"هذا الآن صالون شقتي، هنا كان منزلي وملجأ أسرتي وذكريات عائلتي، هنا نشأ أبنائي، والآن أصبح حطاماً"، بهذه الكلمات عبر منشور على حسابه الشخصي في منصة فيسبوك، وصف الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني أحمد الطناني ما حلَّ بمنزله الواقع في حي الرمال وسط قطاع غزة، بعدما حوّلته الغارات الإسرائيلية مع الكثير من المنازل والمنشآت الأخرى في الحي إلى أكوام من الركام.
وفي 9 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات جوية على الحي الذي كان يُعرف بكونه "أرقى أحياء القطاع" و"عصب القطاع التجاري"، وسوّت أجزاءً كبيرة منه بالأرض.
ليلة القصف
وإلى جانب هدمها أبراجاً وشققاً سكنية، استهدفت المقاتلات الإسرائيلية مقرّات ووزارات حكومية ومنشآت خدماتية ومساجد ومدارس، ودمرت مبنى شركة الاتصالات الفلسطينية، ما تسبب بانقطاع واسع للاتصالات والإنترنت، حسب ما نقلته وكالة "الأناضول".
حوَّلت الغارات ممتلكات المواطنين في حي الرمال إلى أنقاض، ودفعت كثيراً منهم إلى الخروج من منازلهم من باب الاحتياط، تاركين وراءهم كل ما يملكون فيها.
ابن حي الرمال الكاتب أحمد الطناني روى ما جرى ليلة استهداف الحي، وقال إنّ إنذاراً عاماً أُطلق بخصوص كل حي الرمال، الذي يمتدّ على مساحة جغرافية غير بسيطة.
وأضاف الطناني لـTRT عربي: "لم نكن نعلم تماماً أنّ منطقتنا مستهدفة تحديداً، لا سيّما أنّ المنطقة مدنية بشكل كامل، ولا يوجد فيها أي منشآت ذات طبيعة عسكرية أو أمنية، وكلها عمارات سكنية".
رمزية الحي
حي الرمال هو أحد أحياء مدينة غزة العشرين المعتمَدة من المجلس البلدي، يحاذي الخط الساحلي ويبعد ثلاثة كيلومترات عن مركز المدينة، سُمي بهذا الاسم؛ لأنّه كان عبارة عن منطقة كثبان رملية لا حياة فيها، إلّا أنّه يُعدّ اليوم أعلى الأحياء كثافة سكانية وأكثرها حيوية، حسب وسائل إعلام محلية.
تعود بداية بناء الحي إلى نحو مائة عام، ويتوسطه شارع عمر المختار قاسماً إياه إلى الرمال الشمالي والرمال الجنوبي، ويمتدّ الشمالي منه من بداية حي الشيخ رضوان (الشارع الأول) إلى شارع المختار، فيما يمتدّ الرمال الجنوبي من شارع عمر المختار إلى بداية حي تل الهوى.
ورغم خلوه من المنشآت العسكرية واحتوائه على مبنى مدرسة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" الابتدائية التي آوت لاجئين أجبرهم الجيش الإسرائيلي على مغادرة منازلهم في يوليو/تموز 2014، كان حي الرمال هدفاً لغارات المقاتلات الإسرائيلية.
وكانت الوكالة الأممية قد أعلنت في بيان لها تعرض إحدى مدارسها التي تؤوي عائلات نازحة في قطاع غزة لقصف مباشر.
وقالت إنّ أضراراً جسيمة لحقت بالمدرسة التي تؤوي أكثر من 225 شخصاً، جراء قصفها بشكل مباشر، فيما لم يُسجَّل وقوع إصابات بين النازحين، داعيةً إلى عدم مهاجمة "المدارس وغيرها من البنى التحتية المدنية، بما في ذلك تلك التي تؤوي الأسر النازحة".
فيما نقلت مراسلة وكالة الأناضول عن شهود عيان، أنّ القصف الإسرائيلي تسبّب بأضرار كبيرة في مدرسة "بنات المأمونية الإعدادية"، الواقعة في حي الرمال بمدينة غزة.
وإلى جانب مبنى "أونروا"، يُعدّ المجلس التشريعي الفلسطيني، وبرج فلسطين، وحديقة الجندي المجهول التي تتوسط الحي، والجامعة الإسلامية التي دمّرتها القوات الإسرائيلية، أبرز معالم حي الرمال.
وصرّح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، بأنّ الهجمات الإسرائيلية تركزت ليلة الاثنين الماضي على حي الرمال الذي يعد "رمزاً مهماً".
وقال في تصريحات نقلتها شبكة BBC البريطانية، إنّ "الرمز الموجود وسط قطاع غزة له مكانة مهمة وكبيرة جداً لقيادة حماس وعناصرها".
وعبر حسابه في منصة "X"، أقرّ الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، بشن القوات الإسرائيلية هجمات في قطاع غزة "لم يسبق لها مثيل"، حسب تعبيره، مشيراً إلى قصفهم مناطق جغرافية، منها بيت حانون وحي الرمال، التي ادّعى أنّ "الإرهاب يعمل منها بشكل مكثف".
ونشر أدرعي مقطعاً مصوراً يُظهر لحظة تدمير مبنى الجامعة الإسلامية، مدّعياً أنّ استهدافها جاء لكونها "تعمل مركز تأهيل وتدريب رئيسياً لمهندسي حماس"، على حدّ وصفه.
إلّا أنّ الدافع وراء استهداف حي الرمال كان لأنه أكثر الأحياء مركزية في قطاع غزة، لأنّه يشكل مركزاً إدارياً واقتصادياً وفيه كل المنشآت الرئيسية مثل البنوك والجامعات والمحال التجارية، إضافةً لكون المربعات السكانية فيه من المربعات الأكثر رقياً وعمراناً.
وحول ذلك، يؤكد الباحث الفلسطيني أحمد الطناني، أنّ "الاحتلال تَعمّد قصف الحي لضرب العصب الاقتصادي والإداري للقطاع، وضغط المجتمع في قطاع غزة، وضرب رمزية الحي بوصفه يشكل ما يشبه العاصمة الإدارية للقطاع، وعنواناً مركزياً رئيسياً".
"عقاب جماعي"
ويلفت الطناني إلى أنّ الاحتلال يهدف إلى جانب العقوبات الجماعية، إلى إدخال القطاع في أزمة إعمار تحتاج إلى عشرات السنوات لإتمامها، وحرمانه من الجامعات المركزية والمدارس والبنوك، إضافةً لتدمير البنية التحتية.
"كما يعاقب الاحتلال كل سكان قطاع غزة، لأسباب عدّة، أهمها معاقبة هذا المجتمع لاحتضانه المقاومة، ودفعه هذا الثمن، وتقديم إنجازات وهمية لجمهوره لترميم الردع المهدر على حساب دماء وأرواح المدنيين من أبناء الشعب الفلسطيني"، وفق تعبير الباحث.
ويقيم في قطاع غزة نحو 2.1 مليون نسمة، 1.7 منهم مليون لاجئ فلسطيني، يعيشون جميعهم تحت "عقاب جماعي" نتيجة لحصار بري وجوي وبحري تفرضه القوات الإسرائيلية منذ عام 2007، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
ومع استمرار تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي نتيجة الحصار، أدى العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع بعد عملية "طوفان الأقصى" العسكرية التي أطلقتها حركة "حماس" ضدّ إسرائيل، إلى تدهور الوضع الأمني.
وكانت حركة "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى في غزة قد أعلنت أنّ عملية "طوفان الأقصى" التي أُطلقت فجر السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، جاءت "رداً على اعتداءات القوات الإسرائيلية والمستوطنين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته"، لا سيّما المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة.
وفي المقابل ردّ الجيش الإسرائيلي بإطلاق عملية "السيوف الحديدية" وشنّ غارات مكثفة على القطاع، ما أدّى إلى استشهاد 2670 فلسطينياً، بينهم مئات الأطفال والنساء، وإصابة أكثر من 9600 آخرين حسب وزارة الصحة في غزة، حتى ساعة إعداد هذا التقرير، وسط تحذيرات أممية من تعرض سكان القطاع لـ"إبادة جماعية".