تقدم اليمين المتطرف وانتكاسة رؤساء.. ردّات الانتخابات الأوروبية تهز الاتحاد
عاشت القارة العجوز، في 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، ليلة الأحد، على وقع نتائج الانتخابات البرلمانية، التي تراوحت بين تأكيد استمرار هيمنة اليمين المحافظ على معظم مقاعد البرلمان، وبين الاختراق الذي حققه اليمين المتطرف، ما مثل صدمة لكثيرين.
تداعيات الانتخابات الأوروبية تهز الاتحاد / صورة: AFP (AFP)

وخلال الأيام الثلاثة، ما بين 6 و9 يونيو/حزيران الجاري، توجّه نحو 51% من الناخبين الأوروبيين إلى صناديق الاقتراع من أجل اختيار نوابهم في البرلمان الأوروبي، وهي نسبة مشاركة مرتفعة نسبيّاً مقارنة بـ50.6% التي حققتها انتخابات 2019.

ومن ناحية النظرة العامة للنتائج، لم يحصل تغيير كبير على مستوى الترتيب، إذ أكّد ائتلاف الشعب الأوروبي (EPP) اليميني المحافظ أغلبيته داخل البرلمان بفوزه بـ186 مقعداً، أي بإضافة 10 مقاعد إلى ما تحصَّل عليه في انتخابات 2019. فيما حلّ الاشتراكيون الديمقراطيون (S&D) ثانياً بـ135 مقعداً، خاسراً أربعة مقاعد.

وفي المركز الثالث، حلّ ائتلاف "تجديد أوروبا" الليبرالي الوسطي، الذي ينتمي له حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منتكساً بخسارة 23 مقعداً عما حققه في 2019، بينما جاء ائتلاف "المحافظين الإصلاحيين" رابعاً بـ73 مقعداً، معززاً فريقه النيابي بأربعة مقاعد.

فون دير لاين تتنفس الصعداء

وتقود رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ائتلاف "حزب الشعب الأوروبي"، وأتت النتائج التي حققها مرشحوها، بنجاحهم في الفوز بالانتخابات، لتعزيز طموحها في ولاية ثانية على رأس المفوضية.

واحتفت فون دير لاين بهذه النتائج، وقالت في خطاب، مساء الأحد: "شكراً للناخبين الذين وضعوا ثقتهم بحزب الشعب الأوروبي، وجعلوه مرة أخرى أكبر قوة سياسية في البرلمان الأوروبي".

وقد أتت الأحزاب اليمينية التابعة لـ"حزب الشعب الأوروبي" في مقدمة الترتيب في عدد كبير من الدول، بدءاً من ألمانيا، حيث حصل التحالف بين حزبي "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" و"الاتحاد الاجتماعي المسيحي" على 30% من الأصوات، 29 مقعداً من أصل 96 مخصصة للبلاد.

وفي بولندا، جاء ائتلاف رئيس الوزراء، دونالد تاسك، أيضاً في المقدمة، فقد حقّق 37.06% من الأصوات، ما مكنه من الحصول على 19 مقعداً، وتكرر نفس الأمر في إسبانيا، حيث حصل حزب الشعب الإسباني إلى الآن على 34.2% من الأصوات بـ22 مقعداً في البرلمان الأوروبي.

وحصل حزب "الديمقراطية الجديدة"، الذي يتزعمه رئيس الحكومة اليونانية كيرياكوس ميتسوتاكيس، على 28.31% من الأصوات بـ7 مقاعد، كما احتل المحافظون أيضاً الصدارة في دول البلطيق الثلاث، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وكذلك في فنلندا.

وستسعى أورسولا فون دير لاين إلى رئاسة المفوضية الأوروبية لولاية ثانية، وذلك عبر التحرك نحو تشكيل تحالفات مع القوى المعتدلة، سواء من الوسط أو اليسار، لتأييد بقائها، وهو ما أشارت إليه بقولها: "معاً، ومع الآخرين، سنبني حصناً ضد متطرفي اليسار واليمين".

اليمين المتطرف.. مفاجأة الانتخابات!

وكان اليمين المتطرّف أبرز مفاجأة خلال هذه الانتخابات، عبر الاختراق الذي حققه إثرها، لكن، على مستوى النتائج العامة، لم يكن هذا التقدم كبيراً بالقدر الذي يقلب الموازين داخل البرلمان. فقد حصل ائتلاف "الهوية"، أكبر ائتلاف يميني متطرّف في أوروبا، على ما يعادل 58 مقعداً، أي بربح 9 مقاعد إضافية عن نتائجه في انتخابات 2019.

في المقابل، وعلى مستوى الدول الأوروبية، كان الوقع السياسي لفوز اليمين المتطرف أكبر. ففي إيطاليا، عززت النتائج دور رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، بوصفها لاعبة رئيسية في السلطة ببروكسل، بعد أن حصلت على 29% من الأصوات بـ24 مقعداً، بينما حصل حليفها في الحكم، حزب "الرابطة"، على 8 مقاعد، خاسراً 14 مقعداً.

وحقق حزب "من أجل الحرية" في هولندا، الذي يتزعمه خيرت فيلدرز، المعروف بمواقفه العنصرية ضد المهاجرين، اختراقاً مُهمّاً، إذ حسم 6 مقاعد لصالحه، ونجح في إدخال خمسة نواب زيادة على انتخابات 2019.

وفي ألمانيا، حلّ حزب "البديل من أجل ألمانيا" في المركز الثاني، بتحقيق 16% من الأصوات، وهو ما يعادل 15 مقعداً. وأدى صعود حزب "البديل"، مع النتائج المتقدمة التي حققها تحالف حزبي "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" و"الاتحاد الاجتماعي المسيحي"، إلى انتكاسة مدوية لحزب المستشار أولاف شولتز.

لكن الصدمة الكبرى كانت في فرنسا، حيث حل حزب "التجمع الوطني" على رأس ترتيب النتائج بـ31.4% من الأصوات، إذ فاز بـ30 مقعداً من أصل 81 تحظى بها البلاد.

وأدّت هذه النتائج إلى ما وُصف بـ"زلزال في الساحة السياسية" الفرنسية، وذلك بعد أن حلَّ على إثرها الرئيس إيمانويل ماكرون البرلمان ودعا إلى انتخابات سابقة لأوانها في 30 يونيو/حزيران. وقال ماكرون: "أعلن حلَّ الجمعية الوطنية، وسأوقع بعد قليل مرسوم إجراء الانتخابات التشريعية للدورة الأولى في 30 يونيو/حزيران، والدورة الثانية في 7 يوليو/تموز".

وردّ ماكرون قراره هذا إلى نتيجة الانتخابات الأوروبية لأنها "غير جيدة للأحزاب التي تدافع عن أوروبا"، إذ إن "صعود القوميين والديماغوجيين يشكل خطراً على أمتنا". وبالتالي، فإن القرار "يتيح مرة جديدة" للفرنسيين "خيار مستقبلنا البرلماني من خلال الاقتراع".

ووصف أطراف سياسية قرار ماكرون بـ"المُخاطرة"، إذ يأتي في وهدة صعود شعبية اليمين المتطرف، ما يضع البلاد مجدداً أمام سيناريو "حكومة تعايش" يقودها "التجمع الوطني". هذا في وقت دعت القوى اليسارية إلى الاتحاد من أجل سد الطريق على اليمين المتطرف، إذ أعلنت عن تشكيل تحالف "جبهة شعبية" جديد يقودون من خلاله الانتخابات القادمة.

TRT عربي