لم تتوقع الشابة التونسية والناشطة في المجتمع المدني وفاء الورغمي أن تفتح تدوينة بسيطة، كتبتها عبر فيسبوك، أبواباً من العطاء لعشرات من ذوي الاحتياجات الخاصَّة، وأن يشاركها في حملتها آلاف من المتطوعين التونسيين، لا تعرفهم ولا يعرفونها، لكن جمعهم فعل الخير في خطوة مزجت بين العمل الخيري والمحافظة على البيئة.
أوّل الغيث "تدوينة"
الفكرة انطلقت، كما تقول الشابة لـTRT عربي، بتدوينة كتبتها في 28 يونيو/حزيران الماضي على صفحة إحدى الجمعيات المتخصصة في العمل التطوعي ورسكلة الموادّ البلاستيكية، طرحت خلالها مقترَحاً معمولاً به في دول أوروبية، من خلال جمع الأغطية البلاستيكية ومن ثم بيعها لشركات الرسكلة ثم شراء كراسي متحركة بثمنها لذوي الاحتياجات الخاصة في محافظات تونس.
وفاء أنشأت صفحة على فيسبوك بعد التفاعل الذي وصفته بالقياسي مع تدوينتها لآلاف من الشباب التونسي من الراغبين في الانخراط بهذه الحملة تطوعيّاً، لتتحول الفكرة بين عشيَّة وضحاها إلى حركة إنسانية تجسدت نواتها عبر مجموعة مغلقة اختارت لها اسمها "مع بعضنا نلمّ "bouchons d'amour" (أغطية الحبّ).
وعلى الرغم من أن الحملة لم يمضِ على تدشينها شهر فقد تجاوز عدد المنخرطين في المجموعة 28 ألف متطوع رفعوا جميعاً شعار التحدي وتمكنوا فعليّاً بفضل مجهودات جبارة من اقتناء 7 كراسي متحركة، ثلاثة منها اشتُريَت من عائدات بيع الأغطية البلاستيكية، والباقي من أهل الخير، ثم سُلّمَت لمستحقيها.
تتابع وفاء برفقة مجموعة من المنسقين الجهويين للحملة عشرات آلاف الصور والتدوينات لشباب يوثّق بشكل شبه يوميّ عملية جمع الأغطية البلاستيكية من الشوارع والساحات العامة والشواطئ من مختلف الطبقات الاجتماعية والثقافية في تنافُس محموم على جمع أكبر عدد من الأغطية بهدف كسب التحدي.
وتَمكَّن الشباب المتطوع في ظرف شهر من جمع 1200 كيلوغرام من الأغطية البلاستيكية، مما مكّنهم من جمع مبلغ مالي يُقدَّر بـ600 دينار (نحو 200 دولار) اقتنوا بها ثلاثة كراسي متحركة بعد أن تَطوَّع صاحب المحل بدوره بكرسي، وخفْض في سعر باقي الكراسي.
المزج بين البعدَين الخيري والبيئي
محمد تيسير النهدي، ناشط بيئي ومنسق حاليّ لحملة "أغطية الحب"، كان من جنود الخفاء الذين أسهموا في تحويل الفكرة إلى حقيقة على أرض الواقع، خصوصاً أن خبرته في مجال العمل التطوعي والبيئي كان لها الأثر الطيب في التنسيق وتقسيم مهامّ المجموعات القائمة على عمليات جمع الأغطية وفرزها وتسليمها لنقاط التجميع.
المزج بين العمل البيئي والخيري كان من أبرز العوامل التي دفعت محمد إلى الانخراط في حملة جمع الأغطية، إذ يقول لـTRT عربي إنه التقى صاحبة الفكرة وفاء الورغمي التي كانت تبحث عن مساعدة لوجستية لدعم حملتها، ليتفقا على تركيز تنسيقيات جهوية في 24 محافظة تونسية لتنظيم عملية تجميع الأغطية ثم بيعها وشراء الكراسي المتحركة.
ويحذر محمد من مخاطر البلاستيك على البيئة والمحيط، خصوصاً أن هذه المادة تعيش لأكثر من 400 سنة دون أن تتحلّل، مشيراً إلى أن البعد البيئي في حملة "أغطية الحب" كان من أهم العوامل التي أسهمت في دفع محبي البيئة إلى التطوع والانخراط في الحملة.
عشرون حملة نظافة هي حصيلة شهر واحد تَمكَّن خلاله الشباب من جمع الأغطية موزّعين على أكثر من مكان سياحي وثقافي وشواطئ وغابات تونسية، لم تخلُ من حملات توعية بمخاطر إلقاء الفضلات العضوية وغير العضوية في الأماكن العامة.
توثيق عملية جمع الأغطية
مدفوعةً بدورها بحب التطوع، لا تكفّ الشابة مريم بوتورية عن توثيق نشاطها المميز في جمع الأغطية البلاستيكية عبر المجموعة المخصصة على فيسبوك، مشدّدة خلال حديثها لـTRT عربي على أن الهدف تحفيزي بالأساس لباقي المنخرطين الجدد لدفعهم لجمع أكبر عدد من الأغطية البلاستيكية.
عملها مربيةَ أطفال في أحد محاضن العاصمة أسهم بدوره في نقل الفكرة وأهدافها النبيلة للأطفال الذين تفاعلوا وعائلاتهم مع حملة جمع الأغطية بشكل غير مسبوق، فيما تخصِّص الشابة مريم بعض وقتها خلال المساء للتجوُّل على دراجتها الهوائية لجمع الأغطية البلاستيكية من شوارع العاصمة، ثم تعود أدراجها إلى البيت لتجميع الأغطية وفرزها.
الاقتصار على جمع الأغطية البلاستيكية دون غيرها لم يكُن من فراغ كما يقول الشباب، بل كان من منطلق الحرص على عدم قطع أرزاق آلاف ممَّن يمتهنون جمع القوارير البلاستيكية من الشوارع والقمامة.
تَحدٍّ جديد
حملة "أغطية الحب" ليست سوى بداية تحفيزية لحملات أخرى وتحديات تجمع بين الأهداف الإنسانية والبيئية، حسب ما أكدته صاحبة المبادرة، إذ أعلنت عن البدء في تَحدٍّ جديد بالتزامن مع قرب العودة المدرسية يتمثل في جمع الأغطية البلاستيكية بهدف شراء أدوات مدرسية لمستحقيها من أطفال القرى المناطق الشعبية، وستجند للأمر كالعادة عشرات آلاف الشباب المتطوع.