بعد 16 عاماً من تطبيقه، رأت السلطات الجزائرية أن من الضروري مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، الذي وصفه أكثر من طرف حكومي بـ"المجحف"، لأنه خدم القارة العجوز فقط.
وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وجّه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، حكومة بلاده إلى إعادة تقييم اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي "بنداً بنداً وفق نظرة سيادية".
وحسب بيان للرئاسة الجزائرية حينها، فإن بنود اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي يجب إعادة تقييمها بنظرة سيادية وفق مبدأ "رابح-رابح".
وشدّد على أن مراجعة الاتفاق يجب أن تراعي "مصلحة المنتج الوطني لخلق نسيج صناعي ومناصب شغل (فرص عمل)".
وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، عقدت الجزائر والاتحاد الأوروبي الدورة الثانية عشرة لمجلس الشراكة بين الجانبين لبحث الاتفاق، لكن لم تتسرب أي معلومات حول نتائج المحادثات ولا موعد الدورة القادمة.
خسائر بـ30 مليار دولار
واتفاق الشراكة هو معاهدة تجارية وقّعَتها الجزائر والاتحاد الأوروبي عام 2002، ودخلت حيّز التنفيذ في الأول من سبتمبر/أيلول 2005.
وينصّ الاتفاق على تفكيك تدريجي للتعريفات (الرسوم) الجمركية للسلع والبضائع في الاتجاهين.
لكن الشركات الجزائرية الحكومية والخاصة لم تستطع منافسة نظيرتها الأوروبية، لاعتماد اقتصاد الأولى بالأساس على صادرات المحروقات (النفط ومشتقاته والغاز).
ووفق أرقام غير رسمية، تكبدت الجزائر خسائر بنحو 30 مليار دولار منذ 2005، لا سيما جراء عمليات التفكيك الجمركي وبقاء حركة السلع والبضائع في اتجاه واحد من أوروبا نحو الجزائر.
المراجعة بدل الانسحاب
في هذا السياق يرى وزير التجارة الجزائري الأسبق مصطفى بن بادة (2010-2014)، أن بلاده لم تستفد بالشكل الكافي من اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وبقي في اتجاه واحد لعدة أسباب.
ويشرح وزير التجارة الأسبق للأناضول أن الحزمة الأولى من المنتجات التي أُلغيَت رسومها الجمركية هي الموادّ الخام والموادّ الأولية، وكان ذلك في سبتمبر/أيلول 2005، وضمت نحو 2000 منتج.
وابتداءً من 2007 جرى تطبيق تخفيضات في التعريفات (الرسوم) الجمركية على نحو 1100 منتج، تبلغ نسبها 20 بالمئة كل سنة، وتتعلق بالمنتجات نصف المصنعة وتجهيزات صناعية، وفق المتحدث.
وفي الفترة ما بين 2012 و2017، كان من المفروض أن تدخل حزمة ثالثة من المنتجات المعنية بالإعفاءات الجمركية، وتتعلق بالمنتجات الموجهة للاستهلاك على حالتها (منتجات نهائية).
وكشف بن بادة أنه بعد أن تَقلَّد منصب وزير التجارة في 2010، بوشرت المشاورات مع الاتحاد الأوروبي بشأن الإعفاءات الجمركية للمنتجات الموجهة للاستهلاك، التي كان من المقرر أن تدخل حيز التطبيق في 2017، وأُجّل ذلك إلى 2020. ورغم ذلك لم تكن للجزائر استفادة من السوق الأوروبية، وبقي التصدير الجزائري إلى دول الاتحاد هامشياً.
وأشار المتحدث إلى محاولات تصدير بادرت بها شركات جزائرية، لكنها واجهت بعض العراقيل الأوروبية المتعلقة بمعايير السلامة الصحية والأمنية للمنتجات.
وخلص بن بادة إلى أنه "لذلك لم تستطع المنتجات الجزائرية الدخول بقوة إلى الاتحاد الأوروبي، فيما كنا نستقبل سلعاً عديدة من دوله".
نقص الخبرة
ومن أسباب تضرر الجزائر من اتفاق الشراكة مع الاتحاد، يؤكد مصطفى بن بادة أن الطرف الجزائري كانت تنقصه الخبرة وهوامش مفاوضات ضيقة.
ويعتقد أن البعد السياسي لاتفاق الشراكة كان مفضَّلاً أكثر لدى الجانب الجزائري مقارنة بالاقتصادي، بالنظر إلى العزلة التي كانت البلاد تعيشها ومعاناتها من شبه حصار.
وقال: "بالتالي كان اتفاق الشراكة رسالة سياسية إلى العالم، بأن الجزائر صارت شريكا مقبولاً وحصلت على اعتراف سياسي بأن الحياة عادت إلى طبيعتها في هذه الدولة، لذلك كان هذا الاتفاق بمثابة رسالة سياسية".
وأضاف: "أما الشق الاقتصادي فكان المفاوضون الجزائريون تنقصهم الخبرة، ليسوا أقل وطنية بل أقلّ خبرة، فيما كان لدى الطرف الأوروبي مفاوضون متمرسون وأبرموا اتفاقات مماثلة مع المغرب وتونس وعدة بلدان أخرى".