أشارت صحيفة الغارديان البريطانية نقلاً عن مسؤول إسرائيلي اطلع على تفاصيل الاجتماع إلى أن الحكومة ناقشت "آليات المساعدة" لكنها لم تتخذ قراراً بهذه المسألة، وأضاف المسؤول وفقاً للصحيفة أن الحكومة أحالت القضية إلى "مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق" أو ما يسمى بالإدارة المدنية.
ومن أهم الشركات التي جرى تداول اسمها لتكون جزءاً من المشروع غلوبال ديلفري كومباني (GDC) التي يترأسها رجل الأعمال الإسرائيلي-الأمريكي مردخاي موتي كاهانا، الذي صرح في مقابلة مع صحيفة جيويش نيوز البريطانية في أبريل/نيسان الماضي بأنه تقدم بخطة لقيام شركته بتوزيع المساعدات في شهر فبراير/شباط الماضي للحكومة الإسرائيلية، وأن الجيش الإسرائيلي كان مؤيداً للخطة ولكن الحكومة الإسرائيلية لم تأخذ أي قرار.
تزامن النقاش الإسرائيلي حول خطة توزيع المساعدات مع فرضها حصاراً شاملاً على محافظة شمال غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية، والأهم النقاش حول خطة الجنرالات التي تتضمن في بنودها تجويع سكان شمال وادي غزة تمهيداً لإفراغه من السكان.
خطة بحماية المرتزقة
ووفقاً لمردخاي كاهانا في حديثه مع الصحيفة البريطانية فقد جرى "تقديم ورقة تفصيلية تشرح مقترحنا إلى الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية على مستويات عالية للغاية، وعلى الجانب الإسرائيلي جرت مناقشة الخطة مع رئيس الوزراء وكبار مساعديه. لقد كانوا إيجابيين بشأنها ولكنهم أرجؤوا منحنا الموافقة النهائية أو تحديد موعد لاجتماع لمناقشة التفاصيل".
وأشارت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أن خطة شركة GDC تقوم على إنشاء "فقاعات إنسانية في غزة" بعد أن يقضي جيش الاحتلال الإسرائيلي على المقاومة الفلسطينية في المنطقة داخل حدود غزة، ومن ثم إنشاء جدار عازل حولها في غضون 48 ساعة وحظر الدخول إلى هذه المناطق باستثناء سكان الحي الذين سيحصلون على إذن من خلال هوية بيومترية.
وفي شهر يونيو/حزيران الماضي عرض وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت خطة حملت اسم "الفقاعات الإنسانية".
ووفقاً لما نقلته هيئة البث الإسرائيلية وقتها فإن المقترح يتضمن القضاء على مقاتلي المقاومة الفلسطينية في أحياء عدة شمال مدينة غزة، ومن ثمّ التعامل مع قادة محليين، على أن يرعى هؤلاء عملية توزيع المساعدات الإنسانية.
وفي مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت قال الرئيس التنفيذي للشركة مردخاي كاهانا إن الشركة سوف تبدأ في المرحلة الأولى ببرنامج تجريبي يتوسع لاحقاً ليشمل كامل قطاع غزة، ويضيف أن السكان سيتمكنون من الخروج والدخول من وإلى الأحياء المحمية التي سوف تتزايد وتشمل كامل قطاع غزة في حال نجاحها لتكون على غرار ما جرى في بغداد.
ويوضح كاهانا أن الشركة تعمل من خلال "مقاتلين سابقين، خرجوا من وحدات النخبة من الولايات المتحدة، وإنجلترا، وفرنسا... أنا لا أوزع المساعدات كجيش الدفاع الإسرائيلي، بل كشركة لوجستية".
وحول تكلفة الخطة يشير مردخاي إلى أنه قال للأمريكيين: "أنفقتم 350 مليون دولار لبناء ميناء غرق في البحر بعد ثمانية أسابيع، لقد قدمنا للأمريكيين تخفيضاً. 200 مليون دولار لمدة ستة أشهر، ولن يغرق".
وحول آلية عمل المقاتلين ووظيفتهم في عملية تأمين المساعدات يشير كاهانا إلى أن أول فريق تأمين سوف يستخدم معدات غير مميتة في ضبط الميدان، وفي حال عدم نجاحها سيأتي الفريق الثاني للدعم.
مردخاي وشركته
يصف مردخاي شركته بأنها "أوبر لمناطق الحروب"، ووفقاً لموقع الشركة فإنها تعمل في مجال تقديم الخدمات اللوجستية للمنظمات غير الربحية، والوكالات الحكومية، والشركات، والأفراد. ولا يظهر الموقع الإلكتروني أي تاريخ لتأسيس الشركة، لكن قائمة الإنجازات التي تقول الشركة إنها نفذتها قبل 14 عاماً.
ولا تظهر الأخبار التي نشرت أي دور للشركة بقدر ما هو لمردخاي كاهانا أو المؤسسة الخيرية التي عملها بها سابقاً (أماليا) التي تأسست كجمعية خيرية في الولايات المتحدة تنشط في عدد من الدول، أهمها سوريا.
وتظهر الشركة على موقعها الإلكتروني شراكتها مع الجيش الإسرائيلي وهيئات يهودية في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى شركة كونستيليس التي تُعَدّ الشركة الأم لشركة بلاك ووتر الأمريكية التي ارتكبت جرائم في العراق وأماكن أخرى.
ويتولى مردخاي موتي كاهانا المولود في عام 1968 في مدينة القدس المحتلة، وفقاً لموقع الشركة، منصب المؤسس والمدير التنفيذي للشركة، ويصف كاهانا نفسه برجل الأعمال والمحسن الإسرائيلي-الأمريكي، ووفقاً لمدونته الشخصية فقد أراد كاهانا الالتحاق بسلاح الجو الإسرائيلي عندما بلغ سنة الثامنة عشرة، لكن سلوكه لم يكن متفقاً مع معايير سلاح الجو، وخدم في وحدات أخرى وسرح من الجيش الإسرائيلي بعمر 22 عاماً.
ويضيف كاهانا أنه انتقل إلى الولايات المتحدة في بداية التسعينيات وبدأ بالعمل الخاص في مجال تأجير السيارات وبيع الوقود، وفي عام 2011 بدأ في مجال العمل الخيري مع تأسيس منظمة أماليا أو "عمل الله" التي بدأت النشاط في سوريا ومع اللاجئين السوريين في اليونان كما يظهر تقرير تليفزيوني بث عن نشاط المنظمة، يرجع كاهانا دوافعه إلى الانتقال من العمل الخاص إلى العمل الإنساني إلى اعتبارات متعلقة بماضي عائلته التي تعرضت للاضطهاد على أيدي النازيين.
وفي حديث له مع موقع تايمز أوف إسرائيل يعود إلى عام 2016، قال كاهانا إنه أنفق 2.2 مليون دولار خلال خمس سنوات على العمل الإنساني وتحديداً العمل مع اللاجئين، ولاحقاً نشط كاهانا في عدد من القضايا وأسس شركته GDC في مزرعته التي اشتراها في ولاية نيوجيرسي الأمريكية.
وقال كاهانا في حديثه مع صحيفة جيزالم بوست الإسرائيلية في شهر يوليو/تموز 2023: "يمكنني أن أكون هنا في مزرعتي وأوجه عملية في الشرق الأوسط. لدينا 13 موظفاً، بما في ذلك ستيوارت سيلدوفيتز، الذي عمل في وزارة الخارجية خلال إدارة أوباما ويعمل مستشارنا الأول للدبلوماسية الإنسانية".
ويظهر مردخاي نشاطاً ملحوظاً على وسائل التواصل الاجتماعي وعلاقة قوية مع وسائل الإعلام، وخلف هذا الظهور المتكرر على الاعلام تعالت الأصوات التي تشكك في قدراتها وتنتقد تركيزه على الاستعراض والإعلام، وتتهمه الوكالة اليهودية (الهيئة التي تنشط في تشجيع الهجرة إلى إسرائيل) بالإهمال المتهور، وتصفه بأنه "مستقل عيّن نفسه" وأنه " منخرط في استعراض غير ضروري".
من يوزع المساعدات؟
ليست هذه المرة الأولى التي تناقش فيها الحكومة الإسرائيلية إمكانية الاستعانة بالشركات الخاصة في عملياتها في قطاع غزة، فقد سبق أن طرحت إمكانية توكيل شركة أمنية خاصة عملية توزيع المساعدات في شهرَي مارس/آذار وأبريل/نيسان الماضيين، خصوصاً بعد أن قتلت إسرائيل عمال الإغاثة في منظمة المطبخ العالمي.
وفي شهر مايو/أيار الماضي أشارت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يدرس إمكانية توكيل شركة أمنية خاصة مهمة تشغيل معبر رفح، وذكرت إذاعة ريشت بيت الإسرائيلية أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أجرت مؤخراً محادثات مع شركة أمنية لتأمين ممر نتساريم الذي يقسم قطاع غزة إلى نصفين، وذكرت هذه الإذاعة أن هذه الشركة هي نفسها GDC المملوكة لكاهانا.
وفي شهر أغسطس/آب الماضي عيّن جيش الاحتلال الإسرائيلي الضابط إلعاد غورين في منصب منسّق الجهود الإنسانية في غزة. ومن خلال المنصب الجديد سيتولى غورين العمل على منع "تشكل أزمة إنسانية في غزة والحفاظ على شرعية الحرب الإسرائيلية في غزة"، حسب تعبير صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية.
وتحظى قضية توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة بأهمية كبيرة لدى الأطراف الإسرائيلية المختلفة، وفي أغلب المبادرات السياسية لليوم التالي كان لها موقعها المركزي. وفي شهر سبتمبر/أيلول الماضي أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعليمات بدء تنفيذ الأعمال اللازمة لفحص المطلوب لتولي جيش الاحتلال مهمة توزيع المساعدات الإنسانية بما تتضمنه من لوجستيات وقوى عاملة وآليات تشغيل، وفقاً لتقرير تليفزيوني بثته القناة 12 العبرية.
في المقابل، وفقاً للتقرير نفسه، عارض رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي هذه الفكرة التي سبق أن طرحت في اجتماعات المجلس الأمني المصغر ورُفِضت، وخلال المداولات "أكّد هاليفي أن هذه المهمة تقع على عاتق المؤسسات الدولية الإغاثية التي وُجِدت لهذه الغاية".
ميدانياً، يخشى جيش الاحتلال من الخسائر البشرية الناتجة عن تورطه في أي شكل من أشكال الحكم في غزة، ونقلت القناة في تقريرها عن مصادر في الجيش قولهم: "يجب ألا يموت الجنود في أثناء عملية لتوزيع الدقيق"، وقد يُفهم هذا الهاجس بترجيح الجيش حتى اللحظة عدم السيطرة على أي مناطق مأهولة بالسكان وإدارتها في القطاع المدمّر.