وجاء في الرسالة التي وجَّهتها تلك الدول بقيادة الدنمارك في 15 مايو/أيار الجاري إلى المفوضية الأوروبية: "على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه تعزيز شراكات متساوية وبناءة وواسعة النطاق مع البلدان التي على طول طرق الهجرة، من خلال تغيير تركيزنا من إدارة الهجرة غير النظامية في أوروبا إلى دعم اللاجئين في مناطقهم الأصلية والمجتمعات المضيفة لهم"، مبررين ذلك بأن "أعداد الوافدين غير الشرعيين التي زادت في السنوات الأخيرة تبرر التفكير خارج الصندوق".
وإلى جانب الدنمارك، شارك في البيان المذكور أكثر من نصف دول الاتحاد الأوروبي (بلغاريا وجمهورية التشيك وإستونيا واليونان وإيطاليا وقبرص ولاتفيا وليتوانيا ومالطا وهولندا والنمسا وبولندا ورومانيا وفنلندا).
توقيت متعمَّد
وقال موقع يورونيوز إن البيان المكون من 4 صفحات يعرض "أفكاراً مصمَّمة عمداً لنقل المهام تجاه اللاجئين جزئياً، من السلطات الأوروبية إلى البلدان المجاورة، إذ يقترح إنشاء "آليات مراكز العودة خارج الاتحاد الأوروبي، يمكن من خلالها نقل العائدين لينتظروا ترحيلهم النهائي".
كما يقترح البيان إرسال طالبي اللجوء إلى "دولة ثالثة بديلة آمنة، لتخفيف الضغط على السلطات الوطنية".
ويشير "يورونيوز" إلى أن مفهوم "الدولة الثالثة الآمنة" المذكور في البيان، كان محل اعتراض متكرر من المنظمات غير الحكومية، "لأن الناس قد يواجهون الاضطهاد وسوء المعاملة في البلدان التي تعد مستقرة على الورق".
ولكن يبدو أن توقيت الرسالة متعمَّد ليتزامن مع استكمال الميثاق الجديد بشأن الهجرة واللجوء، الذي جرت الموافقة النهائية عليه قبل البيان المذكور بيومين، حسب الموقع الإخباري الأوروبي نفسه.
وردَّت المفوضية الأوروبية بأنها ستنظر بعناية في الرسالة التي وصفتها بـ"المعقَّدة" و"الشاملة"، مشددةً على أن التركيز في السنوات المقبلة سيكون على تنفيذ الإصلاح المتفق عليه.
في المقابل يشير العدد الكبير من الدول الموقِّعة على الرسالة إلى أن المشروع قد يستعد للارتقاء إلى مرتبة أعلى على جدول أعمال البرلمان الأوروبي بعد الانتخابات المقبلة له.
أبرز الإجراءات الجديدة
يتضمن الاتفاق الأوروبي الجديد حول اللجوء والهجرة 10 تشريعات، دعمتها أغلبية كبيرة من دول الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ في عام 2026.
بموجب القوانين الجديدة، تُستحدث مراكز حدودية لاحتجاز اللاجئين في أثناء درس طلبات لجوئهم، لضمان عدم دخولهم أراضي الاتحاد الأوروبي، وستخضع طلبات لجوئهم لفحص سريع لا يتجاوز ستة أشهر.
كذلك سوف يُرحَّل طالبو اللجوء المرفوضون من الحدود الخارجية للاتحاد بسرعة إلى بلدانهم الأصلية أو إلى "بلد ثالث في المستقبل".
كما سيجري فرز طالبي اللجوء "الذين ليست لديهم فرصة للحصول على الحماية، نظراً لأنهم من دول آمنة نسبياً، خلال 3 أشهر بحد أقصى والعمل على ترحيلهم مباشرةً".
وتنطبق هذه الإجراءات الجديدة على الأطفال والقصَّر غير المصحوبين بذويهم، وكذلك الأسر التي لديها أبناء قُصَّر دون استثناء.
مخاوف حقوقية حول ميثاق اللجوء الجديد
أثار الميثاق الأوروبي الجديد انتقادات من عدة منظمات حقوقية عالمية؛ إذ قالت منظمة العفو الدولية (أمنستي) إن القوانين الجديدة ستؤدي إلى مزيد من المعاناة الإنسانية.
كما نددت منظمة أوكسفام الخيرية برغبة الاتحاد الأوروبي في احتجاز طالبي اللجوء، خصوصاً الأطفال، في "ما يشبه السجون على حدود أوروبا".
بدوره قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن "ميثاق الهجرة واللجوء" الأوروبي الجديد، يمثل تصعيداً لسياسات أكثر صرامة باتجاه ترحيل طالبي اللجوء بشكل عاجل، مشيراً إلى أن "الميثاق ينطوي على احتمال خطير لتقويض الحقوق الأساسية وتدابير الحماية".
وأكد المرصد في بيان صحفي أن هذا "النهج قصير النظر، لا يهدد بالفشل في معالجة الأسباب الجذرية للهجرة فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى تفاقم معاناة الفئات المستهدفة وعدم استقرارها".
في هذا السياق تقول الباحثة في شؤون الهجرة لدى المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ميكلا بوليزي، إن الميثاق الجديد سيكون له تأثير سلبي هائل على المهاجرين وطالبي اللجوء، إذ سيُحرَم بشكل خاص طالبو اللجوء من بلدان معينة -التي تتمتع بمعدلات اعتراف منخفضة داخل الاتحاد الأوروبي أو تلك التي تعدّها أوروبا "آمنة"- التقييم العادل والكامل لقصصهم الشخصية.
وتؤكد بوليزي، في حديثها مع TRT عربي، أن تلك الإجراءات ستزيد من احتمالات انتهاكات حقوق الإنسان، "لا سيما في مراكز الإجراءات الحدودية السريعة، والاعتقال الإداري، وكذلك في المرافق غير الرسمية المغلقة، ما يزيد من خطر حرمانهم من الوصول إلى الحقوق والخدمات الأساسية هناك".
وتتخوف بوليزي بشكل رئيسي من أن ذلك سيشكل مزيداً من العقبات، النفسية والإجرائية، أمام أولئك الأشخاص الذين طلبوا اللجوء ورُفضوا، خصوصاً بالنسبة إلى الأشخاص الضعفاء، مثل "الفتيات والنساء ضحايا الاتجار بالجنس أو العنف القائم على النوع الاجتماعي".
ووفق تجارب الباحثة في شؤون الهجرة مع اللاجئين وطالبي اللجوء، "خصوصاً في دولة على خط المواجهة مثل إيطاليا، حيث يهدف كثير من الأشخاص إلى مواصلة رحلتهم نحو دول أخرى أكثر ثراءً، وشمال الاتحاد الأوروبي"، تعتقد بوليزي أن إحدى أهم الركائز الرئيسية للميثاق الجديد "أنه يريد تقليل الحركات الثانوية، بدلاً من محو قاعدة دبلن الخاصة ببلد الوصول الأول".
وتلفت بوليزي إلى أن الحل الذي يقترحه الاتحاد الأوروبي للهجرة واللجوء هو دائماً "المال مقابل الاحتواء، فقط لتقليل الوافدين، بغضّ النظر عن التكاليف البشرية"، وتتابع : "ونرى ذلك من خلال سياسة الميثاق المتمثلة في عقد الصفقات الثنائية والمتعددة الأطراف مع دول ثالثة".
وتختم الباحثة بأن هذا النهج "ليس فقط عديم الفائدة وغير قانوني وكارثي على حياة الناس، بل أعتقد أنه يشكل أيضاً تهديداً بزعزعة استقرار البلدان الثالثة المعنية".
انتهاكات متصاعدة
وفق تقرير نشره "المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات"، فإن عديداً من دول الاتحاد الأوروبي، لا سيما تلك الموجودة في البحر الأبيض المتوسط، تصد المهاجرين بشكل غير قانوني، إذ يشير التقرير إلى أن السلطات اليونانية أجرت ما بين عامي 2020 و2022 نحو 42000 عملية صد، بالإضافة إلى إعادة اللاجئين بمن فيهم النساء والأطفال إلى البحر.
وحسب التقرير نفسه، فقد تبنَّت إيطاليا قانوناً مطلع فبراير/شباط 2023 يُقيد عمل سفن الإنقاذ الإنسانية لمساعدة قوارب المهاجرين المتهالكة في المتوسط، وقد أثار هذا الإجراء رفض مجلس أوروبا لحقوق الإنسان.
أما على مستوى الحدود البرية، ووفقاً لتقرير صدر في 30 مايو/أيار العام الماضي عن منظمة (PRAB) المدافعة عن حماية اللاجئين على الحدود، ففي الربع الأول من 2023 وُثقت 10.691 ألف حالة فردية لأشخاص جرى صدهم على الحدود الأوروبية.
وفي عام 2021 صدر نحو 340.500 ألف قرار "إعادة" في الدول الأوروبية، وفقاً لوكالة الإحصاء الأوروبية (يوروستات).