شهدت ألمانيا زيادة في العنصرية وكراهية الإسلام في السنوات القليلة الماضية، تغذيها دعاية جماعات متطرفة مثل النازيين الجُدد وحزب "البديل من أجل ألمانيا" (AFD) اليميني المتطرف، الذي استغل أزمة اللاجئين وحاول بث الخوف بين المهاجرين.
ويُعَدّ استهداف المساجد أبرز ما تقوم به الحركات اليمينية المتطرفة المعادية للإسلام في ألمانيا، فضلاً عن أعمال التخريب والمضايقات والتهديدات.
وارتفعت وتيرة هذه الأعمال العنصرية بعد عملية طوفان الأقصى التي بدأتها حركة المقاومة الإسلامية حماس ضد الاحتلال الإسرائيلي يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكانت الاعتداءات بالأخص ضدّ المساجد.
وتشير الأرقام إلى أن 81 مسجداً في ألمانيا تعرضت لاعتداءات مختلفة منذ بداية العام الجاري 2023، إذ وقع نصف هذه الهجمات منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول مع بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، وذلك حسب الأمين العام للاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية في ألمانيا (ديتيب)، أيوب كاليون.
وتعتبر هذه النسبة مرتفعة جداً قياساً بالعام الماضي، إذ تعرض 35 مسجداً في عموم ألمانيا للتهديد أو الهجوم بطرق مختلفة، وفق تقرير صادر عن الاتحاد ذاته، بعنوان "هجمات 2022 على المساجد".
صعود اليمين المتطرف وتفشي الإسلاموفوبيا
يشهد التطرف اليميني في ألمانيا ازدياداً ملحوظاً، وهو ما تؤكده تقارير استخبارية ألمانية حديثة، مشيرة إلى القفزة التي حققتها أعداد المنتمين إلى هذا الطيف السياسي.
وفي هذا السياق يقول رئيس هيئة العلماء والدعاة في ألمانيا الدكتور طه عامر إن السبب الأول لتزايد استهداف المساجد في ألمانيا هو صعود اليمين المتطرف في أوروبا عموماً وألمانيا بشكل خاص.
ويضيف عامر لـTRT عربي أن هذا الصعود تجلى في فوز مرشّح حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف برئاسة بلدية في ولاية تورينغن الألمانية، في انتخابات التي جرت هذا العام.
وأعلنت هيئة الانتخابات في ولاية تورينغن شرقي ألمانيا، في يونيو/حزيران الماضي أن مرشح حزب "البديل من أجل ألمانيا" روبرت زيسلمان فاز بمنصب رئيس مجلس بلدية زونيبيرغ في جولة الإعادة، متفوقاً فيها على منافسه يورغن كوبر مرشح "الحزب المسيحي الديمقراطي".
واستطاع الحزب دخول البرلمان الألماني بعد فوزه بنحو 13% من أصوات الناخبين في الانتخابات الألمانية عام 2017.
ويؤكد الدكتور عامر أن صعود هذا التيار اليميني المتشدد يعني أن نسبة كبيرة من الشعب تؤيد برنامج اليمين المتطرف، الذي يقوم أساساً على معاداة الأجانب بشكل عام والمسلمين بشكل خاص.
وينوه رئيس هيئة العلماء والدعاة في ألمانيا بأن هذا الواقع من شأنه أن يؤدي إلى شحن كبير ضدّ الإسلام والمسلمين، وهذا ما تجلى بوجود عصابات تنفذ الاعتداء على المساجد والمراكز الإسلامية، "والمؤسف أنه لا يُعتقل منها أحد ولا يحاكم أحد على ذلك".
وقال كمال أرغون، رئيس مجموعة (IGMG) التركية المسلمة، في تصريحات سابقة حول العلاقة بين صعود اليمين المتطرف وتزايد الهجمات على المساجد، إنه "للأسف، العنصرية هي حقيقة واقعة في ألمانيا، إذ تُظهِر استطلاعات الرأي الأخيرة أن الحزب السياسي العنصري والفاشي (AfD) أصبح ثاني أكبر حزب في البلاد، وهذا وحده يظهر أننا نتجه نحو فترة خطيرة".
ووفق البرلمان الألماني فإن تفشي الكراهية ضد المسلمين منتشر بشكل كبير في البلاد، وذلك بالاستناد إلى دراسة أُجريت على ساكني العاصمة برلين، أظهرت أن التمييز العنصري على أساس الدين يستهدف الجالية المسلمة هناك على وجه الخصوص.
وقال الأمين العام للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا عبد الصمد اليزيدي، في تصريح لدويتشه فيله، إن "الإسلاموفوبيا أصبحت شائعة في البوندستاغ، وكذلك في برلمانات الولايات، يردد خطاباتها الفاشيون، وأيضاً ممثلو ما يسمى الأحزاب الديمقراطية الراسخة الذين يصطادون في المياه العكرة بهدف الحصول على أصوات من الهامش اليميني".
الإعلام المنحاز
ومن العوامل التي تدفع باتجاه هذه الأعمال العنصرية ضدّ المساجد، حسب الدكتور طه عامر، هو الإعلام المنحاز الذي يعمل على تشويه الحقائق وترويج الأكاذيب ضدّ المسلمين.
ويوضح رئيس هيئة العلماء والدعاة في ألمانيا أنه "عندما يقع حادث عنف مثلاً أو جريمة، فإذا كان المتورط به مسلماً عندها تسارع أجهزة هذا الإعلام إلى تبني سردية الإرهاب الإسلامي، فيما عندما تقع حوادث مشابهة لغير المسلمين فإن الإعلام لا يعلق عليها بنفس الطريقة، بل يحاول تسويغها أحياناً".
ويرى دكتور عامر أنه بهذه الطريقة يجري تشكيل الوعي عند الجماهير، يربط بين العنف والإسلام وبين العمليات الإرهابية والإسلام، وهذا سيؤدي إلى ازدياد معدلات العنصرية، التي تتمثل في الاعتداءات على المساجد والمسلمين عامة.
من ناحيته يؤكد غسان الحميصي، مدير مسجد السلام بولاية بفورتسهايم الألمانية، أن "وجود شبكات إعلامية تسيطر عليها شركات تابعة للصهيونية، لعب دوراً كبيراً في تغذية هذا الخطاب".
ويضيف الحميصي لـTRT عربي أن "هذه الشبكات الإعلامية -بما تضمنه من صحف ومجلات ومواقع إخبارية- تعمل على نشر الأخبار الكاذبة والمغلوطة حول المسلمين في ألمانيا، مما يسهم في تنامي مشاعر الكره والعداء ضدّ كل ما يمثل المسلمين من مساجد ومراكز إسلامية وجمعيات خيرية".
وأمام تزايد هذه الاعتداءات والممارسات العنصرية ضدّ المساجد، يرى الدكتور طه عامر أن هناك مسؤولية تقع على عاتق الدولة تتجلى بتأمين حراسات على المساجد ضدّ الهجمات من وقت لآخر، وأنه لا بدّ أن يكون هناك تجريم للإسلاموفوبيا، وتجريم للعنصرية بشكل عام، بالتوازي مع إجراءات قانونية رادعة في هذا الصدد.
وكان تقرير صادر عن المركز الألماني لأبحاث الاندماج والهجرة أكد أن أغلب المجتمع الألماني يجد صعوبة في وصف التمييز ضدّ المسلمين على أنه عنصرية، وبالتالي لا يدينونه بقدر ما يدينون التمييز ضدّ السود أو اليهود.
ويخلص التقرير إلى أن السلطات الألمانية تتحمل جانباً من مسؤولية التغاضي المجتمعي للكراهية والتمييز ضدّ المسلمين، إذ لا توفر جهوداً كافية للتوعية في هذا الصدد.