أفضى اجتماع جرى في 22 فبراير/شباط 2021، في بلدة الكسرة بريف دير الزور، ضم ضباطاً من الجيش الأمريكي، وممثلين عمَّا يسمى "المجالس المحلية" للبلدات الواقعة تحت سيطرة مليشيات PYD، إلى تقسيم محافظة دير الزور إلى أربع مناطق تحت اسم "مجالس مناطق"، أسوة ببقية المناطق التي تحتلها المليشيا في البلاد.
وحسب الاتفاق تمت تسمية المنطقة الممتدة من بلدة أبو حمام إلى بلدة الباغوز بـ"مجلس المنطقة الشرقية"، والمنطقة الممتدة بين بلدتي البصيرة والطيانة بـ"مجلس المنطقة الوسطى".
كما تم تسمية المنطقة بين مدينتي الصور والبصيرة بـ"مجلس المنطقة الشمالية"، والمنطقة التي تضم بلدات الريف الغربي بـ"مجلس المنطقة الغربية"، وفق وكالة الأناضول.
وكشفت شبكة الشرقية 24 المحلية، التي تغطي أخبار ثلاث محافظات (دير الزور، الرقة، الحسكة)، لموقع TRT عربي، أن قرار تقسيم "الكانتونات" جاء "عقب اجتماع وفد من القوات الأمريكية مع القيادي العربي في مليشيات PYD أحمد الخبيل، الذي يقود مجلس دير الزور العسكري التابع للمليشيا".
وأوضحت الشبكة المحلية أن من بين ما تم الاتفاق عليه في الاجتماع، هو "منع المعابر من تهريب المحروقات ومادة الطحين والأشخاص لمناطق مليشيا الأسد".
وبيّنت "الشرقية 24" أن "مليشيات PYD تسعى لتحويل مدينة البصيرة وقرى منطقة الشعيطات بدير الزور، والتي تسيطر عليها، على غرار منطقة المعامل بريف دير الزور الشمالي الشرقي، التي يوجد فيها مجلس ومقرات المليشيا ومحصنة بشكل كامل، وتعتبر البوابة الفاصلة بين مناطق نفوذ الأخيرة والنظام السوري شمال دير الزور".
سياسة خبيثة
وأشارت الشبكة في معلومات خاصة لموقع TRT عربي إلى أن من ضمن خطة التقسيمات، "اتباع مليشيات PYD سياسة خبيثة لإفراغ المنطقة من الشباب، عبر القيام بعمليات تجنيد إجباري في صفوفها، ولمدة 23 شهراً، مع شرط إتمام مدة تلك الخدمة للتوظيف ضمن الدوائر الموجودة في مناطقها والتي تُديرها المليشيا".
وألمحت الشبكة إلى أن هدف "فتح مليشيات PYD باب التوظيف تخفيف حدة احتجاجات الأهالي ضدها، وغض الطرف عن تسلم قيادات من المكون الكردي لبعض الدوائر في دير الزور".
موافقة شيوخ عشائر
وأشارت الشبكة إلى أن "الاجتماعات التي سبقت قرار التقسيم حضرها وجهاء وشيوخ عشائر موالين لمليشيات PYD، وعرضت عليهم خطة التقسيم التي وافقوا عليها مقابل تخفيف نسبة البطالة وفتح باب التوظيف للأهالي".
وتسعى مليشيات PYD "لتحويل مدينة البصيرة إلى مجلس منفصل، يتبع له عدد من القرى والبلدات الممتدة من الجديد إلى مدينة الشحيل وصولاً إلى الحجنة بريف دير الزور الشمالي الخاضع للمليشيا"، وفق الشرقية 24.
غليان شعبي
وجاءت هذه الخطوة المفاجئة في ظل حالة من الغليان الشعبي المتواصل ضد مليشيات PYD، احتجاجاً على سوء الخدمات ونقص في المحروقات، إضافة إلى حالة الانفلات الأمني الكبير الذي تعيشه قرى دير الزور في خط الجزيرة على الضفة اليسرى من نهر الفرات الغنية بالنفط والزراعة، منذ الإعلان عن القضاء على تنظيم داعش في مارس/آذار 2019.
إضافة إلى عجز مليشيات PYD عن منع حالات الاغتيالات، التي تطول شخصيات عشائرية عربية فاعلة في المنطقة، ومدنيين، دون فتح أي تحقيقات في تلك الحوادث، التي تتزامن مع شن المليشيا بدعم من التحالف الدولي عمليات مداهمة لمنازل المدنيين في دير الزور، واعتقالهم بحجج جاهزة وهي الانتماء إلى تنظيم داعش، الأمر الذين ينفيه الأهالي ويرجعونه إلى حالة الرفض الشعبي لممارسات مليشيات PYD، وإسكات أي نفس معارض لها هناك.
سيطرة على الاحتجاجات
وفي هذا السياق أكد الكاتب والباحث السوري مهند الكاطع، في تصريح لموقع TRT عربي، أن "محافظة دير الزور سكانها بالكامل من العرب، وأن تقسيمها إلى وحدات إدارية أصغر تحت اسم مجالس المنطقة جاء بعد ضغوط أمريكية من عدم إشراك العرب، وفي محاولات للسيطرة على مظاهر الاحتجاج والرفض التي تتفاقم ضدّ مليشيات الأمر الواقع التابعة لمنظومة العمال الكردستاني".
ورأى الباحث أن تقسيم مليشيات PYD دير الزور إلى "كانتونات" تأتي في "سياق محاولة فصل سكان هذه المحافظة إدارياً إلى وحدات إدارية أصغر، وعدم السماح لهم بتشكيل وحدة إدارية قوية تتمتع بصلاحيات وقد تخرج عن سيطرة مليشيات PYD إذا توفرت لها فرصة مواتية".
إضافة إلى أن "ذلك سيسمح لمليشيات PYD بإشراك عدد أكبر من الأشخاص الموالين في مجالس مختلفة، وهذا سيسهل عليهم استقطابهم وربطهم بمصالح ضيقة معهم والدفاع عن تلك المصالح أمام أي مظاهر احتجاج من المدنيين في تلك المناطق"، وفق الكاطع.
مطالبات عشائرية
لطالما طالبت العشائر العربية التحالف الدولي بتسليم إدارة المناطق العربية شرقي سوريا إلى سكانها، وهذا ما أكدته قبيلة العكيدات السورية في بيان لها صدر في أغسطس/آب 2020، اتهمت فيه القبيلة، التي تعد واحدة من كبرى القبائل في دير الزور، مليشيات PYD بالتهاون في ملاحقة مرتكبي الاغتيالات، على إثر حادثة اغتيال الشيخ مطشر الهفل أحد وجهاء القبيلة البارزين.
ولا تقتصر حالة التململ من مليشيات PYD على سوء الإدارة وتهميش المكون العربي، بل وصل الحال إلى رفض الأهالي المناهج الدراسية التي فرضتها المليشيا في مناطق سيطرتها بمحافظة دير الزور، باعتبارها تتناقض مع أخلاق المنطقة وموروثها الثقافي والديني.
كما تقدس تلك المناهج شخصية عبد الله أوجلان، زعيم منظمة "بي كا كا" الإرهابية المسجون في تركيا منذ 1999، وتصفه بـ"المعلم الأول"، إلى جانب تشجيع الأطفال على حمل السلاح من خلال وضع صور لأطفال بزي عسكري في المواد الدراسية.
زيادة التناحر العشائري
في هذا الصدد رأى الصحفي السوري عامر هويدي، مدير شبكة "ديري نيوز"، في تصريح لموقع TRT عربي، أن مليشيات PYD "تذرعت بخطوة التقسيم لإرضاء المكون العربي في مناطق سيطرتها بدير الزور، التي شهدت احتجاجات كثيرة على سياستها التسلطية ونهب ثروات بعض هذه المناطق الغنية، وربما لقص أجنحة بعض الذين ظهرت أسماؤهم كشخصيات متواصلة مع التحالف".
وذهب هويدي إلى أن ما سماه "باطن" قرار الكانتونات "ما هو إلا قرار لتفتيت المنطقة وزيادة التناحر العشائري أو العسكري أو حتى الاقتصادي، من خلال إضعاف بعض المكونات على حساب أخرى، وبالتالي تستطيع مليشيات PYD جرّ المستفيدين ضمن بعض الكانتونات الجديدة باتجاه الشمال الشرقي أكثر، أي باتجاه الحسكة، ويبقى النفط بيد المليشيا دون غيرها".
النفط المسروق
وصف مدير شبكة "ديري نيوز" خطوة التقسيم بأنها "ستساهم في مزيد من التهميش بحجة تأمين مطالب أهالي كل منطقة بشكل منفصل، ما سيسمح بظهور تمايز في الخدمات بين هذه الكانتونات"، متوقعاً "الرفض المستقبلي لهذه التقسيمات من قبل الأهالي أصحاب الأرض".
ويتذمر أهالي دير الزور من احتكار مليشيات PYD لنفط المحافظة والتصرف بعائداته، دون إنفاق أي جزء منه لتحسين المناطق الواقعة تحت سيطرتها، خاصة أن محافظة دير الزور تضم أغزر الحقول النفطية بالبلاد، كحقل العمر أكبر حقول البلاد وأشهرها، إضافة إلى مجموعة من الآبار والحقول المحيطة به كحقل العزبة، وحقل التنك وهو ثاني أكبر الحقول النفطية في دير الزور، وتسيطر عليه كذلك المليشيا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تركيا، وعلى لسان الرئيس رجب طيب أردوغان، دعت في أكثر من موقف إلى الاستفادة من عائدات نفط دير الزور والحسكة شمال شرقي سوريا، لخدمة الأهالي وتحقيق حياة كريمة لهم.
وبين أردوغان ذلك في مقابلة مع إحدى القنوات التركية الخاصة، في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2019، بقوله: إن "الولايات المتحدة وتنظيم (ي ب ك/ ب ي د) الإرهابي يسيطران على آبار النفط في دير الزور، ويقوم ببيع النفط إلى النظام السوري، وفي القامشلي يوجد أيضاً آبار للنفط وهناك يسيطر النظام والروس على تلك الآبار".
وأكد وقتها أن تركيا لا تهتم بالنفط، بل تولي اهتماماً لأمن السكان الذين يعيشون في تلك المناطق، وأردف قائلاً: "عرضت على قادة بعض الدول أن ننفق عائدات النفط على سكان المنطقة الآمنة التي سنقيمها في الشمال السوري، ونضمن عودة اللاجئين إلى ديارهم ونقدم لهم حياة كريمة، فلم أتلق أي رد منهم"، وفق الأناضول.
ادعاءات زائفة
هذا ما أشار إليه الصحفي السوري عامر هويدي خلال حديثه من أنه على الرغم من "تعتيم مليشيات PYD، وقمع احتجاجات المكون العربي الذي يشكل نسبة مئة بالمئة من سكان المناطق التي تحتلها المليشيا شرق دير الزور، وسرقة ثرواته، وشراء ذمم بعض شيوخ العشائر، فإنها تكشف زيف ادعاءات المليشيا بإدارتها المزعومة لهذه المناطق، وفضحت سرقاتها ونهبها للثروات وأهمها النفط، وحرمان السكان الأصليين من أبسط مقومات الحياة".