أزمة تتصاعد حدتها في السودان بين ضغوط داخلية وتدخلات خارجية في بلد غارق في مأزق اقتصادي خانق. فمن جهة تطالب المعارضة بحل المجلس العسكري والتسريع بتسليم السلطة إلى المدنيين، فيما يرد المجلس العسكري بأنه على استعداد لقبول حكومة مدنية تتألف من تكنوقراط فقط.
من جهة أخرى تشهد البلاد تدخلات من محاور إقليمية ودولية تسعى لأن يكون لها موطئ قدم في السودان ودور أساسي في تشكيل مسارات الحقبة المقبلة من مستقبل البلاد، فكيف تؤثر هذه المعطيات على سير المرحلة الانتقالية في البلاد؟
المحور الداعم
المحور السعودي الإماراتي المصري يدعم المجلس العسكري السوداني وقادته، سياسياً واقتصادياً تجلت مؤشرات هذا الدعم في:
دعم سياسي تمثل في دعوة مصر لعقد قمة أفريقية طارئة بمشاركة دول الجوار السوداني في القاهرة حول الوضع في السودان، ضغط فيها الجانب المصري على الاتحاد الأفريقي للموافقة على تمديد مهلة نقل المجلس العسكري للسلطة إلى حكومة مدنية إلى 3 أشهر.
وذلك بعد مهلة 15 يوماً فقط منحها مجلس الأمن والسلم الأفريقي لنقل السلطة، وإلا علق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، فبحسب لوائحه لا يتعامل الاتحاد مع الأنظمة التي تصل إلى الحكم بالقوة العسكرية.
وفي حال تعليق عضوية السودان فقد يؤثر ذلك على جهود المجلس العسكري في مسعاه لانتزاع شرعية دولية كحاكم للبلاد خلال الفترة الانتقالية التي قد تصل إلى عامين، وبالتالي تأخير فرصة الحصول على المساعدات التي قد تدعم وضعها الداخلي للتغلب على أزمتها الاقتصادية الحادة.
دعم اقتصادي تمثل في تقديم حزمة مشتركة من المساعدات السعودية الإماراتية بقيمة ثلاثة مليارات دولار، فضلاً عن 500 مليون دولار وديعة في البنك المركزي السوداني لحل أزمة انخفاض قيمة العملة.
وفي هذا الإطار يرى تيراب أبكر، الخبير الأمني والاستراتيجي السوداني، في حديث لـTRTعربي، "أن هناك بالفعل تدخلات خارجية في الشأن السوداني الحالي فلا يمكن الحديث عن تحول داخل البلاد بمعزل عن المحيط الإقليمي والدولي".
ويضيف "يسعى المحور الممثل في السعودية والإمارات للعب على الوتر الحساس للبلاد وهو الوضع الاقتصادي الحرج، للتوغل عبر غطاء المساعدات والتأثير على الأوضاع الداخلية لضمان استمرار مصالحه، والحفاظ على وجود قيادات على رأس السلطة تُكنّ له الولاء".
تفضيل النظام العسكرييتفق محللون على أن المحور السعودي الإماراتي يدفع بكل قوته لاستمرار بقاء نظام عسكري في السودان، بخاصة مصر التي يحكمها نظام عسكري أيضاً وبالأخص بعد تصريح المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية المصرية بأن التجربة المصرية هي الأنسب للسودان نظراً لتشابه الأوضاع كثيراً بينهما.
ويتفق تيراب مع هذا الطرح، معللاً "أن دول المحور تفضل التعامل مع النظم العسكرية لضمان استمرار نفوذها، على خلاف التعامل مع قوى مدنية تخضع لشروط الديمقراطية".
ويتابع "لا يخفى وجود شخصيات كرئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمديتي، وهما مدعومان على وجه الخصوص من المحور، يؤكد مسعى دول هذا المحور في الحفاظ على مصالحها في السيطرة الإقليمية، فضلاً عن ضمان دعم الجيش السوادني لها في حرب اليمن".
ويضيف "أنها تسعى لتكون منفردة في تأثيرها هذا، وأن أي تغيير من شأنه أن يتسبب في خروجها من هذه المعادلة سيدفعها للدخول بكل ثقلها لضمان استمرار نفوذها، وحتى في حال تسليم السلطة لحكومة مدنية ستجدد محاربتها لها".
ضغوط داخلية على المجلس العسكري
يقاوم المجلس العسكري ضغوطاً داخلية للإسراع بتسليم السلطة، فقوى المعارضة السودانية تطالب بنقل السلطة إلى المدنيين وحل المجلس العسكري وتأسيس مجلس رئاسي مدني لإدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية.
قوى الحرية والتغيير السودانية المعارِضة أشعلت الصراع بينها وبين المجلس العسكري بعد إعلان رفضها لتوصيات القمة الأفريقية بتمديد مهلة المجلس العسكري إلى ثلاثة أشهر، ورفضها لإعلان المجلس باستمرار مشاركته في حرب اليمن بعدّه قراراً سيادياً اتُخذ دون تفويض شعبي.
ومعلقاً على ذلك رأى عباس حسن، عضو تجمع المهنيين السودانيين المعارض، في حديث لـTRT عربي، "أن المجلس العسكري ليس مفوضاً في اتخاذ قرارات تخص السياسة الخارجية في الوقت الحالي ولا يمتلك شرعية سياسية فيما يتعلق باتخاذ قرارات تمس الأمن القومي للبلاد، وأن المعارضة ستكثف وجودها على الأرض للضغط على المجلس لتنفيذ المطلب الرئيسي بنقل السلطة إلى مدنيين بعد عرض قائمة بأسماء شخصيات مدنية تؤلف الحكومة المقبلة لتسليم السلطة إليها".
فيما يقول تيراب "إن الوضع الحالي غير واضح المعالم، وبالتالي فقد تحتاج البلاد لوقت أكبر حتى تتمكن القوى المعارضة من الالتفاف على رؤية واضحة تُشكل الهوية السياسية للبلاد، وأتوقع تشكيل حكومة تضم شخصيات مدنية وعسكرية، لكنها وفي هذه الفترة لن تكون مدنية بالكامل". ويختتم بأنه "في ظل عدم وضوح الرؤية الداخلية والضبابية التي تكتنف المشهد فقد يكون التدخل الخارجي له الثقل الأكبر في تشكيل المسار المستقبلي للبلاد".
وهكذا، تؤشر الأوضاع إلى مزيد من الاضطراب في ظل عدم وضوح معالم المسار السياسي في البلاد خلال الفترة الانتقالية. ولا توحي التطورات الحالية في المشهد السوداني بأنه يمكن حسم الأزمة الداخلية في المستقبل القريب، في ظل تشبث الأطراف بمواقفها من جهة والتدخلات الخارجية من جهة أخرى.