصلة تنفيذ الاعتداءات.

ولم تكتفِ فصائل الحشد الشعبي خلال الفترة الماضية بمهاجمة القوات الأمريكية، وإنما وسعت دائرة الاستهداف لتشمل قوات البيشمركة في محافظة أربيل، الأمر الذي أدى إلى توتر الأجواء بين حكومة إقليم شمال العراق والحكومة العراقية الاتحادية.

دوافع بغداد لإنهاء مهام التحالف

أتى إعلان رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني عن تشكيل لجنة للإعداد لإنهاء مهام التحالف الدولي، بعد ضربات جوية أمريكية مؤثرة، نتج عن إحداها مقتل قائد كتيبة صواريخ في حركة النجباء التابعة للحشد الشعبي المدعوم إيرانياً، ويدعى أبو تقوى السعدي.

ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي العراقي، حاتم الفلاحي، أن "إيران تمارس ضغوطاً كبيرة على الحكومة العراقية، من أجل دفعها لإنهاء مهام التحالف الدولي".

ويؤكد الفلاحي في حديثه مع TRT عربي، أن "الضغوطات تجري عن طريق فصائل الحشد الشعبي المرتبطة بإيران".

وسبق أن توعدت في مايو/أيار 2021، فصائل تابعة للحشد الشعبي وعلى رأسها كتائب حزب الله وحركة النجباء وكتائب سيد الشهداء، بتصعيد الهجمات ضد القوات الأمريكية من أجل دفعها لمغادرة العراق.

ويتفق البرلماني العراقي السابق عمر عبد الستار مع تفسير دوافع إعلان الحكومة العراقية، بأنها "ناجمة عن رغبة إيرانية"، مؤكداً أن "إيران تصنّّف اليوم الفاعل الدولي الأكثر تأثيراً في السياسة العراقية الخارجية".

ويبيّن عبد الستار في حديثه مع TRT عربي، أن "الحرس الثوري الإيراني له دور كبير في ترتيب وتنظيم قوات الحشد الشعبي والقوات الأمنية، بما في ذلك وزارة الداخلية، وبناءً عليه فإن مغادرة قوات التحالف الدولي للعراق يعزّز تموضع العراق ضمن محور إيران".

وبحسب وجهة نظر عبد الستار، فإن الانتخابات المحلية الأخيرة، وما نتج عنها من حصول الإطار التنسيقي الذي تنضوي ضمنه أغلبية فصائل الحشد الشعبي على أكبر حصة في مجالس المحافظات، فتحت الأبواب أمام الضغط على رئيس الحكومة للمطالبة بإنهاء مهام قوات التحالف، لأن إيران ترغب مجدداً في العمل بالعراق من دون وجود التحالف الدولي، لكن مع مراعاة مصالحه وعدم تعطيلها.

ويعتقد مراقبون ومحللون عراقيون، بوجود مستويات ضغط كبيرة على رئيس الوزراء العراقي تُمارس من الفصائل المسلحة والإطار التنسيقي، ما جعل السوداني يسعى لامتصاص غضب تلك القوى من خلال المطالبة بانسحاب قوات التحالف، لأنه يفكر بتخفيف التداعيات السلبية على مستقبله السياسي.

هل يمكن إنهاء مهام التحالف الدولي؟

لم يستبعد البرلماني السابق عمر عبد الستار فرضية انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق، مبرراً وجهة نظره بأن الهجمات التي تتعرض لها قد تدفعها في نهاية المطاف لمغادرة سوريا والعراق معاً، وخاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على توفير بدائل متمثلة بتعزيز نفوذ التحالف الدولي في مياه البحر الأحمر.

وحذّر عبد الستار من احتمالية تكرار سيناريو عام 2014، فقد أدى تقليص نفوذ واشنطن في العراق إلى ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي، وتأسيس فصائل الحشد الشعبي المرتبطة بإيران.

من جهته أقرّ الخبير الاستراتيجي حاتم الفلاحي بقدرة الحكومة العراقية من الناحية القانونية العمل على إخراج قوات التحالف الدولي من العراق، إذ يمكن للحكومة اللجوء إلى التصويت في مجلس النواب العراقي لاتخاذ قرار إنهاء مهام قوات التحالف الدولي.

ويبيّن الخبير العسكري والاستراتيجي أنه يمكن تطبيق القرار لكن بعد مضي عام كامل على اتخاذه بالاتفاق مع قوات التحالف ذاتها بموجب ما تنص عليه اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية عام 2008.

وفي الوقت ذاته، يشير الفلاحي إلى الصعوبات العملية التي تعوق إنهاء مهام قوات التحالف الدولي في العراق، ومن ضمنها عدم جاهزية الجيش العراقي للاستغناء عن الخدمات الاستشارية التي يوفرها قرابة 2500 مستشار عسكري أمريكي يعملون على الأراضي العراقية، والتي تساعد على تشغيل دبابات أبرامز وصيانتها، إضافة إلى صيانة سلاح الجو العراقي المكون في معظمه من طائرات "إف-16".

ويلفت إلى الصلاحيات الكبيرة التي حصلت عليها القوات الأمريكية في العراق بموجب اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة في 2008 والمحدثة في 2014، والتي أتاحت للقوات الأمريكية الحضور في قواعد عسكرية والدخول والخروج منها، من دون الحصول على تأشيرات دخول، وعدم مراقبة القوات العراقية لنشاط القواعد، وبناءً عليه يجب التفاهم مع قوات التحالف بخصوص إنهاء مهامها.

ويعتقد الفلاحي بوجود انقسام في الموقف داخل العراق بخصوص استمرار عمل قوات التحالف الدولي، إذ تتمتع واشنطن بعلاقات قوية مع المكون الكردي، كما توجد قوى سنية وشيعية تعارض أيضاً مغادرة قوات التحالف الدولي للبلاد.

TRT عربي