ووفق ما نشرت صحيفة الغارديان، خلص تحليل بيانات "يوروستات"، إلى أن نسبة الأشخاص العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عاماً ويعيشون في منزل الأهل، ارتفعت في الاتحاد الأوروبي من 24% إلى 27% بين عامي 2017 و2022.
وحسب الدول، تشهد كرواتيا أعلى نسبة من الشباب العاملين الذين لا يزالون يعيشون مع أهاليهم، إذ ارتفعت إلى 65% في الفترة المذكورة. وفي البرتغال بلغت هذه النسبة 52%، وفي إيطاليا ارتفعت إلى 48%، و42% في إسبانيا.
وعَزَتْ عدة تقارير هذا الارتفاع إلى تأثيرات جائحة كوفيد-19 وتبعاتها الاقتصادية وكذلك التبعات الاقتصادية لأزمة الطاقة في أوروبا، في تعزيز دور العائلة بوصفها ملجأ للأمن الاجتماعي والنفسي بالنسبة إلى قطاع واسع من الشباب الأوروبي، في وقت يستمر ارتفاع أسعار السكن في إثقال كاهلهم بمصاريف أصبحوا غير قادرين على تحملها.
عزّز دور الأسرة
أدت جائحة كوفيد-19 إلى فقدان الملايين من الوظائف في أوروبا، خصوصاً في أوساط الشباب الأوروبي الذين وجدوا أنفسهم غير قادرين على تحمل مصاريف العيش، واضعة نحو 15% منهم أمام تهديد الفقر، حسب إحصاءات "يوروستات".
وحسب تقرير سابق للبرلمان الأوروبي، فإن 22.7% من الشباب الأوروبي صرّح بأنه كان يتلقى إعانات من الدولة أو من الأهل خلال فترة الجائحة، بوصفهما المصدر الوحيد لتمويل مصاريف عيشه. بالإضافة إلى 24% من الشباب فقدوا مساكنهم الخاصة، بسبب تعثرهم في دفع أقساط الرهن أو الإيجار.
وكرست أزمة الطاقة التي شهدتها القارة العجوز عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، وما أحدثته من ارتفاع للتضخم في معظم الدول والانكماش الاقتصادي، من هذه الأوضاع التي يعيشها الشباب، إذ استمر تهديد الفقر عند نفس النسب، وفق مركز الإحصاء الأوروبي.
وتتضافر هذه العوامل في إعادة تعزيز دور الأسرة في أوروبا بوصفها مصدراً للأمان الاقتصادي والاجتماعي بالنسبة إلى الشباب، وهو ما رفع مستويات عودة الشباب الأوروبي للعيش في بيوت أهاليهم.
وهو ما تؤكده الباحثة في "المنظمة الأوروبية لتحسين ظروف العيش والعمل"، إزتر ساندور، بقولها: "من الشائع أن يعيش الشباب مع أهاليهم إما بسبب الضرورة، وإما على أنه جزء من قرار الأسرة المساعدة في توفير المال لإيداع الرهن العقاري في المستقبل".
وأضافت الباحثة: "قد تفسر هذه العوامل أيضاً السبب وراء احتمالية عودة الشباب إلى العيش مع أهاليهم في بعض البلدان الأوروبية أكثر من غيرها في حالات الأزمات (مثل الوباء أو الركود)".
أزمة سكن واسعة في أوروبا
وتشهد أوروبا أزمة سكن واسعة، حيث تستمر أسعار إيجار أو شراء البيوت في الارتفاع، بشكل أصبح يهدد بحرمان قطاع واسع من الشباب من حق أن يكون لديهم بيت يؤويهم. وهو ما تكرِّسه الظروف الاقتصادية الحالية في دول الاتحاد الأوروبي، كما يكرس بدوره عبء مصاريف المعيشة هناك.
ووفقًا لتقرير "يوروستات" لعام 2023، فما بين عامي 2010 و2022، ارتفعت أسعار العقارات في جميع أنحاء منطقة اليورو بنسبة 47%. وفي بعض البلدان، تضاعفت هذه المعدلات ثلاث مرات تقريباً، إذ سجلت في إستونيا ارتفاعاً بنسبة 192%.
أما في ما يخص أسعار الإيجار، فارتفعت بمتوسط 18% خلال نفس الفترة، وزادت في كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، باستثناء اليونان التي ارتفعت بنسبة 37% منذ عام 2018. وشهدت ليتوانيا أكبر نسبة ارتفاع، إذ زادت فيها أسعار الإيجار 144%، تليها أيرلندا بنسبة 84%.
وفي ألمانيا، حيث يعيش نصف السكان في بيوت مستأجرة، فإن خُمس أسر البلاد ينفقون ما لا يقل عن 40% من دخلها الصافي على الإيجار، حسب أرقام مكتب الإحصاء الفيدرالي.
وفي عديد من مدن دول الاتحاد الأوروبي، يصل الانتظار للحصول على السكن الاجتماعي إلى 10 سنوات أو أكثر. وهو ما يدفع عديداً من الشباب في بلدان مثل هولندا، إلى تأجيل أحداث حياتية كبرى مثل تكوين أسرة، إذ تعاني البلاد عجزاً في السكن يقدَّر بنحو 400 ألف منزل.
وحسب تقرير سابق لصحيفة لوموند الفرنسية، فإن رفع نسب الفائدة الذي جاء استجابةً للاتحاد على ارتفاع مستويات التضخم، زاد من شح المساكن في الدول الأوروبية. كما دفعت مخاوف المستهلكين من الظروف الاقتصادية إلى الإحجام عن شراء البيوت، وهو ما أصاب سوق العقارات بالركود، وبالتالي وقف بناء مساكن جديدة.
وما بين سبتمبر/أيلول 2019 وسبتمبر/أيلول 2023، رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة إلى 4%، وهي أكبر زيادة في تاريخ العملة الأوروبية الموحدة.
وعلى الرغم من أن غالبية القروض في منطقة اليورو تكون بأسعار فائدة ثابتة وعلى فترات طويلة، فإن ارتفاع أسعار الفائدة (في ظل هذه الظروف) يؤثر في المشترين لأول مرة، مما يجعلهم يجدون صعوبة في الحصول على قروض من البنك لشراء مساكنهم.
وتدفع هذه الأوضاع لأن تحتل قضية السكن قلب اهتمامات الناخبين الأوروبيين، خصوصاً الشباب منهم. وحسب استطلاع أجرته مؤسسة يوروباروميتر في عام 2022، فإن السكن أحد أكبر اهتمامات لأكثر من 20% من الناخبين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عاماً، في أكثر من ثُلث الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.