بعد أن هجّرتهم حروب الاحتلال الإسرائيلي وبطشه وأبعدتهم عن أرضهم وذويهم، لجأ الفلسطينيون إلى دول متفرقة من العالم، وأووا خاصة إلى كثير من البلدان العربية، يأملون حماية أشقائهم لهم. إلا أنهم وحيث من المفترض أن يأمنوا على حياتهم، سفكت دماؤهم في أغسطس/آب عام 1976 على أيدي قوات مدججة بالسلاح، في مخيم تل الزعتر في لبنان، بعد حصار تعرضوا فيه للجوع والعطش.
واليوم ورغم مرور عقود كثيرة، لا يمكن للذاكرة الفلسطينية العتيقة أن تمحو آثار هذه المجزرة التي حصدت الآلاف من الأرواح، والتي تآمرت فيها عدة أطراف لقتل مدنيين عزل ولاجئين مهجرين.
مجزرة تل الزعتر.. جريمة إنسانية
بعد عام واحد من النكبة الفلسطينية أُسس مخيم تل الزعتر، الذي يقع في شمال شرق العاصمة اللبنانية بيروت، أي في المنطقة التي كانت تسيطر عليها الأطراف المسيحية إبان الحرب الأهلية، وكان المخيم يضم حينها نحو 20 ألف فلسطيني، يسكنون في مساحة كيلومتر واحد.
وفي الفترة التي كان لبنان يعيش فيها وقائع حرب أهلية دامية، بدأت في يناير/كانون الثاني 1976 مناوشات ومواجهات بين المليشيات اليمينية المسيحية وكتائب الفدائيين الفلسطينيين.
واحتدمت معارك بين الجانبين غلب عليها الطابع الديني، فالتحق على إثرها عدد كبير من المسلمين اللبنانيين بالفلسطينيين المقيمين في مخيم تل الزعتر لمساندتهم في معاركهم، فسقط عدد كبير من الضحايا.
ومع استمرار النزاع المسلح بين الطرفين، نفذت المليشيات اليمينية اللبنانية التي كانت تضم حينها "مليشيا نمور الأحرار" وهي الذراع العسكرية لحزب الوطنيين االأحرار بزعامة رودي شمعون آنذاك، ومليشيا حراس الأرز، ومليشيا حزب الكتائب، حصاراً مشدداً على المخيم لإخضاع من فيه، واجهه الفلسطينيون بصمود.
واستمر بذلك الحصار إلى حدود يونيو/حزيران من العام ذاته، حين قررت المليشيات اليمينية الاستعانة بقوى خارجية لاقتحام المخيم وتصفية من فيه، فانضمت حينها قوات الجيش السوري إلى المعركة، بدعوى حماية المسيحيين.
نظام الأسد شريك في إبادة الفلسطينيين
بعد حصار خانق استمر نحو 52 يوماً، تعرض فيه لاجئو تل الزعتر للجوع والعطش وقطع الكهرباء ومنع وصول الدواء، قررت القوات السورية والمليشيات اللبنانية شن هجوم هو الأعنف من نوعه على اللاجئين الفلسطينيين بالمخيم.
فقُصف المخيم في يونيو/حزيران عام 1976 بنحو 55 ألف قذيفة، ثم استمرت بعدها المعارك والمواجهات حتى نجح المسلحون السوريون والللبنانيون في القضاء على المقاتلين الفلسطينيين المتحصنين بالمخيم، ليمهدوا الطريق لاقتحام تل الزعتر والاعتداء على المدنيين المقيمين فيه.
وتمكنت المليشيات من دخول المخيم وارتكبت فيه فظائع وجرائم وحشية، من قتل وذبح للمدنيين العزل من الشيوخ والنساء والأطفال الذين فاق عددهم 4000 شخص، فيما تعرض عدد كبير من النساء للاغتصاب وبقرت بطون الحوامل، وسلبت الأموال، وهدت المنازل وسويت بالأرض.
وأصبحت بذلك الإبادة الجماعية التي تعرض لها الفلسطينيون في مخيم تل الزعتر في لبنان، والتي غضت عنها الطرف الدول العربية والقوى العالمية، أسوأ صفحات الحرب الأهلية في لبنان التي كانت بغطاء جيش حافظ الأسد حينها، والذي لطالما تغنى بالمقاومة والممانعة ودعم الفلسطينيين في قضيتهم وفي حربهم للاحتلال الإسرائيلي.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية حينها تصريحاً لشيمون بيريز وزير الحرب الإسرائيلية آنذاك، اعتبر فيه أن هدف إسرائيل هو نفسه هدف دمشق وأنه يجب منع سقوط لبنان تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية. وبذلك تم تبرير هذه المجزرة وما تسببت فيه من إراقة دماء آلاف المدنيين العزل من الفلسطينيين واللبنانيين.
ورغم الضغوط الحقوقية اليوم لإدانة مرتكبي المجزرة وفتح تحقيق للكشف على الجثث المفقودة والانتصاف للأبرياء وذويهم، لا يزال الكثيرون في حالة إفلات من العقاب.