لأول مرة منذ ثماني سنوات، يُرتقب أن تستضف الرباط الجمعة 2 فبراير/شباط الجاري، قمة مغربية-إسبانية رفيعة المستوى. ويحضر الوفد الإسباني إلى المغرب بقيادة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، برفقة عدد من الوزراء والمسؤولين، ونصب عينه تأكيد الدفء الذي تعرفه العلاقات بين المملكتين، وتوقيع اتفاقيات تخدم مصالحهما المشتركة.
بالإضافة إلى هذا، يعتزم البلدان أن يكون هذا اللقاء محطة لحلحلة آخر النقاط الخلافية بينهما، وأبرزها الوصول إلى اتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية، المطلب الذي تلوّح به المملكة منذ 2019. وبالتالي، يحتل الملف مركز الصدارة فيما سيجري تداوله خلال القمة، بعد انطلاق المفاوضات حوله منذ الصيف الماضي.
ملف شائك على طاولة مغربية-إسبانية
أواخر 2019، طالب المغرب بترسيم حدوده البحرية الأطلسية مع إسبانيا، في قرار، كما يرجح مراقبون، راجع إلى توالي تأكيد التنقيبات وجود موارد طاقية أحفورية مهمة في تلك المنطقة، وأيضاً إلى مساعي المغرب في تطوير قطاع الصيد البحري.
هذا المطلب الذي عارضته مدريد، بدعوى أن الطرف المغربي لا يمكنه الإقدام على خطوة ترسيم الحدود البحرية أحادياً، دون اتفاق معها هي والبرتغال، الأمر الذي رد عليه وقتها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بالقول: "لا يوجد سوء فهم (مع إسبانيا). للمغرب حقوقه سيادية في ترسيم حدوده البحرية دون أن يطلب إذناً من أحد، ولا يسعى إلى تجاوز هذه الحقوق".
ويُعدّ هذا الملف شائكاً، نظراً إلى الصعوبات الفنية التي ترافق ترسيم تلك الحدود. وهو ما اعترف به أيضاً الوزير المغربي قائلاً: "الحالة أكثر تعقيداً من الناحية الفنية (في ترسيم الحدود البحرية) مع إسبانيا". غير أنه طمأن بأن "المغرب يرسم حدوده لكنه لا يسعى إلى فرضها كأمر واقع، إنه منفتح للحوار بخاصة مع إسبانيا".
هذا الحوار الذي تأخر عامين، أولاً إثر الجائحة الوبائية التي ضربت العالم، وثانياً بفعل الأزمة الدبلوماسية التي عرفتها العلاقات بين البلدين منذ أبريل/نيسان 2021. ودامت تلك الأزمة قرابة العام، قبل أن تتم حلحلتها عبر مراسلات العاهل المغربي ورئيس الوزراء بيدرو سانشيز، ما انتهى إلى تغيير إسبانيا موقفها إلى دعم الطرح المغربي بخصوص الصحراء، كذلك إلى زيارة سانشيز للرباط شهر أبريل/نيسان المنصرم.
وانطلقت المفاوضات حول ترسيم الحدود في مايو/أيار الماضي، في وقت أعرب فيه وزير الخارجية الإسباني عن ارتياحه لمسار تقدمها، مشدداً على أن تلك المفاوضات "قضية لا تخص وزارة الخارجية فقط، لأنها تحرص على إعداد الإطار الذي يجري من خلاله الامتثال إلى قرارات الأمم المتحدة".
وتستند القوانين المغربية بشأن الحدود البحرية إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي وقعها المغرب في 10 ديسمبر/كانون الأول 1982 وصادق عليها في 31 مايو/أيار 2007. وتحدد هذه الوثيقة للدول مجال سيادة بحرية متمثلاً في 12 ميلاً بحرياً ومناطق اقتصادية خالصة على مدى 200 ميل بحري، أي مجموع مطالب المغرب، غير أن هذه المناطق تتداخل مع الحدود البحرية الإسبانية في جزر الكاناري.
في 22 يناير/كانون الثاني 2020، صادق البرلمان المغربي على مشروعي قانونين لترسيم الحدود البحرية، بما فيها المجاوِرة لجزر الكناري في المحيط الأطلسي. وشهدت المفاوضات الإسبانية المغربية حول الملف إجراء جولتين، واحدة في يونيو/حزيران والثانية في أكتوبر/تشرين الأول، فيما يتوقع أن تمثل القمة الأخيرة دفعة كبيرة في مسار الوصول إلى اتفاق حول القضية.
قمة رفيعة المستوى
يُرتقب أن تُعقد القمة رفيعة المستوى بين إسبانيا والمغرب، الجمعة الموافق 2 فبراير/شباط الجاري. وتأتي الخطوة في إطار "الدفء الكبير" الذي تشهده علاقات الرباط ومدريد، بعد مسار المصالحة الذي أطلقه زعيما البلدين ربيع العام الماضي، وانتهى بزيارة سانشيز للعاصمة المغربية.
وأكد ذلك الديوان الملكي المغربي، في بلاغ له وقتها، مشيراً إلى أن زيارة رئيس الوزراء الإسباني تأتي امتداداً لمحادثات هاتفية بين الملك محمد السادس وسانشيز أواخر مارس/آذار الماضي، وبعد الرسالة التي "التزمت فيها الحكومة الإسبانية تدشين مرحلة جديدة في العلاقات بين المملكتين، قائمة على الشفافية والاحترام المتبادَل".
روح "المرحلة الجديد في العلاقات الدبلوماسية" تلك هي التي تطغى على قمة الجمعة، وهو ما توضحه توقعات الجانبين منها. إذ يسعى المغرب إلى رؤية المواقف الدبلوماسية الإسبانية الجديد التي تخدم مصالحه، مجسدة على أرض الواقع. كما تسعى إسبانيا إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية مع جارتها الجنوبية، والتعاون في مجالات الهجرة ومكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب.
ووفق المؤرخ المغربي ومدير مركز الأندلس للدراسات وحوار الحضارات عبد الواحد أكمير، فإن ما يميز هذه القمة أنها "جاءت بعد انتظار طال 8 سنوات"، وستكون "محددة بخارطة طريق تعود إلى البيان المشترك لـ7 أبريل على هامش الاجتماع بين الملك محمد السادس وبيدرو سانشيز، إذ تضمنت 16 نقطة لتعزيز العلاقات البينية".
من جانبه، أشار الدبلوماسي الإسباني غوستافو دي أرتيغاس إلى أن "نحو 20 اتفاق تعاون يجري التفاوض عليها" بين الرباط ومدريد، "حتى الآن لا نعرف بالضبط عدد الاتفاقات التي سيجري توقيعها خلال القمة، لكن سيجري توقيع أقصى عدد ممكن منها".