خلال صدفة عابرة التقت ريما زكريا قبل عامين في مصر في أثناء مشاركتها ببطولة كانت تمثّل بها منتخبَي فلسطين ولبنان لقصار القامة. شاء القدر أن يعزّزا علاقتهما على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ليعلنا خطبتهما بمباركة الأهل والأصدقاء.
ريما وزكريا لا يرغبان في إقامة مراسم الزفاف، ويفضلان قضاء شهر العسل في تركيا أو فرنسا، لكن "بعض الجمعيات المغربية طلب تنظيم عرس كبير للخطيبين ، ومن المقرَّر أن تلبس ريما الثوب الفلسطيني وخطيبها الثوب المغربي"، حسبما أفادت ريما لـTRT عربي.
ابنة التاسعة والثلاثين ليست شابة عادية، فقد تخطت صعوباتها كونها وُلدت بقامة أقصر من غيرها، وسعت لتحقيق حلمها الذي تكلل بالنجاح عام 2021 بعد تأسيسها فريقاً لكرة القدم يحمل اسم "تنويع ذوي الهمم"، يضمّ أعضاءً من قصار القامة الذكور والإناث من مختلف الجنسيات كاللبنانية والفلسطينية والسورية.
يضمّ المنتخب أحد عشر لاعباً بالإضافة إلى حارس مرمى ومدرب ومساعد، وأربع فتيات في قسم الإدارة إلى جانب ريما مؤسسة الفريق. ويسعى المنتخب لتسليط الضوء على ذوي القامة القصيرة واحتياجاتهم المهمشة في المجتمعين اللبناني والفلسطيني في المخيمات داخل لبنان. ويهدف إلى إيصال رسالة إلى الجهات المعنية بمتابعة شؤونهم مفادها أن قصار القامة فئة مبدعة قادرة على العطاء وبناء المجتمع كبقية أفراده.
نجاح تَغلَّب على التنمُّر
ابنة مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين شماليّ لبنان، التي تنحدر من بلدة علما بقضاء مدينة صفد المحتلة، تروي لـTRT عربي التحديات التي واجهتها بقولها: "كنت أعاني التنمر كثيراً بخاصة في المدرسة من مدرّس كان يُفترَض أن نتعلم منه التربية والوعي لا العكس. للأسف بسببه تركت المدرسة وعزلت نفسي عن الناس لفترة، لكن التنمر جعلني أقوى وقوِيَت إرادتي ضرورةَ مواجهة الناس وإثبات أن قصار القامة لا يختلفون عن غيرهم".
وتضيف العينا: "تعلمت تطبيق فوتوشوب خلال وجودي في المنزل وحدي بلا مساعدة بسبب هوايتي في مجال التصوير، بعدها افتتحت استديو تصوير من مصروفي الشخصي وبدأت بالعمل بتصوير الناس إلى حين بات الناس يعرفونني".
تتابع: "بدأت أفكّر أنه من الضروري أن أعمل شيئاً مفيداً لقصار القامة، بحثت عن كل قصار القامة في العالم من خلال فيسبوك، حينها تعرفت إلى الأستاذ علي شعبان مسؤول قصار القامة في مصر الذي دعاني إلى بطولة أمثّل بها قصار القامة من لبنان وفلسطين في شرم الشيخ. من بعد هذه المشاركة قرّرت تأسيس منتخب لنا في لبنان لأننا لسنا أقلّ من غيرنا من الأشخاص العاديين".
"تغلبت على وضعي بقوتي وإرادتي وثقتي بنفسي وأني أفضل من غيري بكثير، دائماً لديّ إيمان بربي أنه يحبني وميّزني من غيري، وقصر القامة فخر لي لأن قيمتي ليست بقامتي. واجهت كثيراً من التنمر في حياتي وتجاوزته بقوتي"، تضيف العينا.
وترى أن "لبنان خالٍ من أي تجهيزات تسهّل متطلبات قصار القامة لناحية البيئة أو المعيشة"، وتضيف: "واجهت كثيراً من المشكلات العنصرية في حياتي لأنني فلسطينية أعيش في لبنان ولكوني من قصار القامة، لذا إذا لم نعمل على تطوير ذاتنا فمن المستحيل أن يشعر أحد بوجعنا".
وتقول: "الحمد لله شاركنا ببطولة كأس العرب في شرم الشيخ بحضور عشر دول، وسُجّل المنتخب باسم فلسطين لأنها قضية كل عربي أصيل. قريباً لدينا مشاركة ببطولة في بغداد وإسبانيا والأرجنتين، ونتمنى أن نرفع اسم فلسطين ولبنان عالياً. ولا يمكنني أن أغفل أهمية أنني تعرفت إلى خطيبي خلال هذه الرحلة".
"من حقّي الحب والعمل والعيش"
"لا الظروف ولا المسافات يمكن أن تفرق شخصين اختارا أن يكونا معاً"، يقول زكريا مراكشي خطيب ريما لـTRT عربي: "لا ظروف ولا إعاقة تمنعني الزواج، فمن حقّي الحب والعمل والعيش بكرامة. الناس يحبونني وأنا أحبهم، ولا يخلو الأمر من بعض المتنمرين، لكن هذا لا يؤثر في نفسيتي أبداً".
ويضيف: "لا تحديات لديّ مُطلَقاً، فالناس في المغرب طيبون ويتبادلون الحب والاحترام، بخاصة قصار القامة، والأهمّ وجود جمعيات خاصة تُعنى بنا وتقيم نشاطات لنا".
ويتمنى مراكشي أن تحذو "جميع دول العالم حذو المغرب في معاملة قصار القامة، فهم فئة قادرة على العطاء وبناء المجتمع وتكون جهات فعالة بين الناس".
وجوه متعددة للمعاناة
غالباً ما يطلق الناس على قصار القامة تسمية "أقزام" لتقليل شأنهم، معتبرين أن الأشخاص الأطول أفضل لناحية الطول والقوة البدنية والذكاء.
وعادة ما نرى شخصية قصير القامة في أفلام السينما بهدف إضحاك المشاهد لكونها تظهر في لقطات ساخرة بسبب قوامها الصغير، لكن في الواقع لا نعلم حجم معاناتهم فعلياً.
هذه الفئة من الأشخاص تولد بقامة أقصر بكثير من غيرها بسبب جينات وراثية مختلفة، بالتالي يعانون مرضاً عضوياً، أما على الصعيد النفسي فيتعرضون لمعاملة سيئة من غالبية المجتمع تتنوع بين نظرة الشفقة والإهانة والسخرية والتهميش والعدائية.
وفي ما يتعلق بالمعاناة الاجتماعية، فهم محرومون من رعاية الدول أينما وُجدوا، وتأمين الخدمات الصحية والتعليمية لهم كفئة من ضمن فئات الإعاقة، وهي أحد أكبر أوجه معاناتهم لاستثنائهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.
ولا تتوفر إحصائية رسمية بأعداد قصار القامة حول العالم، لكن قُدّر عددهم مثلاً في مصر بنحو 75 ألفاً بحسب تصريحات رئيس "نقابة الأقزام بالإسكندرية" عصام شحاتة.
أما في العراق فيبلغ عددهم نحو 8 آلاف وفقاً لتصريحات حسن عبد الرحمن الأمين العامّ لجمعية قصار القامة العراقية ورئيس تجمع قصار القامة في ذي قار بالعراق.
أما السودان فصرحت فتحية عبد الله رئيسة جمعية ذوي الاحتياجات الخاصة السودانيين بأن نحو 230 فرداً مسجَّلون في الجمعية في العاصمة الخرطوم، بالإضافة إلى الأشخاص الذين لا ينتمون إلى الجمعية.
ويقدَّر عدد قصار القامة في الولايات المتحدة الأمريكية بـ30 ألفاً تقريباً، في حين يبلغ عدد أعضاء جمعية Little People of America نحو 6500 شخص، وهي منظمة وطنية تُعنى بشؤون قصار القامة في البلاد.
فيما يوجد نحو 651 ألفاً من قصار القامة على مستوى العالم حسب موقع Short Statured People of Australia.
من جهة أخرى، تُعتبر الإمارات العربية المتحدة والأردن والعراق ومصر دولاً رائدة في مجال تقديم الرعاية لقصار القامة والاعتراف بحقوقهم وتأمين الخدمات اللازمة لهم، بالإضافة إلى انخراطهم الطبيعي في مجال العمل.
من هنا بات ضرورياً لبقية الدول أن تحذو الحذو ذاته وتعمل على تأمين معيشة كريمة لقصار القامة عبر توفير بيئة سليمة نفسياً واجتماعياً وعملياً لهم، بالإضافة إلى العامل الأهمّ وهو تثقيف أفراد المجتمع بقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة وكيفية التعامل مع ظروفهم الصحية الخاصة باحترام كافٍ عبر تغيير النظرة السلبية تجاههم وإدماجهم في المجتمع كفئات فاعلة تساعد على نهضة البلاد وتنميتها.