كنائس صامدة في وجه القصف الإسرائيلي.. ماذا تعرف عن مسيحيّي غزة؟
تضم غزة ثلاثة كنائس مسيحية، الكنيسة المعمدانية وهي الوحيدة للبروستانت، والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية (كنيسة القديس برفيريوس)، وكنيسة العائلة المقدسة للاتين، وجميعها تعرضت لاستهداف إسرائيلي منذ بدء التصعيد على القطاع.
كنيسة الروم الأرثوذكس في غزة تعرضت للقصف الإسرائيلي ما أدى إلى استشهاد 20 فلسطينياً / صورة: AA (AA)

"معمودية جماعية في غزة"، وصف أُرفق مع صورة نشرها الصحفي الفلسطيني داود كتاب عبر حسابه في منصة إكس، من إحدى كنائس القطاع، تظهر لجوء أهالٍ غزيين مسيحيين إلى تعميد أطفالهم حال استهدافهم من الجيش الإسرائيلي جراء الحرب الأخيرة على غزة.

لم تفرّق الغارات الإسرائيلية بين أهالي غزة من أبناء الديانات المختلفة، فكان للمسيحيين أيضاً نصيبهم من القصف حالهم كحال المسلمين، وتشارك أبناء الديانتين وحدة المصير خلال العدوان الأخير والحروب السابقة، كما تشاركوا حياتهم اليومية خلال الحصار بعيداً عن الحروب.

تضم غزة ثلاثة كنائس مسيحية، الكنيسة المعمدانية وهي الوحيدة للبروستانت، والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية (كنيسة القديس برفيريوس)، وكنيسة العائلة المقدسة للاتين، وجميعها تعرضت لاستهداف إسرائيلي منذ بدء التصعيد على القطاع.

قصف محيط كنيسة اللاتين

في 1 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، شنت المقاتلات الإسرائيلية غارة على محيط كنيسة العائلة المقدسة للاتين خلال صلاة لمدنيين مع أطفالهم داخل الكنيسة، ما تسبب بذعر بين المصلين، حسب مقطع مصور شاركه مؤسس ورئيس جامعة "دار الكلمة"، القس متري راهب، عبر حسابه في منصة إكس.

وتُعتبر "كنيسة العائلة المقدسة" الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في مدينة غزة، تخدم نحو 130 شخصاً وتدير مدرستين ابتدائيتين، سُميت هذا الاسم نسبة إلى "مرور العائلة المقدسة عبر المنطقة في طريقها إلى مصر".

استهداف أقدم كنيسة في القطاع

سبق استهداف كنيسة اللاتين استهدافٌ للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية التاريخية (كنيسة القديس برفيريوس) وهي الكنيسة الأقدم في غزة والتي تبعد نحو 400 متر عن كنيسة اللاتين، ما أدى إلى استشهاد 18 شخصاً، عشرة منهم من عائلة واحدة، في 19 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وانهار إثر هذا الاستهداف ملحق الكنيسة الذي يضم مكاتب ومساحات لاجتماعات المجتمع المسيحي، فيما لا يزال الحرم القديم قائماً، حسب مقطع مصور نشره العضو في مجلس النواب الأمريكي، جستين عماش، الذي خسر أقارب له خلال القصف.

واعترفت القوات الإسرائيلية بقصف "مركز قيادة وسيطرة تابع لحركة حماس" بالقرب من الكنيسة، مشيرةً إلى أنّ الضرر الحاصل في بنائها لم يكن مقصوداً.

إلا أنّ تحقيقاً أجرته وكالة سند للرصد والتحقق الإخباري في شبكة الجزيرة، كذّب الرواية الإسرائيلية التي نفت أن تكون الكنيسة هدفاً لغاراتها، وكشف عن تعمد الجيش الإسرائيلي استهدافها بشكل مباشر.

ولطالما كانت الكنيسة التي تقع في حي الزيتون ملاذاً آمناً لمئات الأشخاص من المسلمين والمسيحيين منذ فترة طويلة، ففي الحرب على غزة عام 2014 لجأ عديد من الفلسطينيين إلى بنائها واحتموا بين أروقتها وفي غرفها من القصف الإسرائيلي.

يعود تاريخ تأسيسها إلى القرن الخامس، واكتمل بناؤها الحالي في القرن الثاني عشر، سُميت على اسم أسقف غزة السابق، القديس برفيريوس، وبُنيت بجدران محصنة فوق المكان الذي يُعتقد أنه توفي فيه عام 420 قبل الميلاد، وفقاً لتقرير نشره موقع "ARTnews" الأمريكي.

استهداف أقدم كنيسة في القطاع

وفجر يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استهدفت الطائرات الإسرائيلية المركز الثقافي الأرثوذكسي في حي تل الهوى جنوب غرب غزة.

وأدانت بطريركية الروم الأورثوذكس الأورشليمية في بيان لها هذا الاستهداف، مشيرةً إلى أنّ هذه المراكز الاجتماعية والثقافية والرياضية تقدم خدمات إنسانية ضرورية وتؤوي المدنيين من ضحايا القصف الإسرائيلي الذي يستهدف الأحياء السَكَنية.

وأكدت أنّ هذا الاستهداف يمثل تجسيداً لإصرار إسرائيل غير المبرّر على تدمير البنية التحتية ومراكز الخدمات الاجتماعية وملاجئ المدنيين في القطاع المحاصر، مجددة مطلبها الحاسم بوقف فوري لإطلاق النار في غزة.

كنيسة "المعمداني" ومجزرة المستشفى

وتعرضت الكنيسة المعمدانية الملاصقة للمستشفى المعمداني والمعروف أيضاً باسم المستشفى الأهلي العربي، لأضرار جسيمة جراء القصف الإسرائيلي الذي استهدف المستشفى ليلة 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مخلفاً مئات الضحايا من الشهداء والجرحى، في واحدة من أفظع المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين في حربها الأخيرة على غزة.

تأسست الكنيسة المؤلفة من ستة طوابق في خمسينيات القرن الماضي، وفي عام 2006 افتتحت أول مكتبة تقدم كتباً للمسيحيين وغيرهم في غزة، ولحق بها عديد من الأضرار خلال الحروب السابقة لإسرائيل على القطاع.

واستقبل مستشفى المعمداني المئات من النازحين الذين هربوا من منازلهم نتيجة القصف الجوي المستمر من طائرات الاحتلال الإسرائيلي، التي أجبرتهم على النزوح قسراً، بالتزامن مع محاولات إسرائيل تهجير الأهالي عن منازلهم من شمال القطاع إلى جنوبه، لتقصف المستشفى وتتسبب بمأساة إنسانية.

1000 مسيحي يعيش في غزة

انخفض عدد المسيحيين في قطاع غزة، بعد أن كانوا 3000 شخص مسجلين عام 2007، ليصل إلى نحو ألف فلسطيني مسيحي فقط يعيش في القطاع المحاصر منذ نحو 16 عاماً.

يتبع نحو 70% منهم طائفة الروم الأرثوذكس، فيما يتبع البقية طائفة اللاتين الكاثوليك، ويعملون في مهن مختلفة مثل التعليم والطب والقانون، ويقطن معظمهم غرب مدينة غزة ووسطها.

ويعيش المسيحيون في القطاع حياتهم بعيداً عن الحروب مع إخوانهم في السراء والضراء، ولا اختلاف بينهم، وفق ما يؤكده الصحفي الفلسطيني داود كُتّاب.

ويشير كُتّاب في حديثه مع TRT عربي، إلى أنّ "الضرر الإنساني والنفسي الذي تعرض له المسيحيون خلال العدوان الأخير على القطاع كبير، بسبب استشهاد عديد منهم، بالإضافة إلى الضرر الكبير في البنى التحتية".

ولا تمارس إسرائيل ضغطاً خاصاً على المسيحيين، فالاحتلال يقمع الجميع، حسب كُتّاب، ويُسمح للبعض في بعض الأعياد المسيحية بالحصول على تصاريح لزيارة كنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم، لافتاً إلى هجرة داخلية كبيرة من غزة إلى مدن فلسطينية مثل محافظتي بيت لحم ورام الله.

وتحرم إسرائيل الفلسطينيين المسيحيين في قطاع غزة من المغادرة إلى بيت لحم للمشاركة في الاحتفالات المركزية بأعياد الميلاد، وقد تصدر تصاريح لأشخاص دون آخرين، بحجة "المنع الأمني".

ومنذ بدء التصعيد الإسرائيلي على غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" التي بدأتها حركة المقاومة الفلسطينية حماس في 7 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت وزارة الصحة في القطاع استشهاد نحو 9488 شخصاً، غالبيتهم من النساء والأطفال والمسنين.

وكما يتمسك جميع الفلسطينيين في غزة بأرضهم، يعلن المسيحيون رغبتهم في البقاء أيضاً واستمرار صلواتهم لإيقاف المجازر بحق المدنيين في شتى أحياء القطاع.

TRT عربي