مناورات وملاجئ وأقراص يود.. كيف يحضّر الغرب نفسه لخطر هجوم نووي؟
مع ازدياد التصعيد بين روسيا وأوكرانيا، يزداد منسوب التهديد بحدوث كارثة نووية، سواء عبر ضربات نووية روسية أو استهداف محطات الطاقة النووية، وهي السيناريوهات التي بدأت دول الغرب التحضير لها.
كيف يحضر الغرب نفسه لخطر هجوم نووي؟ (AFP)

أعلنت قيادة دفاع الفضاء الجوي الأمريكية الشمالية (نوراد)، أن سلاح الجو الأمريكي اعترض الثلاثاء الماضي قاذفتين روسيتين من طراز "تو-95" بالقرب من ساحل ولاية ألاسكا، بعد أن "ظلتا في الأجواء الدولية دون أن تدخلا المجال الجوي للولايات المتحدة أو كندا"، حسبما كشفت القيادة.

ونفت القيادة أي تهديد نووي محتمل للقاذفتين الروسيتين، رغم أن أطوار الاعتراض ذكَّرت عدداً من المراقبين بعملية "الرمح العملاق" التي أطلقها الرئيس نيكسون عام 1969، بإرسال 18 قاذفة نووية من طراز "بي-52" في دوريات قرب الحدود القطبية للاتحاد السوفيتي، من أجل ثنيه عن التدخل في الحرب الفيتنامية.

مع ذلك، لا أحد ينفي أن التهديد النووي نفسه، الذي كان خلال الحرب الباردة، أصبح احتمالاً يناقَش يومياً ويزيد منسوبه مع التصعيد العسكري الحاصل في أوكرانيا، وهو ما أبرزه عدد من الأصوات الحاكمة في موسكو، أبرزها ما قاله الرئيس فلاديمير بوتين، في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، إذ أكد أن استعمال أسلحة نووية تكتيكية أمر مطروح على طاولة خططه العسكرية.

واتهم بوتين الدول الغربية بالسعي لتدمير بلاده وإخضاعها لما أسماه بـ"ابتزاز نووي"، مشدداً على أن بلاده "ستستخدم بالتأكيد كل ما لديها من وسائل لحماية روسيا وشعبنا.. هذا الأمر ليس خدعة". وهو ما أكَّده نظيره الأمريكي جو بايدن قائلاً بأن "بوتين لا يمزح في تهديده بأسلحة نووية"، ومحذراً من أن ذلك "يمكن أن يقود العالم إلى حرب نهايته".

من جهة أخرى، ليس استعمال تلك الأسلحة هو التهديد الوحيد بحدوث كارثة نووية، يمكن أن يأتي الخطر من محطات الطاقة النووية الأوكرانية الواقعة على خطوط الاقتتال. على رأسها محطة زاباروجيا، التي يتراشق المتحاربان منذ أسابيع الاتهامات باستهدافها، ما قد يؤدي إلى كارثة تسرب نووي قد يتضرر منها العالم بأسره.

في هذا الوقت تسارع الدول الغربية الوقت لمواجهة الخطر المتصاعد، في تجهيزات تأخذ طابعاً عسكرياً تارة، مثل مناورات الردع النووي التي أطلقها الناتو يوم الأربعاء ببلجيكا، وطابعاً صحياً عبر تسابق الحكومات للتزود بعقاقير اليود. يضاف إلى كل هذا الانتعاش في نشاط بناء المخابئ المضادة للمخاطر الإشعاعية.

جاهزون عسكرياً

خلال مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية باتريك رايدر، إن بلاده وجيشها "جاهزون تماماً للتعامل مع أي تهديد نووي". واصفاً التصريحات المتوالية من موسكو بـ"قرقعة السيوف الطائشة وغير المسؤولة"، ومشدداً على أن البنتاغون "لم يرصد إلى الآن أي شيء يشير إلى أن روسيا اتخذت قراراً باستخدام الأسلحة النووية.. نحافظ على قدرة ردع استراتيجية قوية جداً (في حال حدوث ذلك)".

تأتي هذه التصريحات الأخيرة في سياق ما أشار إليه مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، في وقت سابق، من أن واشنطن أبلغت روسيا مباشرة وعلى مستويات عالية جداً وبشكل سرّي، أنه "ستكون عواقب وخيمة على روسيا إذا استخدمت الأسلحة النووية في أوكرانيا".

في هذا السياق الملتهب تأتي النسخة الجارية من مناورات "الظهيرة الصامدة"، التي أطلقها الناتو الاثنين في الأجواء البلجيكية وفي بحر الشمال والمملكة المتحدة، بمشاركة 14 دولة ونحو 60 طائرة من مختلف الطرازات، بما فيها مقاتلات من الجيل الرابع والخامس.

وتستهدف هذه المناورات اختبار قدرات الردع النووي لدى الحلف، وتشارك فيها طائرات استطلاع وقاذفات أمريكية طويلة المدى من طراز B52 وطائرات تزويد بالوقود، وقاذفات استراتيجية قادرة على حمل رؤوس نووية. ومن المحدد أن تستمر هذه التدريبات إلى 30 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

من جهة أخرى، تسعى بولندا، التي تواجه تهديدات روسية متزايدة لنشاطها المباشر في دعم كييف بالسلاح والخبرات العسكرية، للحصول على استراتيجية ردع نووي عبر السماح بنشر جزء من الترسانة النووية الأمريكية على أراضيها. وفي حديثه مع الصحافة المحلية، أكد الرئيس البولندي أندرجي دودا، دعمه لفكرة انضمام بلاده إلى برنامج "المشاركة النووية" لحلف الناتو، والذي يسمح للأعضاء النوويين نشر ترسانتهم من هذا السلاح على أراضي أعضاء آخرين لمواجهة خطر مشترك.

أقراص يود ومخابئ مضادة للإشعاعات

وإضافة إلى الجاهزية العسكرية، يطرح مطلب حماية الأفراد من مخاطر الكارثة النووية بشدة في الدول الغربية. وهو ما يفسر بالانتعاش المتزايد لنشاط تشييد المخابئ المضادة للإشعاعات، والتي توفر كل وسائل البقاء حال أي هجوم نووي أو تسرب محتمل.

وقالت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، إن تهديدات بوتين باستعمال السلاح النووي ضاعفت الطلب على تشييد الملاجئ المضادة للإشعاعات في بولندا. وقال أحد متعهدي بناء هذا النوع من العقارات، إنه عقب خطاب بوتين في 21 سبتمبر الماضي، استقبلت شركته ما يزيد على 20 اتصالاً هاتفياً في اليوم و200 رسالة على صفحتها في فيسبوك، من أجل الاستعلام عن أسعار البناء ومدة إنجازها.

ونقلاً عن المصدر ذاته، أطلقت السلطات البولندية حملة تفقدية للمخابئ العامة، إذ إن في البلاد أكثر من 62 ألف ملجأ قادر على إيواء 1.3 مليون مواطن.

إضافة إلى هذا شرعت السلطات البولندية في توزيع أقراص اليود، التي تمنع تركيز المواد المشعة في الغدد البشرية، وبالتالي تحمي بشكل نسبي من أضرار الإشعاعات. وأنشأت بلدية العاصمة وارسو نحو 600 نقطة توزيع في المدينة، وفي الإقليم كله ارتفع عدد هذه النقاط إلى 1600. كما عممت وزارة الصحة منشورات توضح كيفية استخدام هذه الأقراص، وشروط تعاطيها.

في السياق ذاته، أنفقت وزارة الصحة الإسبانية نحو 300 مليون يورو من أجل تعزيز مخزونها من أقراص اليود، وتستعد لتوزيع مليون و150 ألف علبة منها خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم. وفي الخميس الماضي، أعلنت فنلندا نفاد مخزونات أقراص اليود، بعد أن أوصت وزارة الصحة باستخدامها حال وقوع حادث نووي في المنطقة.

TRT عربي