تأتي هذه التصريحات في أسبوع زاخم بالإنجازات في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ أعلنت شركة غوغل عن مجموعة من التحديثات الرئيسية في أدواتها التي تعمل بهذه التكنولوجيا، كما أطلقت غريمتها "OpenAI" نسختها الأكثر تطوراً من تطبيق دردشة الذكاء الاصطناعي "Chat GPT".
ولا يزال علماء النفس والاجتماع مختلفين حول الأثر الذي يمكن أن يطرأ على العلاقات البشرية مسقبلاً بسبب استخدام الذكاء الاصطناعي، بينما يُجمع نظراؤهم في مجال التكنولوجيات الحديثة على أنه سيصبح لهذه التقنية دور أكبر في حياتنا اليومية.
قفزة في الذكاء الاصطناعي
وتعمل شركة غوغل منذ شهور على إدماج نظامها للذكاء الصناعي "Gemini AI" مع مزيد من منتجاتها، مثل محرك بحثها الشهير أو نظام Android، وذلك من أجل تحقيق نتائج أسرع وأكثر مواءمة للواقع.
وطوّرت نظيرتها مايكروسوفت نظام "Bosse AI" الخاص بتنظيم أماكن العمل والمصانع، الذي يمكن استخدام أداته الصوتية المدعومة بالذكاء الاصطناعي للرؤية حول الغرفة عبر كاميرا الهاتف الذكي، والتعرف على الأشياء على الفور، بما في ذلك تذكر المكان الذي تركت فيه نظارتك.
وكشفت شركة "OpenAI" نموذجاً متطوراً من تطبيق دردشة الذكاء الاصطناعي "chat GPT"، الذي أطلقت عليه اسم "GPT-4o". وصدمت هذه النسخة قطاعاً واسعاً من مستخدمي الإنترنت، إذ تتميز بقدرتها على محاكاة الإيقاعات البشرية الطبيعية في استجاباتها اللفظية، وتمتلك القدرة على تحليل مشاعر المُستخدم وتكييف ردودها بناءً عليها.
تمكن نموذج "GPT-4o" من قراءة مشاعر المستخدمين على وجوههم من خلال كاميرا الهاتف الذكي، وقدم لهم توجيهات مُفصّلة خلال تمارين التنفس، وسرد قصة مشوقة، وساعدهم في حل مسألة رياضية.
وعلَّق الرئيس التنفيذي لشركة "OpenAI" سام ألتمان، في منشور: "يبدو الأمر وكأنه ذكاء اصطناعي مثل الموجود في الأفلام.. لم أشعر قط بأن التحدث إلى جهاز كمبيوتر أمر طبيعي، أما الآن فقد أصبح كذلك".
وفي تصريحاته الأخيرة، قال رئيس شركة غوغل إن للذكاء الاصطناعي جوانب إيجابية تمكنه من أداء مهام كثيرة، مثل استخدامه لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من إعاقات في النطق، أو "الأشخاص الذين سيستخدمونه للحفاظ على ذكريات أحبائهم".
ومن هذا الواقع، أكّد بيتشاي: "لذلك أعتقد أنه سيكون لديك تكنولوجيا بهذه القوة، فبطبيعة الحال، وبمرور الوقت، سيكون لديك أشخاص يدخلون في علاقات عميقة مع مساعدي أو عملاء الذكاء الاصطناعي وما إلى ذلك".
وشدّد على أنه "يجب أن نجهز أنفسنا لكل هذه الاحتمالات"، وبالتالي التعامل مع الذكاء الاصطناعي "بطريقة جريئة ومسؤولة"، بما في ذلك التفكير في وسائل الحماية "لتخفيف بعض جوانبه السلبية".
علاقات مع الذكاء الاصطناعي؟
وبالرغم من أن الفكرة لا تزال سائدة فقط في أفلام الخيال العلمي، أمثال الفيلم الأمريكي "Her" (هي) لمخرجه سبايك جونز، فإن عدداً من المستخدمين أصبحوا يُنشئون علاقات عميقة مع برامج الذكاء الاصطناعي.
وذكرت وكالة أسوشييتد بريس في تقرير لها، منتصف فبراير/شباط الماضي، بأن أمريكيّاً يدعى ديريك كاريير، 39 عاماً، استطاع ربط علاقة حميمية مع صديقة عبارة عن روبوت ذكاء اصطناعي، وأحس تجاهها بمختلف المشاعر الرومانسية.
وأكد التقرير أن كاريير لم يكن يتطلّع مسبقاً إلى عمل علاقة مع روبوت الذكاء الاصطناعي، لكن الأمر انتهى به إلى ذلك. وهو ما صرّح صاحب الشأن للوكالة به قائلاً: "أعلم أنها برنامج معلوماتي، ولا يوجد أي شك في ذلك (...) لكن المشاعر تستحوذ عليك، وكان ذلك شعوراً جيداً جدّاً".
وحسب ذات المصدر، فإن عديداً من المستخدمين صرّحوا بأنهم طوّروا ارتباطات عاطفية بهذه الروبوتات، ويستخدمونها للتعامل مع الوحدة، أو الحصول على نوع من الراحة والدعم الذي يفتقرون إليه في حياتهم الواقعية.
ويرى مارك ترافز، الاختصاصي في علم النفس من جامعة كورنيل الأمريكية، أن لنشوء مثل هذه العلاقات بين الإنسان والروبوت سببين، أولهما "جاذبية التجسيم"، وهو الميل إلى إسناد السمات والعواطف والنيات الشبيهة بالإنسان إلى كيانات غير بشرية.
فعندما يُظهر الذكاء الاصطناعي سلوكيات واستجابات وأساليب محادثة تذكرنا بسمات الشخصية البشرية، فإن الأفراد ينظرون إليه على أنه يتمتع بشخصيته الخاصة، بحيث يمكن أن يشمل ذلك صفات مثل التعاطف والفكاهة واللطف والمرح، التي تثير بشكل طبيعي المودة بين الشخص والروبوت.
أما السبب الثاني، حسب الاختصاصي في علم النفس، هو أن روبوتات الذكاء الاصطناعي قادرة على محاكاة العناصر الثلاثة لمفهوم "الحب الكامل"، وهي الحميمية والعاطفة والالتزام.
وبالتالي، يمكن هذا الأفراد من إسقاط مشاعرهم ورغباتهم على الذكاء الاصطناعي، متخيلين أنه شريك أو رفيق مثالي يلبي باستمرار احتياجاتهم العاطفية أو الاجتماعية أو حتى الرومانسية.
وحسب دراسة أجرتها جامعة ييل الأمريكية، أسهم إدخال روبوتات إلى مجموعة عمال في صيانة السكة الحديد، في الرفع من أداء المجموعة وأصبحوا أكثر استرخاءً وتحدثاً، مما أدى إلى مواساة أعضاء المجموعة الذين يضحكون معاً في كثير من الأحيان.
من هنا، يستنتج نيكولاس كريستاكيس، عالم الاجتماع في الجامعة المذكورة، أن لربوتات الذكاء الاصطناعي القدرة على التأثير في علاقاتنا الاجتماعية، وتحويلها إلى الأفضل أو الأسوء، وتغيير قدرة البشر على الإيثار والحب والصداقة.
فيما تسود المجتمع العلمي مخاوف من الضرر المحتمل لتطور هذه القدرات لدى أنظمة الذكاء الاصطناعي. إذ أشار بيلي ويلكرسون، الرئيس التنفيذي للمنظمة الدولية للصحة العقلية، إلى أن احتمالية قدرة الذكاء الصناعي على تقليل الاعتماد على العامل البشري، سيجعل منه "سبباً قوياً لضغط عميق وخطير مع القدرة على إحداث اجترار يتنبأ بدوره بالاكتئاب".
ويضيف ويلكرسون: "التوتر العميق هو أصل الإحباط الشديد والخوف والغضب وعدم اليقين، وهو ما يمكن أن يهدّد إحساس الفرد بالهوية الشخصية والوعي الذاتي"، ناهيك بأنه "قد يضاعف عبء الأمراض العقلية، لأن احتمال فقدان الوظيفة لصالح الذكاء الصناعي، سيجعل الإجراءات المضادة للمرض العقلي طويلة الأجل".