تضاعف بعد الحرب.. ما طبيعة التعاون المعلوماتي بين واشنطن وتل أبيب؟
ضاعفت الولايات المتحدة الأمريكية بعد اندلاع الحرب في غزة تعاونها الأمني والمعلوماتي مع جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي أمدته بأنواع مختلفة من التقنيات والموارد الاستخبارية التي وظّفها في حربه في قطاع غزة ومع حزب الله اللبناني.
نشرت الولايات المتحدة جزءاً من الأسطول البحري في منطقة الشرق الأوسط مع تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران وحزب الله / صورة: AA (AA)

وحركت الولايات المتحدة منذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قطعها البحرية إلى الشرق الأوسط، دعماً لإسرائيل، وأنشأ جيشها ما يشبه الجسر الجوي، فلم تتوقف الطائرات المحملة بالأسلحة والمعدات وتحديداً الذخائر لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

وإلى جانب الرئيس جو بايدن وكبار موظفي الإدارة الأمريكية، وصل إلى إسرائيل مجموعة من ضباط الأجهزة الأمنية الأمريكية المختلفة ليُشرِفوا على عمليات تبادل المعلومات مع نظرائهم الإسرائيليين، وسخّرت في سبيل ذلك الولايات المتحدة أحدث التقنيات والمقدرات التي تمتلكها وتنشرها في المنطقة.

وفي شهر مايو/أيار الماضي قال مستشار الأمن القومي جیك سولیفان إن واشنطن "قدمت مجموعة مكثفة من الأصول والقدرات والخبرات"، وأضاف أن المعلومات الاستخباراتية "لیست مقیدة أو مشروطة بأي شيء آخر، ولیست محدودة، نحن لا نمنع أي شيء، نحن نقدم كل الأصول وكل الأدوات والقدرات".

"قدرات فريدة"

سلّط تقرير لصحيفة واشنطن بوست في شهر يونيو/حزيران الماضي الضوء على التعاون المعلوماتي بين تل أبيب وواشنطن، واعتمد التقرير الذي كتبه المختص في الشؤون الأمنية والاستخباراتية شين هاريس، على مقابلة عشرات الضباط والمسؤولين الأمنيين في البلدين.

وأشار التقرير إلى أن الإدارة الأمريكية قدّمَت لإسرائيل "قدرات فريدة لم تكُن بحوزة الجيش الإسرائيلي" شملت "معلومات محددة، وتقنيات وخبرات لتحليل كميات كبيرة من الصور لإنشاء صور أكثر تفصيلًا، بما في ذلك صور ثلاثية الأبعاد للأرض في غزة".

وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين للصحيفة إن "الولايات المتحدة قدمت بعض القدرات التي لم نكن نمتلكها قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول"، فيما قال مسؤول إسرائيلي كبير آخر إن أمريكا قدمت صور أقمار صناعية مفصلة للغاية تفتقر إليها إسرائيل.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023 كشف تقرير على موقع "ديكلاسيفايد أستراليا" أن قاعدة المراقبة الأمريكية "باين جاب" الواقعة خارج أليس سبرينغز في أستراليا، تجمع الاتصالات والاستخبارات الإلكترونية من قطاع غزة، ويجري مشاركة هذه البيانات مع قوات الدفاع الإسرائيلية.

وأشار التقرير إلى أن القاعدة تعتمد على أقمار صناعية تراقب الشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا، وجمع كميات هائلة من بيانات الاستخبارات التي تُرسَل إلى القاعدة، وبعد جمع وتحليل بيانات الاتصالات والاستخبارات لصالح وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA)، تقدم هذه البيانات لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

وكشفت صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن مسؤول أمريكي أن الولايات المتحدة ساعدت جيش الاحتلال الإسرائيلي في عمليته ضد حزب الله اللبناني، يوم الأحد 25 أغسطس/آب، وقال إن "الطائرات المسيرة والطائرات الأمريكية قدمت بعض صور المراقبة المستخدمة لاستهداف منصات إطلاق الصواريخ لحزب الله".

وفي 22 أغسطس/آب الحالي أعلنت القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم" وصول حاملة الطائرات "يو إس إس أبراهام لينكولن" يرافقها أسطول المدمّرات "ديسرون 21" إلى منطقة الشرق الأوسط، لتنضمّ إلى مجموعة الحاملة "يو إس إس ثيودور روزفلت" الموجودة في المنطقة.

"لا قوات على الأرض"

وأشار تقرير شين هاريس في واشنطن بوست، إلى أن ضباطاً من وكالة المخابرات المركزية في محطة الوكالة في إسرائيل مع ضباط من قيادة العمليات الخاصة المشتركة "JSOC"، وضباط من وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية "DİA"، بالإضافة إلى مبعوثين من وزارة الخارجية وعملاء من مكتب التحقيقات الفيدرالي "FBI" يعملون مع الجهات الإسرائيلية الأمنية.

وسبق أن شدّد عدد من المسؤولين في الإدارة الأمريكية على أن الجيش الأمريكي لا يحتفظ بأي قوات على الأرض، وهذا ما أكده مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في تصريحات صحفية لشبكة CNN في شهر مايو/أيار الماضي.

وحول وجود القوات الأمريكية على الأرض أشار الصحفي جاك مورفي في تقرير لموقع "The High Side" نُشر في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إلى أن قوات قيادة العمليات الخاصة المشتركة التي نُشرت في قبرص كانت جاهزة للتدخل في غزة والمشاركة في عمليات إنقاذ رهائن.

وهذا ما أكّده مسؤول من الإدارة الأمريكية في حديث له مع صحيفة واشنطن بوست عندما أشار إلى أنهم في حال تَمكَّنوا من الحصول على معلومات عن موقع المحتجزين الإسرائيليين، تحديداً حمَلة الجنسية الأمريكية منهم، فإنهم لن يترددوا في الهجوم وتحريرهم، لكن ضَعف المعلومات على الأرض حال دون ذلك.

وإلى جانب عدم الوجود على الأرض، أكّدَت مصادر من الإدارة الأمريكية لصحيفة واشنطن بوست أنها منعت إسرائيل من استخدام المعلومات في أي استهداف لـ"مقاتلي حماس العاديين"، فيما قالت مصادر من الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" للصحيفة إنهم "حذرون للغاية في عدم استخدام ما تقدمه الولايات المتحدة عملياتياً إذا لم يكن ذلك مسموحاً".

وأضافت أن "تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة جيد جداً. توجد علاقات مباشرة على المستوى العملي، ومن المهمّ الحفاظ عليها".

البحث عن السنوار

ركزت الإدارة الأمريكية في تبريرها للتعاون على المعلوماتي مع جيش الاحتلال على أن يتركز على قضيتين: الأولى تحديد موقع المحتجزين الإسرائيليين، تحديداً من يحمل منهم الجنسية الأمريكية، بالإضافة إلى تحديد مواقع قيادات المقاومة.

لذلك زعم البيت الأبيض في شهر مارس/آذار الماضي اغتيال مروان عيسى نائب القائد العام لكتائب القسام، كما أشارت شبكة CNN الأمريكية إلى أن الولايات المتحدة شاركت في عملية استعادة المحتجزين الإسرائيليين الأربعة من مخيم النصيرات في شهر يونيو/حزيران الماضي.

وفي هذا الإطار كشفت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها نُشر في 25 أغسطس/آب الحالي، أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان معاً لملاحقة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، واستند التقرير إلى أكثر من عشرين مسؤولاً في تل أبيب وواشنطن.

وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان: "لقد كرّسنا جهوداً وموارد كبيرة للإسرائيليين لمطاردة القيادة العليا، بخاصة السنوار. لقد كان لدينا أشخاص في إسرائيل يجلسون في الغرفة مع الإسرائيليين يعملون على حل هذه المشكلة، ومن الواضح أن لدينا كثيراً من الخبرة في مطاردة الأهداف عالية القيمة".

وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة تلعب دوراً مهمّاً في مساعدة جيش الاحتلال الإسرائيلي على التعامل مع الأنفاق عبر نشر "رادار يخترق الأرض للمساعدة على رسم خرائط لمئات الأميال من الأنفاق التي يعتقدون أنها تحت غزة".

وأضاف أنه يجري مقارنة هذه البيانات مع "معلومات استخباراتية إسرائيلية جمعها مقاتلو حماس الذين قُبض عليهم وكميات كبيرة من الوثائق لبناء صورة أكثر اكتمالاً لشبكة الأنفاق".

وقال مسؤول إسرائيلي كبير للصحيفة إن الدعم الاستخباراتي الأمريكي كان "لا يُقدَّر بثمن"، لكن أحد الأشخاص المطّلعين على ترتيبات تبادل المعلومات الاستخباراتية، والذي تَحدَّث لنيويورك تايمز وصفها بأنها "غير متوازنة إلى حد كبير" في كثير من الأحيان.

وأضاف المسؤول أن الأمريكيين "يتقاسمون معلومات أكثر مما يعطي الإسرائيليون في المقابل، وفي بعض الأحيان يقدم الأمريكيون معلومات عن قادة حماس على أمل أن يوجه الإسرائيليون بعض مواردهم الاستخباراتية نحو العثور على المحتجزين الأمريكيين".

TRT عربي