تسعى الولايات المتحدة لتعزيز وجودها العسكري ببحر الصين الجنوبي، بعد أن سمحت لها الفلبين باستغلال أربع قواعد بحرية إضافية لها، واحدة منها على مشارف المياه الإقليمية لتايوان. كما اقتراب إطلاق مناورات عسكرية بحرية ضخمة، سيشارك فيها آلاف من عناصر الجيش الأمريكي.
وتثير هذه التطورات امتعاض الصين، التي وصفت الأمر على لسان خارجيتها بأنه "تهديد" للسلم والاستقرار المنطقة. فيما يعيش بحر الصين الجنوبي أساساً على صفيح ساخن من التجاذبات السياسية، يمتزج فيها النزاع عن ترسيم المياه الإقليمية بالموارد الطاقية التي يحضنها باطنه.
أمريكا في الفلبين
خلال زيارة له للعاصمة مانيلا، مطلع فبراير/شباط الماضي، نجح وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في عقد صفقة مع المسؤولين الفلبينيين، بموجبها يسمح لجيش الأمريكي باستغلال أربع قواعد بحرية شمال غربي البلاد.
وقال مسؤولون فلبينيون وأمريكيون في بيان مشترك إن واشنطن ومانيلا اتفقتا على توسيع اتفاق قائم ليشمل أربعة مواقع جديدة "في مناطق استراتيجية من البلاد".
وبموجب هذا الاتفاق، سترفع الولايات المتحدة وجودها العسكري في الفلبين إلى 9 قواعد عسكرية. ووفق مسؤول في البنتاغون، إن هذا الاتفاق "يدور حول العمل معاً على التحديات الأمنية المشتركة التي لها تأثير هنا في الفلبين وربما في المنطقة".
وأضاف ذات المسؤول، أن "ما نفعله مع الفلبين هو العمل معهم (...) لذلك، معاً كتحالف، يمكننا المساعدة في ضمان مستقبلهم، وبالتالي لديهم القدرة على الدفاع عن سيادتهم ومنع هذا النوع من الإكراه (الصيني) الذي يواجهونه على أساس يومي".
هذا وتعتزم الولايات المتحدة إجراء تدريبات عسكرية بحرية واسعة في مياه الفلبين، إلى جانب قوات مانيلا، في الفترة ما بين 11 و28 أبريل/نيسان الجاري. وستضم هذه التدريبات أزيد من 17 ألف جندي، 12 ألفاً منه من القوات البحرية الأمريكية، بالتالي ستكون أكبر تدريب يجريه البلدان بشكل مشترك.
امتعاض صيني
وهاجمت الحكومة الصينية هذه الخطوة، معتبرة إياها تهديداً لأمنها الداخلي وللاستقرار والسلم في منطقة بحر الصين الجنوبي.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو مينغ إنه "بالنظر إلى القائمة الطويلة من الاضطرابات والانقسامات والدمار التي خلفها الجيش الأمريكي في جميع أنحاء العالم، يجب على الدول المحيطة ببحر الصين الجنوبي أن تفكر ملياً بالعواقب التي قد تترتب على زيادة الانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة".
وأضافت المتحدثة بمؤتمر صحفي لها الخميس: "هل ستساعد زيادة الانتشار العسكري الأمريكي في بلد ما بالمنطقة حقاً في حماية السيادة والأمن والسلام والاستقرار الإقليميين؟ أو بالأحرى ستؤدي إلى عواقب وخيمة لا يمكن إصلاحها؟ (...) هذه الأسئلة تستحق تفكيراً أعمق من دول المنطقة".
وختمت المتحدثة كلامها بالقول: "نأمل أن ترى دول المنطقة بوضوح من الذي يؤجج التوترات عبر مضيق تايوان ولأي غرض ولن يسحب كستناء شخص آخر من النار على نفقته الخاصة".
وكانت ماو نينغ قد تطرقت سابقاً مطلع فبراير/شباط الماضي، إلى ذات الموضوع، قائلة: "من منطلق المصلحة الذاتية، تواصل الولايات المتحدة تعزيز انتشارها العسكري في المنطقة بعقلية محصلتها الصفرية، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم التوتر في المنطقة ويعرض السلام والاستقرار الإقليميين للخطر"، ودعت دول المنطقة أن "تظل يقظة ضد هذا وأن تتجنب الإكراه والاستخدام من الولايات المتحدة".
احتدام التنافس حول بحر الصين الجنوبي
وتعرف منطقة بحر الصين الجنوبي احتدام التنافس بين كل الدول المتاخمة لها، وحلفائها من خارج المنطقة، لموقعها الاستراتيجي الذي يمكن المتحكم فيه من بسط نفوذه على ست من أهم اقتصاديات شرق آسيا المهمة. إضافة إلى وضع اليد على منطقة مزدحمة بخطوط النقل البحري.
وبالنسبة إلى الصين فإن المنطقة مهمة لحماية أمنها القومي، وتأكيد ما تدّعيه من سيادة على جزيرة تايوان. هذا وتعمل الصين على بناء جزر صناعية في مياه بحر الصين الجنوبي، ورُصد ظهور أولاها سنة 2013 وبحلول 2016 بلغ العدد سبع جزر اصطناعية.
هذا وأوردت تقارير غربية أن الصين تنشر قواتها على هذه الجزر، وتبني عليها قواعد عسكرية، الأمر الذي أدانه وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، معتبراً إياه تحركاً "غير قانوني".
وعلاوة على هذا البعد الاستراتيجي كشفت التنقيبات المكثفة ببحر الصين الجنوبي عن احتياطيات طاقية كبير. وأظهرت هذه التنقيبات في منطقة ريد بانك، التي تعتبرها الفلبين جزءاً من مياهها الإقليمية، احتياطياً من النفط قُدِّر بـ165 مليون برميل، إضافة إلى حقول غاز طبيعي تبلغ احتياطياتها 3.4 مليار متر مكعب.