مع تصاعد حدّة التوتر بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تدرس إدارة بايدن إبطاء أو وقف عمليات تسليم مبيعات الأسلحة لإسرائيل وسيلة ضغط من أجل تقليص الهجوم العسكري على قطاع غزة، وحثّ إسرائيل على اتخاذ إجراءات، مثل فتح ممرات إنسانية لتوفير مزيد من المساعدات الإنسانية هناك.
وتشهد العلاقة بين بايدن ونتنياهو توتراً متصاعداً منذ عدّة أشهر، حتى إنّ الرئيس الأمريكي، في تحوّل واضح، انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي علناً، منتصف الشهر الماضي، بسبب رؤيته لما بعد الحرب، واستمرار القصف العشوائي الذي أودى بحياة أكثر من 25 ألف فلسطيني، 70% منهم من الأطفال والنساء.
ووصف بايدن حكومة نتنياهو بأنّها الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، مضيفاً: "على نتنياهو تغيير حكومته المتشددة، إنهم لا يريدون لأي شيء أن يقترب، ولو من بعيد من حل الدولتين".
وطول حياته، عارض نتنياهو إقامة دولة فلسطينية، وقال في مؤتمر صحفي، في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، إنّه أبلغ واشنطن باعتراضه على أي دولة فلسطينية، مضيفاً: "يجب أن يكون لإسرائيل سيطرة أمنية على كامل أراضي غرب نهر الأردن".
وفي محاولة يائسة، حاول بايدن إنكار ما قاله نتنياهو، وزعم البيت الأبيض، بعد يوم واحد من تصريحات نتنياهو، أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي أبلغ الرئيس الأمريكي في مكالمة هاتفية أنّه لا يزال منفتحاً على حل الدولتين في ظل ظروف معينة.
لا لحل الدولتين
في تحدٍّ واضح تعمّد رئيس الوزراء الإسرائيلي إحراج أهم وأقوى حليف له، وكتب في تغريدة، بعد تصريحات البيت الأبيض بساعات قليلة، "لن أتنازل عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على المنطقة بأكملها غرب الأردن، وهذا يتعارض مع الدولة الفلسطينية".
ليتسبب ذلك في إحباط الرئيس الأمريكي الذي يتحمل تكلفة سياسية عالية مع اقتراب انتخابات الرئاسة نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وعزوف الناخبين عنه بسبب دعمه المطلق لإسرائيل منذ بداية الحرب الانتقامية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وحول ذلك، يصف الخبير السياسي، مدير معهد الدراسات النووية بـ"الجامعة الأمريكية في واشنطن"، بيتر كوزنيك، بايدن بأنّه عالق في مأزق خطير.
وفي حديثه مع TRT عربي، يقول كوزنيك إنّ بايدن كان منذ فترة طويلة أحد أكبر المدافعين عن إسرائيل في مجلس الشيوخ والآن في البيت الأبيض، واستمرّ في تشجيع إسرائيل منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، كما تلقّى أموالاً كبيرة على مر السنين من لجنة الشؤون العامة الأمريكية-الإسرائيلية (إيباك) وأعضاء آخرين في إسرائيل.
ويضيف كوزنيك: "لكنّ العالم والشعب الأمريكي تراجعاً إلى حدّ كبير عن وحشية الرد الإسرائيلي الذي يُعرض يومياً على شاشات التلفزيون في جميع أنحاء العالم"، مشيراً إلى أنّ، "صور الضحايا الفلسطينيين القتلى والجياع أكثر وضوحاً وتصويراً وإثارةً للحزن في أجزاء أخرى من العالم مما هي عليه في الولايات المتحدة، كما شهدت مؤخراً في هانوي والدوحة، لكنّ بايدن يواصل النضال من أجل الحصول على مزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل ويحظى بدعم إسرائيل في الأمم المتحدة".
ومع إدراك بايدن بأنّ حظوظه الانتخابية تتراجع، بدأ في انتقاد نتنياهو، ويلفت كوزنيك إلى أنّ "بايدن لا يخاطر بتنفير العديد من الناس من خلال إبعاد نفسه عن رفض نتنياهو الصريح لحل الدولتين، وحتى معظم اليهود الأمريكيين يجدون نتنياهو حقيراً".
علاوة على ذلك، يؤكد كوزنيك بأنّ بايدن أظهر استعداداً مذلّاً للاستسلام لمطالب الجمهوريين بشأن أزمة الحدود بشأن الهجرة على أمل تحرير الأموال المتوقفة لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان، لذا فقد أظهر بايدن مراراً وتكراراً أولوياته الحقيقية، بغضّ النظر عن مدى ضعف تكراره للحاجة إلى حل الدولتين".
من جانبه، ذكر أستاذ العلوم السياسية في جامعة "وسط أوكلاهوما"، حسام محمد، أنّ الدعم الأمريكي لحل الدولتين، والذي بدأ بشكل واضح خلال إدارة جورج دبليو بوش، واستمر منذ ذلك الحين، بالنسبة إلى الديمقراطيين والجمهوريين، هو مجرد نوع من التصريحات الكلامية التي لا تعني شيئاً عندما يتعلق الأمر باللسياسات الفعلية أو السلوك على أرض الواقع.
وفي حديثه مع TRT عربي، يقول محمد إنّ القادة الإسرائيلين، بما في ذلك نتنياهو، أيّدوا الفكرة في مرحلة ما فقط لتلبية المطالب الأمريكية مع العلم أنّها لا تعني شيئاً.
ويصف التوترات الأخيرة بين الحليفين بأنّها في معظمها شخصية، موضّحاً: "تريد إدارة بايدن تغيير الحكومة الإسرائيلية الحالية، لكنها ليست ولن تلتزم حل الدولتين، تقول الولايات المتحدة شيئاً وتفعل شيئاً آخر".
ويتابع القول: "لذا فإنّ ما يهمّ أكثر هو أن تستمر الولايات المتحدة في تزويد إسرائيل بالمساعدات والأسلحة وما إلى ذلك دون قيود، وهذا هو المهم، وقد أدركت الولايات المتحدة ذلك أيضاً، خاصة بعد أن خلصت المحكمة الدولية إلى أنّها يجب أن تتبع القانون الدولي إلى حد ما".
وينوّه بأنّ الولايات المتحدة هي في الأساس "مشارك في الحرب، بشكل كامل لأنّه بدون أسلحتها الفتاكة، لم يكن الإسرائيليون ليقتلوا نحو 30 ألف شخص معظمهم من المدنيين في غزة".
لا عواقب
ويلفت محمد إلى أنّ الحقائق على الأرض تظهر أنّه لا يمكن أن تكون دولة فلسطينية قابلة للحياة دون إزالة المستوطنات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة، وهو ما ترفضه إسرائيل ولا تتحدث الولايات المتحدة كثيراً عنه.
ويقول محمد إنّه في نهاية المطاف، سيتخلص الإسرائيليون من نتنياهو لا بسبب جرائمه ضد المدنيين، بل لأنّه فشل في حمايتهم، مضيفاً: "لا أرى خلافات كبيرة مع الإسرائيليين فيما يتعلق بالولايات المتحدة. ولا يزال نحو 55 إلى 60% من الإسرائيليين يعارض حل الدولتين ويعارض إنهاء الحرب".
ويبيّن أستاذ العلوم السياسية، أنّ "الولايات المتحدة تتأثّر في الغالب بالضغوط الداخلية التي تمارسها لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية إيباك وغيرها، لاقتراب موعد الانتخابات".
ويعتقد محمد أنّ نتنياهو يودّ رؤية عودة ترامب، مستدركاً: "لكن لكي نكون صادقين بشأن إسرائيل، فإنّ الاختلافات بين ترامب وبايدن ضئيلة للغاية، أحدهما صهيوني والآخر فاشي، لكنّ خلافاتهما بشأن القضايا الأخرى كبيرة".
ويرجّح أنّ "نتنياهو يعمل بشكل أفضل مع ترامب، بينما يفضّل بايدن حكومة ائتلافية أكثر ليبرالية في إسرائيل، وإدارة بايدن لا تخفي ذلك".
بدوره يذكر كوزنيك، أنّ نتنياهو وجد أنّه لا عواقب حقيقية للازدراء الصريح لبايدن وإدارته، وهو ما يدفعه إلى التصريحات الجريئة والمتحديّة لمطالب الولايات المتحدة، مع مواصلة الأخيرة إرسال المساعدات العسكرية لها وتقديم الغطاء السياسي والدبلوماسي مهما تفعل.
ويقول كوزنيك "لو كان لدى بايدن نصف عقل وبعض من النزاهة، لقطع المساعدات عن إسرائيل حتى تقبل وقف إطلاق النار وتوافق على اتخاذ خطوات نحو حل الدولتين".
ويعرب عن اعتقاده، بأنّ على بايدن دعم أولئك الذين يطالبون نتنياهو بالتنحّي، لكن حتى الآن لم يُظهر بايدن أي استعداد للتصدي للعوائق التي يفرضها نتنياهو للتوصل إلى حل مؤقت وطويل الأمد للصراع".
انتخابات على المحك
يستعدّ الرئيس الأمريكي لمباراة العودة المحتملة مع الرئيس السابق دونالد ترمب نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ويواجه بايدن انقسامات حادة في الائتلاف الديمقراطي الذي ساعده في انتخابات 2020، بسبب تعامله مع الحرب في قطاع غزة.
وانخفض معدّل تأييد بايدن إلى أدنى مستوى له حتى الآن، إذ وصل إلى 38%، ووجد المعهد العربي الأمريكي أنّ 17% فقط من الأمريكيين العرب يقولون إنّهم سيصوتون لبايدن في عام 2024، بانخفاض عن 59% في عام 2020.
ويذكر كوزنيك أنّ دعم بايدن الشامل لإسرائيل لا يحظى بشعبية خاصة بين قاعدتين انتخابيتين رئيسيتين يحتاج إليهما لإعادة انتخابه هما الشباب والأشخاص الملونين، ويقول كوزنيك، بناءً على تجربته الشخصية أستاذاً محاضراً في الجامعة الأمريكية بواشنطن، إنّ 75% من الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً، لا يؤيدون المذبحة في غزة، موكّداً بالقول: "أرى ذلك بين طلابي، ومعظمهم يقع ضمن هذه المجموعة".
ويضاف كوزنيك: "قليلون سيصوتون لصالح ترامب، لكنني لن أتفاجأ إذا بقوا في منازلهم يوم الانتخابات، إنّهم يكرهون ترامب، لكنهم يجدون أنّ بايدن منافق يندد بالتحركات الروسية في أوكرانيا ويقاتل من أجل المساعدات العسكرية لإسرائيل، على الرغم من حقيقة أنّها تقتل مزيداً من النساء والأطفال وتدمّر مزيداً من البنية التحتية في غزة في بضعة أشهر قصيرة أكثر مما تفعله روسيا".
ويتفق محمد مع كوزنيك في أنّ الناخبين الشباب عزفوا عن دعم بايدن بسبب فشله في وقف إطلاق النار.
ويضيف محمد أنّ بايدن قد يخسر الانتخابات بسبب عامل إضافي، أيضاً، وهو تأثير الأمريكيين العرب والمسلمين في ولاية ميشيغان.
ويرى محمد أنّ العرب والمسلمين ليسوا مجموعة تصويت منضبطة، لذلك فإنّ تأثيرهم في الانتخابات يقتصر على ميشيغان أكثر من أي ولاية أخرى، وإذا خسر بايدن هناك "فالأرجح أنّ العرب والمسلمين لم يصوّتوا له، ولكن إذا فاز، فهذا يعني أنّ تصويت العرب والمسلمين لا يهم حقاً كثيراً، أو أنّ في سياسة بايدن تغييراً يُرضي على الأقل جزءاً كبيراً من العرب والمسلمين هناك".
ويضيف، أنّ الناخبين الشباب، الذين رفضوا التصويت لصالح كلينتون، يرفضون حتى الآن التجمع لدعم بايدن، وهذا سيضر بفرص بايدن في الولايات التي تتسم بالتنافسية الشديدة.
ويرجّح أستاذ العلوم السياسية وجود عديد من القضايا الأخرى التي يمكن أن تؤدي إلى فشل بايدن، ما لم يحدث تغيير كبير في سياسته تجاه القضية الفلسطينية، ويأمل الرئيس الأمريكي، صدور إدانة في حق ترامب تمنعه من الترشح وتفسح المجال لبايدن للفوز بولاية ثانية.