من قضية امرأة حُبست احتياطياً خلال متابعتها قضائياً بسبب سرقة 16 بيضة من معمل مشغّلها، إلى اعتقال الأستاذ الجامعي والحقوقي المعطي منجب من أجل التحقيق معه في شبهة ارتكاب جرائم غسل أموال.
وقبلهما يقبع الصحفي عمر الراضي داخل السجن رهن الاعتقال الاحتياطي منذ خمسة أشهر، والصحفي سليمان الريسوني منذ ما يزيد على ثمانية أشهُر.
ويقول حقوقيون إن هؤلاء المعتقلين وغيرهم يتوفرون على جميع ضمانات الحضور والمتابعة في حالة سراح، غير أن النيابة العامة رفضت مطالب محاميهم وقررت حبسهم احتياطياً.
وشكّل المحبوسون احتياطياً منذ بداية 2020 حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول من نفس السنة نحو 45 بالمئة من مجموع السجناء البالغ عددهم نحو 84 ألف سجين، وهي أعلى نسبة تسجَّل منذ سنة 2011، حسبما أعلن المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج خلال تقديمه ميزانية المندوبية لعام 2021 في مجلس النواب، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان المغرب يفرط في تطبيق الاعتقال الاحتياطي، وإن كان هذا الاستثناء الذي يخوّله القانون تحول إلى قاعدة؟
استثناء أم قاعدة
يعرّف القانون المغربي الاعتقال الاحتياطي بأنه الفترة التي يقضيها المشتبه به في السجن على ذمة التحقيق بسبب جناية أو جنحة أو خلال فترة محاكمته قبل صدور حكم في قضيته، ويعتبره القانون تدبيراً استثنائياً لا يُلجأ إليه إلا بشروط خاصة.
ويقول حقوقيون إن هذا التدبير الاستثنائي تَحوَّل إلى قاعدة مع الأعداد المرتفعة للمحبوسين الاحتياطيين القابعين داخل السجون.
وسجّل المكتب التنفيذي للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان في اجتماعه الأخير انشغاله بظاهرة الاعتقال الاحتياطي، مشدداً على أن اللجوء إليه يجب أن يظلّ استثنائياً.
من جهته، أصدر الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان المكون من 19 هيئة حقوقية بياناً إلى الرأي العامّ دعا فيه إلى وقف الاعتقالات قبل التحقيقات والمحاكمات، وتساءل: "كيف يمكن الحديث عن سياسة جنائية تحترم حقوق المواطنات والمواطنين وتضمن الحرية، إن كانت مساطر التحقيق تسمح بالاعتقال حتى في الجنح العادية، قبل أي تحقيق، وقبل أن يتأكد قاضي التحقيق من ارتكاب حقيقي لفعل إجرامي ومن وجود أسباب الاعتقال، ومن مبرراته".
وذهب بيان الجمعيات الحقوقية إلى أن الاعتقال الاحتياطي في مفهوم النيابة العامة ليس تدبيراً استثنائياً، بل هو تدبير مفروض تستعمله مباشرة، أو تأمر باستعماله عن طريق قاضي التحقيق، وذلك من دون أي مراقبة لأعماله، لا سياسياً من البرلمان، ولا قضائياً من المحكمة.
قانوني وغير طبيعي
ورغم أن إيداع شخص ما السجن احتياطياً إجراء سليم من الناحية القانونية، بكون قاضي التحقيق يستند دائماً إلى النصوص التشريعية في اتخاذ هذا القرار، فإن الناشط الحقوقي محمد الزهاري يعتبره "غير طبيعي"، لكون القضاة لديهم السلطة التقديرية لاتخاذ قرارات أخرى بنفس حقوقي.
ويذهب الزهاري في حديث مع TRT عربي إلى أن الاعتقال يسلب الفرد حريته مدة من الزمن قبل الحكم بإدانته، ويحرمه تمتُّعه بقرينة البراءة كأهمّ الحقوق الأساسية التي يتعين أن يتمتع بها الإنسان، وهي شرط لازم لضمان المحاكمة العادلة.
ويرى خليل الإدريسي، المحامي والباحث الأكاديمي، أن النيابة العامة والقضاء الجالس ينزعان إلى الاعتقال الاحتياطي في غالب القضايا أكثر من متابعة المتهمين في حالة سراح.
ويشير في حديث مع TRT عربي إلى أن قرارات الاعتقال الاحتياطي لا تكون في الغالب معللة أو تبرَّر بجملة متداولة وعامة هي "خطورة الفعل وانعدام الضمانات". هذا التعليل يُستعمل، حسب المحامي، في بعض الأحيان بشكل يتناقض مع الواقع، إذ رغم توفر المتهم على عمل وعنوان قارّ وأسرة، لا تُعتبر هذه ضمانات ويُرفض طلب السراح المؤقت.
آثار جانبية
وللتوسع في قرارات الاعتقال الاحتياطي سلبيات وآثار جانبية متعددة، من بينها الاكتظاظ داخل السجون، وكان تقرير برلماني نُشر في يوليو/تموز الماضي حول وضعية السجون شمل ثلاث مؤسسات سجنية، لفت إلى أن الاكتظاظ أزمة مستمرة في ظل مواصلة اعتماد آلية الاعتقال الاحتياطي دون ترشيد، وعدم توفير بدائل للعقوبات السجنية، إذ تبلغ نسبة الاكتظاظ في هذه المؤسسات 75%، في حين تشير تقارير المنظمات الحقوقية ومنها المرصد المغربي للسجون إلى أن نسبة الإشغال تبلغ 113%، بلتبلغ النسبة أكثر من 200% في بعض المؤسسات السجنية.
هذا الاكتظاظ، حسب الزهاري، يجعل المساحة المخصصة لكل معتقل تقلّ كثيراً عن المعايير الدنيا، بما يزيد تفاقم العنف داخل السجون، ويجعل الولوج إلى الخدمات الصحية والعلاج محدوداً، وعملية التربية وإعادة الإدماج متدنية، نتيجة ضعف البنيات ونقص التجهيزات.
ويشير إلى أن هذا الوضع الذي يتقاسمه السجناء المحكومون والسجناء المحبوسون احتياطياً، يحوّل فضاء السجن إلى جحيم حقيقي يتكدس فيه السجناء كسلعة، لا كبشر يجب أن توفّر لهم الكرامة الإنسانية بغضّ النظر عما ارتكبوه في حق المجتمع.
ويضيف الإدريسي تداعيات أخرى للاعتقال الاحتياطي تنعكس بشكل أساسي على استقرار الأسر التي اعتُقل أحد أفرادها، إذ تواجه أوضاعاً اجتماعية واقتصادية صعبة تستمرّ ولو ثبتت براءة المتهَم، لافتاً إلى أن القضاء الإداري لا يعوّض المتضررين الذين اعتُقلوا احتياطياً وثبتت براءتهم.
ويضيف أن الإفراط في استعمال هذا الإجراء دون ضوابط أو حدود، يؤدي إلى توظيفه في إطار خارج العدالة للتضييق على نشطاء حقوقيين وصحفيين وإسكاتهم.
الحاجة إلى تعديل القانون
تذهب تقارير حقوقية إلى أن إصلاح أوضاع السجون والحدّ من ظاهرة الاعتقال الاحتياطي لن يحدث دون إقرار عقوبات بديلة للأشخاص الذين قد تصدر لاحقاً بحقهم أحكام بالبراءة.
ويؤكّد الناشط الحقوقي محمد الزهاري ضرورة إعادة النظر في اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي وتمديده، لفائدة تدبير المراقبة القضائية، أو تفعيل أدوات جديدة كالمراقبة الإلكترونية مع العمل على تحديد سقف زمني معقول للاعتقال الاحتياطي لا يجوز بعده التمديد.
ويعتقد أن من اللازم تمتيع قاضي التحقيق بسلطة الحسم في الإفراج المؤقت، دون استشارة النيابة العامة، ودون تعليق تنفيذ أمر السراح المؤقت على الاستئناف، وعلى موافقة وكيل الملك.
ويضيف إلى ذلك تفعيل المقتضى الدستوري بالتعويض عن الأخطاء القضائية بإنشاء آلية وطنية لهذا الغرض تنظر حتى في الأخطاء التي تسبب حرمان الأشخاص حريتهم بسبب الإجراءات والتدابير التي يتخذها قضاة التحقيق وقضاة النيابة العامة.
ويتفق الإدريسي مع هذا الرأي، ويشدّد على الحاجة إلى إجراء تعديل تشريعي ينزع قرار الاعتقال الاحتياطي من يد النيابة العامة ويضعه في يد القضاء، وفق ضوابط وشروط محددة، ومن هذه الضوابط أن يكون تعليل قرار الاعتقال واضحاً، فيحدّد القانون الحالات التي يُلجأ فيها إلى الحبس الاحتياطي، ويوضح بعبارات لا غموض فيها الضمانات الواجب توافرها لإقرار المتابعة في حالة سراح، معتبراً أنه "كلما استعملنا تعابير عامة وفضفاضة في التشريع، فتحنا الباب للتأويل الفاسد الذي يضرّ بالحريات والحقوق".