في حفل مرح وودّي شدّد على التزام البلدين التفاوض السلمي في مواجهة الهجوم الروسي على أوكرانيا، حلّت كندا والدنمارك الثلاثاء نزاعاً حدودياً عمره نصف قرن، حول جزيرة هانز الصغيرة غير المأهولة بالقرب من القطب الشمالي.
واتفق البلدان على تقسيم ملكية جزيرة هانز، وهي تل من الصخور تبلغ مساحته 1.2 كيلومتر مربع في منتصف الطريق بين نونافوت وغرينلاند، فأبرما اتفاقاً لترسيم الحدود الجديدة على الجزيرة الصخرية إلى نصفين تقريباً، تتبُّعاً لشق طبيعي من الشمال إلى الجنوب، وفقاً لاتفاق نشرته وزارة الخارجية الدنماركية يوم الثلاثاء.
وبعد توقيع الاتفاق بمجرد منح كلا البلدين الموافقة البرلمانية، سيكون البلدان أخمدا "حرباً" هي الأشدّ برودة وودّية في تاريخ النزاعات الحدودية. وبمجرد التوقيع ستكون كندا والدنمارك أقامتا أطول حدود بحرية في العالم بنحو 3882 كم.
جزيرة هانز.. موضع الخلاف
تقع كل من كندا وغرينلاند على بعد 18 كيلومتراً من جزيرة هانز الصخرية، مما يسمح لهما بالمطالبة بالصخرة بموجب القانون الدولي. وتقع الجزيرة في منتصف قناة كينيدي بين غرينلاند وجزيرة إليسمير، حيث يمر خطّ نظري في منتصف المضيق عبر الجزيرة.
لم تستطع كندا والدنمارك التوصل إلى اتفاق بشأن جزيرة هانز، المعروفة باسم تارتوبالوك في إينوكتيتوت، في عام 1973 عند توقيع معاهدة حدودية، مما ترك فجوة في وصف حدودها بعد فشلهما في التوصل إلى اتفاق بشأن النتوء غير المأهول.
أخيراً، في عام 2018 قرّر البلدان إنشاء مجموعة عمل مشتركة لحلّ النزاع، منهيَيْن سياسة "الموافقة على الاختلاف" التي دامت عقوداً.
والثلاثاء قالت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي مازحةً: "أعتقد أنها كانت أكثر الحروب ودية"، مشيرة إلى أنها تأمل أن تتمكن كندا الآن من المشاركة في مسابقة الأغنية الأوروبية بسبب حدودها البرية مع أوروبا.
حرب الويسكي
في عام 1984، استفزّت كندا السلطات الدنماركية عندما أنزلت قواتها على الجزيرة وزرعوا بسرعة علم ورقة القيقب ودفنوا زجاجة من الويسكي الكندي قبل العودة إلى ديارهم.
من جانبه لم يستطع وزير شؤون غرينلاند الدنماركي السماح لمثل هذا الاستفزاز بالمرور بسلام، فقرّر بعد عدة أسابيع الإبحار إلى جزيرة هانز، حيث استبدل بالرمز الكندي علماً دنماركياً وزجاجة من أرقى أنواع المشروبات الكحولية الدنماركية، بالإضافة إلى رسالة كُتب فيها "مرحباً بكم في الجزيرة الدنماركية".
ومنذ ذلك الوقت اشتعلت بين البلدين "حرب مشروبات كحولية" وأعلام عُرفت باسم "حرب الويسكي"، تَخلَّلها على مدى السنوات التالية مشاركة عشرات الكنديين و الدنماركيين في طقوس زرع الأعلام وترك الخمور.
وفي نهاية حفل التوصل إلى الاتفاق بشأن الجزيرة، تبادلت الوزيرة جولي ووزير الشؤون الخارجية الدنماركي جيبي كوفود زجاجات من المشروبات الكحولية في إيماءة إلى التقاليد.
درس للتعلم
في مؤتمر صحفي على هامش الحفل الذي أُقيمَ في أوتاوا وحضرته وزيرة الخارجية الكندية ونظيرها الدنماركي، قالت الوزيرة جولي عن النزاع حول الجزيرة، الذي استقطب ما لا يقلّ عن 26 وزيراً للخارجية على مدى عقود: "فيما يواجه الأمن العالمي تهديداً، ظهرت الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى أن تعمل ديمقراطيات مثل كندا والدنمارك معاً، إلى جانب الشعوب الأصلية، لحلّ خلافاتنا وفقاً للقانون الدولي".
وأضافت لوكالة فرانس برس: "القطب الشمالي هو منارة للتعاون الدولي، حيث يسود القانون".
فيما قال الوزير كوفود إنّ حلّ النزاع يأتي في وقت "يتعرض فيه النظام الدولي القائم على القانون للضغط"، فيما "تتعرض القيم الديمقراطية للهجوم"، في إشارة إلى الحرب في أوكرانيا.
وأوضح: "في المقابل، أظهرنا كيف يمكن حلّ النزاعات الطويلة الأمد سلمياً"، مضيفاً أنه يأمل "في إلهام دول أخرى لاتباع المسار نفسه".