بيت حنينا ـ القدس ـــ يُجمِع الكُل الفلسطيني بمختلف أطيافه وأديانه على أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد استهداف كل مَن هو غير يهودي، بل ويسعى بكل صلف واستكبار لطمس الهوية الفلسطينية المُسلِمة والمسيحية باستمرار، بالتوازي مع ممارسات التضييق وتشديد الخناق على المُصلين "المسلمين والمسيحيين" على حد سواء وتعكير صفو حياتهم.
يوم الجمعة الماضي، اعتدى المستوطنون الإسرائيليون، على الفلسطينيين المسيحيين المشاركين في احتفال اختتام المخيمات الصيفية لدير تراسنطة، وهو مركز رعوي مسيحي يقيم أنشطة مختلفة للمسيحيين في منطقة بيت حنينا الواقعة شمال مدينة القدس المحتلة، بالإضافة إلى أعماله وشؤونه الدينية.
وفوجئ الحضور الذي وفد إلى الاحتفال الذي تشهده المنطقة سنويّاً، وكان عدد الحاضرين بلغ 1300 شخص، بإلقاء مستوطنين لأكواب من اللبن والزجاجات، ورشقهم بالحجارة والبيض، دون سابق إنذار.
ويبدو أن رفع الأعلام الفلسطينية وعرضاً مسرحيّاً قُدّم خلال الحفل تحت عنوان "لا لصفقة القرن" عبّرَ فيه مسيحيو المدينة عن رفضهم الشديد للسيناريوهات التي تحاول السلطات الأمريكية فرضها على الفلسطينيين، قد أثارا غضب المستوطنين المجاورين للمركز الرعوي ودفعهم إلى الانتقام منهم عقاباً على تمسُّكهم بالأرض، وبحقوقهم الأزلية في أرض فلسطين، وعدم تخلِّيهم عن القدس عاصمة فلسطين الأزلية وعن مقدساتهم وتراث آبائهم وأجدادهم.
لم تَثنِ كل تلك المحاولات التخويفية وممارسات الترهيب التي يصرّ المستوطنون على تنفيذها، المسيحيين عن الاحتفال، وعلى الرغم من خوف الأطفال، فقد عملوا على إزالة ما رماه المستوطنون وتنظيف المكان ثم استكملوا احتفالهم.
اعتداءات ممنهجة
هذه الممارسات التي ينفذها المستوطنون ليست بجديدة على المسيحيين من سكان القدس والضفة الغربية، وقد أكّد رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطاالله حنا لـTRT عربي أن عملية الاعتداء جزء من الممارسات الممنهجة والاعتداءات المستمرة التي ينتهجها جيش الاحتلال الإسرائيلي بمساعدة المستوطنين للسعي إلى إنهاء الوجود المسيحي في القدس، وسرقة العقارات والأماكن الدينية المسيحية في القدس الشريف ونهبها".
وتعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي على قمع المسيحيين وتكبيل حركتهم، وتحديد حتى أدائهم لعباداتهم في الكنائس والأديرة، وكل ذلك من أجل تهجيرهم والحَدّ من وجودهم في المدينة، أُسوةً بإخوانهم المسلمين، وفعلاً شهدت السنوات الماضية تراجعاً كبيراً في أعداد المسيحيين في القدس، كما حذّر المطران عطالله حنا من مؤامرة كبيرة ضد الوجود المسيحي، بخاصة في منطقة باب الخليل في القدس، حيث يسعى الاحتلال إلى نقل ملكية أوقاف (أبنية) مسيحية إلى المستوطنين، وتعد هذه الأوقاف ذات أهمية بالغة لمدينة القدس إذ تشكّل الواجهة الأساسية للمدينة القديمة.
هذا وكشفت مصادر خاصة لـTRT عربي عن اجتماع لمرجعية القدس، خلال الأيام القليلة الماضية، لمناقشة قضية استيلاء المستوطنين على الأوقاف المسيحية، والممارسات والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة في حق مسيحيي القدس، وتتحضر المرجعية خلال اجتماعها هذا لاتخاذ خطوات عديدة لمواجهة هذه الممارسات والأطماع الصهيونية، تبدؤها بالتوجه لمخاطبة العالم والقضاء.
تاريخ طويل من الممارسات البشعة ضد المسيحيين
دأب الجيش الإسرائيلي منذ بداية احتلاله لفلسطين على مهاجمة كل سكان هذه الديار، دون النظر أو الاكتراث في مرجعياتهم الدينية وغيرها، فعانى مسيحيو فلسطين مثلهم مثل المسلمين من جلّ الممارسات العدوانية والاعتداءات الهمجية التي وصلت إلى القتل والتدمير، فلم تَسلَم المقدَّسات المسيحية الدينية من بطشهم، فمنذ عام 1948م، أي عام النكبة، تقبع المعالم الأثرية وكنائس وأديرة المسيحيين تحت دائرة بطش الإسرائيليين ونيرانهم التي نشبت في عديد منها.
ولعل أبرز ما سطرته الذاكرة من عدوان الاحتلال على المعالم المسيحية هو تدمير قريتَي إقرث وبرعم بعد النكبة، وجعلهما أثراً بعد عين، وتهجير السكان منهما، ومنعهم من العودة إلى أراضيهم منذ ذلك الحين، على الرغم من حصولهم على أمر قضائي من المحكمة الإسرائيلية بحقهم في الرجوع إليها، في إصرار من حكومة الاحتلال على قمعهم والاستيلاء على أراضيهم ونهب ممتلكاتهم لتهجيرهم بلا رجعة.
وكان الأمين العامّ للتجمع الوطني المسيحي في الأراضي المقدسة ديمتري دلياني، ناشد مراراً المجتمع والإعلام الدولي للالتفات إلى الممارسات الإسرائيلية بحق مسيحيي القدس وأماكنهم الدينية لا سيما في القدس، منوهاً بأن "هناك عدواناً غاشماً ضد كل ما هو غير يهودي، فالفكر الإسرائيلي الممنهج سعى منذ البدايات لطمس كل هُوِيَّة في القدس بغضّ النظر عن الديانة".
وحتى الشبان المسيحيون يجدون عديداً من العراقيل والصعوبات في أثناء الذهاب للصلاة في كنيسة القيامة في القدس على وجه التحديد، أسوةً بإخوتهم المُسلِمين الذين يخضعون لنفس الممارسات القمعية في أثناء سعيهم للصلاة في المسجد الأقصى.
طمس للهُوِيَّة وتهويد للأرض
وضمن الممارسات الإسرائيلية القمعية والرامية إلى طمس الهوية المسيحية في القدس بالموازاة مع الهوية الإسلامية، يكشف ديمتري للمرة الأولى لـTRT عربي عن أن السلطات الإسرائيلية عمدت منذ ست سنوات إلىردم كنيسة أثرية للمسيحيين تعود إلى الفترة الأولى للمسيحية، كانت عثرت عليها خلال أعمال الحفريات التي تنفّذها في بلدة بيت حنينة، وقد شاهد هذا الحادث بأمّ عينيه وقتها، قبل أن تطمسه أيدي الاحتلال الغاشم.
يتعرض مسيحيو فلسطين حتى يومنا هذا لذات الممارسات التي يتعرض لها المُسلمون، إذ يُشترط على أي مواطن مُسلِم أو مسيحي إصدار تصريح من الادارة المدينة في جيش الاحتلال الاسرائيلي للسماح لهم بأداء الصلوات في القدس، ممَّا تسبب في حرمان كثيرين من المسيحيين في فلسطين حتى اليوم من مشاهدة كنيسة القيامة في القدس وَفْقاً لما ذكرت مؤسسة كاريوس المعنية بشؤون المسحيين في فلسطين.
كما اتهمت المؤسسة الاحتلال بالسعي الدائم لمصادرة أراضي المسيحيين، في منطقة بيت لحم، وفي منطقة رام الله وقراها والقدس الشرقية، معتبراً هذا اعتداء صارخا على المسيحيين، بالإضافة إلى الاعتداءات المتكررة من المستوطنين على الكنائس وتدنيسها دون رادع من قوات الاحتلال.