صناعة متأخرة وندرة الخامات.. كيف تهدد السياسات البيئية الاقتصاد الأوروبي؟
يطمح الاتحاد الأوروبي إلى الحد من انبعاثات الكربون بحلول 2050، فيما تهدد هذه الخطوة اقتصاد التكتل، عبر المنافسة الأمريكية والصينية الشرسة لصناعاته الخضراء، كما ارتهانه الكبير لبكين في استيراد المواد الخام لتلك الصناعات.
كيف تهدد السياسات البيئية الاقتصاد الأوروبي؟ / صورة: AP (AP)

قالت المفوضية الأوروبية الثلاثاء أن الاتحاد الأوروبي سيسلح التكتل بأدوات أكثر صرامة للرد بشكل أقوى على المخاطر المحدقة بأمنه الاقتصادي من المنافسة الصينية والروسية. هذا في وقت تستمر فيه عملية الإعداد للترسانة القانونية الأوروبية من أجل تنزيل بنود الاتفاق الأخضر.

وتخطط أوروبا، بموجب هذا الاتفاق، لتخفيض نسب انبعاث الكربون إلى النصف بحلول عام 2035، والوصول إلى الحياد الكربوني في عام 2050. غير أن هذا الطموح يهدد بشكل مباشر الاقتصاد الأوروبي عبر المنافسة الصينية والأمريكية لصناعة دول الاتحاد، خصوصاً فيما يتعلق بالسيارات الكهربائية. كما عبر اعتماد أوروبا شبه الكامل على الصين، في استيراد الخامات التي تدخل في هذه الصناعات الخضراء.

مأزق السيارات الأوروبية الخضراء

تواجه الصناعات الأوروبية مأزق تنافسية تضعها فيه السياسات البيئية للاتحاد، وصناعة السيارات على رأس هذه القطاعات المتضررة، إذ تخطط أوروبا لمنع تسويق السيارات التي تستخدم المحروقات بحلول 2035، ما يحتم على المصنعين التحول بشكل جذري إلى السيارات الإيكولوجية.

هذا الانتقال الجذري، وإضافة إلى ما يمثله من تحدي بشأن قلب كل خطوط الإنتاج التي تعدى عمر بعضها 100 سنة، ستواجه السيارة الكهربائية الأوروبية مشكلات تنافسية تجارية شرسة، إذ سيتعذر على المصنعين الأوروبيين إنتاج سيارات كهربائية بأسعار مناسبة للسوق سبقتها إليها الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

وهو ما يؤكده مقال سابق لمجل "فوربس" الأمريكية، بالقول إن "المصنعين الأوروبيين في السوق المشتركة، مثل فولكس فاجن الألمانية وعلاماتها التجارية الرئيسية، سيكونون الضحايا الرئيسيين لهذا القرار الأوروبي".

وعلى لسان نيك مولدن، من مؤسسة الأبحاث "Emissions Analytics" نقل المقال: "نرى سيارات صينية بسعر 29 ألف دولار، تتنافس مع سيارات أوروبية مماثلة يتراوح سعرها بين 48 ألفاً و60 ألف دولار، سيكون هذا مذبحة لصناعة السيارات في أوروبا".

وبلغة الأرقام، تشهد السيارات الكهربائية الصينية نمواً كبيراً في أوروبا، إذ بلغ رقم معاملاتها عام 2022 حوالي 3.2 مليار دولار، أي بارتفاع قدر بنسبة 165% عن عام 2021. وبالتزامن مع ذلك، تواصل الولايات المتحدة في تنفيذ إجراءات خفض التضخم، والتي تحفز المستهلك المحلي على شراء السيارات الأمريكية الصديقة للبيئة بتوفير دعم حكومي لمُصنّعي هذا النوع من السيارات.

هذا بالإضافة، وكما ذكرنا، إلى قصر المدة الزمنية الممنوحة من أجل تحول المصنعين إلى صناعة السيارات الكهربائية، وكذلك تكلفة هذا التحول. وفي هذا الإطار، سبق أن احتجت "الجمعية الأوروبية لمصنعي السيارات"، معتبرة قرار الاتحاد "متسرعاً"، إذ "بالنسبة إلى تحول صناعي بهذا الحجم، يعد هذا أمراً غير مسبوق ويشكل مصدر قلق بالغ".

تكلفة الانتقال الطاقي

يرى عدد من المراقبين، أن أزمة الطاقة التي عاشتها أوروبا مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، فرصة كبيرة للقارة العجوز كي تتخلى عن مصادر الطاقة الأحفورية بتخليها عن الواردات الروسية وأن تبحث عن سيادة طاقية خضراء، مما سيسرع وتيرة سيره نحو الانتقال الطاقي.

وهو ما أشار إليه أيضاً نائب رئيس البنك الأوروبي لويس دي جويندوس، في خطاب شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قائلاً: "تركت أزمة الطاقة الحالية أوروبا في مفترق طرق، مما يمثل تحديات وكذلك فرصاً للتحول الأخضر (...) أن زيادة حصة إمدادات الطاقة المتجددة من شأنه أن يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري. كما سيفيد استقرار الأسعار، بالنظر إلى انخفاض أسعار الطاقة المتجددة الذي لوحظ خلال العقد الماضي".

غير أن هذا الطموح يصطدم هو الآخر بالتكلفة الكبيرة للتحول، فهو يستلزم من الاقتصاد الأوروبي استثمار ما قدره 5.3 ترليون دولار في البنى التحتية الطاقية الجديدة بنحو 3.8 ترليون دولار للطاقة الشمسية والريحية، و1.5 ترليون دولار للهيدروجين الأخضر، وفق دراسة مختصة نشرتها وكالة بلومبيرغ.

حرب الخامات

وإن صح رأي القائلين إن التخلص من الارتهان الطاقي الأوروبي لروسيا سيسرع وتيرة تحول أوروبا إلى الطاقات الخضراء، فإن التحول الطاقي بدوره يلقي بالقارة في أحضان ارتهان آخر للصين، فيما يخص تأمين مصادر المعادن النادرة التي تستخدم في صناعة البطاريات وغيرها من صناعات الطاقات الخضراء.

ويقع معظم احتياطيات هذه المعادن خارج الحدود الأوروبية، إذ تسيطر جمهورية الكونغو الديموقراطية على 70% من الإنتاج العالمي للكوبالت، أي ما يقدر بـ130 ألف طن متري من الكوبالت سنوياً، باحتياطي ضخم يناهز 8.3 مليون طن متري.

أمّا الليثيوم، الذي وصفته رئيسة المفوضية الأوروبية بأنه "سيصبح عما قريب أهم من النفط"، تستحوذ خمس دول فقط على 90% من الإنتاج العالمي لهذا المعدن، ثلاثة منها في أمريكا اللاتينية. ومنذ 2015 يشهد الطلب على هذا المعدن تزايداً كبيراً، قُدر بـ10% كل عام. كما يُتوقع أن يرتفع هذا الطلب بـ18 مرة عما هو عليه حالياً، ليبلغ عتبة 2700 كيلو طن بحلول عام 2030.

بالمقابل، ومنذ العقد الأول من الألفية الثالثة، تحركت الصين لتصبح رائدة في إنتاج هذه المعادن، سواء على مستوى التعدين أو التكرير. وتستحوذ الصين على 19 منجماً للكوبالت في جمهورية الكونغو الديموقراطية، وفي شيلي تستحوذ شركة التعدين الصينية "تيانكي" على خُمس أسهم شركة تعدين الليثيوم المحلية "SQM". كما يجري تكرير نحو 85% من واردات أستراليا من الليثيوم في الصين.

وتسيطر الصين على 70% من سلاسل توريد المعادن النادرة، تليها الولايات المتحدة بـ 14.33%، ثم أستراليا بـ6%.

ووفق الثلاثين عنصراً التي تحددها المفوضية الأوروبية عناصر ضرورية لتصنيع السيارات الكهربائية، تُستورد 19 منها من الصين. وبشكل عام، تستورد أوروبا نحو 98% من المعادن النادرة من الصين، وهو ما يطرح في الأوساط السياسية بالاتحاد هواجس استراتيجية قوية.

الأمر الذي يؤكده عميد معهد العلوم الإنسانية في فيينا ميشا جليني، بالقول إن: "التنافس على المعادن النادرة أصبح يحمل مخاطر جيوسياسية خطيرة (...) وفيما يتدافع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة لتنويع سلاسل التوريد لمعادن النادرة وغيرها من المواد الخام المهمة، فإنهم يكتشفون أن الأمر ليس بهذه السهولة. فإذا تُرك السوق لأجهزته الخاصة، فلن يفطم نفسه أبداً عن الإنتاج الصيني، بالتالي يجب على الحكومات التدخل".

TRT عربي