منذ سنة 2002، ارتفعت أعداد النساء في البرلمان التركي. إذ استطاع حزب العدالة والتنمية إيصال 52 امرأة إلى البرلمان، من أصل 295 نائباً محسوباً على الحزب. وفي الانتخابات التشريعية الأخيرة، حققت النساء أرقاماً قياسية في نسبة ترشحهنّ، إذ وصل هذا العدد إلى 904 مرشحات، أي ما يعادل21% من إجمالي المرشحين المدرجين في القوائم الانتخابية التابعة للأحزاب التي ترشّحت للانتخابات.
هذه المُعطيات تبيّن إلى حدّ كبير ارتفاع الحضور النسائي في المشهد السياسي التركي. لكنّ هذا الحضور لا ينبغي أن يقتصر فقط على حضور النساء في البرلمان، بل أيضاً على تمثيليتهنّ في البلديات، وبالتالي مشاركتهنّ في مهامّ تسيير المُدن وتدبيرها.
"نصف المجتمع"
من المعروف أن أهمية الانتخابات المحلية تكمن في اختيار العمدات ورؤساء البلديات الذين سيخدمون المواطنين إنسانياً واجتماعياً وخدماتياً. فالبلديات هي التي تقوم بتطوير المدن وتنظم حركة النقل داخلها، كما تتولّى مسؤولية إنشاء البُنى التحتية، وتهتم بخدمات التنظيف وغيرها... هذا الأمر يجعل من المهم أن تشارك النساء إلى جانب الرجال في القيام بهذه المهام والمسؤوليات.
ليست هناك نسبة معينة أو حصة للنساء المرشحات في الانتخابات المحلية كما يحصل في الانتخابات العامة، لكن من المقرر أن يتم لاحقاً تحديد نسبة للمرشحات النساء في السلطات المحلية في حزب العدالة والتنمية
في هذا السياق، ترى غولدن نجار، مسؤولة العلاقات الخارجية في الأذرع النسائية لحزب العدالة والتنمية، أنّ "مشاركة النساء في النشاطات الاجتماعية يؤثّر بالضرورة على مشاركتها سياسياً، لأن المرأة هي نصف المجتمع، ولها وجهة نظرها الخاصة في حل المشاكل الاجتماعية والخدماتية، وإشراكها في ذلك سيفيد المواطنين بلا شك".
وفي ما يخصّ ترشّح النساء لهذه المناصب، توضّح نجار في تصريحها لـTRT عربي أنه "ليست هناك نسبة معينة أو حصة للنساء المرشحات في الانتخابات المحلية كما يحصل في الانتخابات العامة، لكن من المقرر أن يتم لاحقاً تحديد نسبة للمرشحات النساء في السلطات المحلية في حزب العدالة والتنمية".
"لم نصل إلى هدفنا"
بخصوص حزب الشعب الجمهوري، بلغت نسبة النساء في الانتخابات المحلية لهذه السنة 14,6%، حسب معطيات نشرتها وكالة الأناضول للأنباء، على لسان فاطمة كوسا، رئيسة قسم النساء في حزب الشعب الجمهوري.
في التصريح نفسه، قالت فاطمة كوسا إنها تدعو دائماً لأن تمثّل النساء 50% من المترشحين في الانتخابات المحلية. السبب بالنسبة لها بسيط وبدهي: لأن النساء يمثلن نصف المواطنين، ومن العدل أن يمثلن نصف المرشحين أيضاً.
"في الانتخابات الماضية وضعنا هدفاً بأن تمثل النساء 33% من المرشحين، ولم نصل إلى هذا الهدف. فما بالك بـ50%"، توضّح كوسا في تصريح لوكالة الأناضول.
من الواضح إذن أنّ تمثيلية النساء في الانتخابات المحلية التركية ضعيفة جدّاً. وتدعم هذا الطرح نوراي كارا أوغلو، رئيسة جمعية دعم المرشحات النساء. إذ تؤكّد في حوار أُجري معها على موقع Yesilgazete التركي أن "نسبة المرشحات في أقوى ستة أحزاب تركية في الانتخابات المحلية لسنة 2019 لا تتعدى 7%، فمن أصل 1297 مرشحاً من حزب العدالة والتنمية، هناك 24 امرأة فقط، ومن 842 مرشحاً من الحزب الجمهوري، لا نجد سوى 44 امرأة، ومن أصل 750 مرشحاً من حزب الحركة القومية، ليس هناك سوى 14 امرأة".
حقوق النساء السياسية في تركيا
صحيح أن أعداد النساء اللواتي يترأسن البلديات والمقاطعات في تركيا ضعيفة جدّاً، ففي الانتخابات المحلية لعام 2014، لم تُنتخب سوى ثلاث رئيسات على رأس البلديات في ثلاثين مدينة صغيرة. أما في خمسين مدينة كبيرة، فانتُخبت رئيسةٌ واحدة. ومن أصل 919 مقاطعة في تركيا لا نجد سوى 33 رئيسة مقاطعة".
النساء، ليس في تركيا فقط بل في العالم كله، ما زال ينتظرهن نضال كبير من أجل الوصول إلى مراكز القرار والسلطة
قد يكون السبب راجعاً إلى كون النساء، ليس في تركيا فقط بل في في العالم كله، ما زال ينتظرهن نضال كبير من أجل الوصول إلى مراكز القرار والسلطة. وتعزو طروح كثيرة هذا الأمر إلى كون المواطنين/ المنتخِبين لا يثقون في قدرات النساء في التدبير والتسيير. الأمر الذي توارثوه عبر قرون من التفكير الذكوري.
ومع ذلك، تظل تركيا سبّاقة إلى الاعتراف بحقوق النساء السياسية، فقد حصلت المرأة التركية على حقها الكامل في المشاركة السياسية عام 1934، وهو الأمر الذي أقرّه مصطفى كمال أتاتورك ضمن سلسلة من التغييرات التي قام بها خلال فترة حكمه. وفي عام 1935، دخلت 17 نائبة لأول مرة إلى مجلس النواب في البرلمان. بعدها بسنوات قليلة، اختيرت مفيدة إلهان من مدينة مرسين كأول رئيسة بلدية في تركيا عام 1950. وهو الوقت الذي كان فيه على سويسرا أن تنتظر أكثر من عشرين سنة من أجل الاعتراف بحق النساء في التصويت.
تراكمات تاريخية
السّبق الذي حققته تركيا في الاعتراف بالحقوق السياسية للنساء لم يأتِ من فراغ. بل هو نتيجة لتراكمات تاريخية وثقافية امتدّت لقرون. ففي عهد الدولة العثمانية، استخدم مصطلح كادينلار سلطاني الذي يعني سلطة النساء، للإشارة إلى ممارستهن لأدوار سلطانية، وتدخلهن في شؤون الدولة، وتأثيرهن الكبير على قرارات السلاطين بخصوص تسيير أمور البلاد. وهكذا كان للنساء من أمهات السلاطين وزوجاتهم دور كبير في التأثير على مصير الدولة العثمانية.
في كتابها "سلطانات منسيات"، تتطرّق عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي إلى الدور الذي لعبته النساء في التأثير السياسي خلال العهد العثماني. تقول "الشيء الذي صدم الرّحالة المغربي ابن بطوطة عندما اجتاز الإمبراطورية المغولية وزار الملوك الأتراك، هو ذلك الحضور الدائم للنساء في السياسة، فقد كانت النساء عند الأتراك يتمتعن بسعادة عالية. وعندما كان هؤلاء يريدون أن يكتبوا أمراً، كانوا يوردون فيه هذه الكلمات: بأمر من السلطان والخاتونات. ويُقصد بالخاتون المرأة التي تساهم في إدارة شؤون الدولة".
وإذا كان استبعاد النساء من السلطة وتدبير شؤون الدول قد تطلّب تراكمات ذكورية امتدّت لقرون طويلة، فإن النضال للعودة إلى السياسة وكسب ثقة المواطنين، سيتطلّب أيضاً وقتاً طويلاً، وسيستدعي نفساً طويلاً وصبراً جميلاً من النساء، ليساهمن إلى جانب الرجال، على قدم المساواة، في تسيير الدول والمدن وتدبيرها.