تبدو حركة الأسواق أقلّ كثافة من الأعوام الماضية، وذلك بسبب ارتفاع معدلات الفقر بين السكان وازدياد أعداد النازحين، إضافة إلى ارتفاع الأسعار مقارنة بدخل السكان الذين يُكافحون للبقاء على قيد الحياة، وتأمين قوت يومهم، وتقتصر موائدهم على ما تيسّر من أطعمة، ويملؤهم الحنين لاستعادة الأجواء المحبّبة لشهر البركة من خلال تجمّع أفراد العائلة الواحدة وعودة المغتربين، وتبادل العزائم بين الأقارب والجيران، والسهرات العائلية.
رمضان المخيمات
يضمّ شمال غربي سوريا أكثر من مليون نازح ومهجّر من مختلف المناطق السورية نتيجة القصف، يعيشون ظروفاً إنسانية متردية، ويحلّ عليهم شهر رمضان حزيناً نتيجة ضيق الحال المعيشي للنازحين، وتفشي الفقر في ظل انتشار البطالة وارتفاع الأسعار، بعد أن هجرهم نظام الأسد من مدنهم وقراهم وبلداتهم، وحرمهم مصادر أرزاقهم، وفرص عملهم السابقة.
سامر الأحمد (33عاماً) نازح من ريف معرّة النّعمان الشرقي، ويعيش مع أسرته في مخيم على أطراف مدينة أطمة شمال إدلب، يشكو من انطفاء البهجة، وغياب عادات وطقوس شهر رمضان المحببة في المخيمات، إلى جانب انعدام وجود عمل يساعده على تحمّل نفقات الشهر، وصعوبة الصيام بسبب ارتفاع درجات الحرارة وضيق المكان.
كما يشير إلى حزنه لقضاء شهر الصيام بعيداً عن منزل عائلته، وبعيداً عن إخوته والجيران، وعن ذلك يقول: "يحظى شهر رمضان بمكانة دينية رفيعة في قلوبنا، وتميزه عادات وتقاليد مهدّدة بالاندثار في ظلّ الظروف الصعبة التي نعيشها، حيث ينحصر همّنا في إيجاد فرصة عمل تساعدنا على تحمّل نفقات العيش في ظلّ حياة النزوح والتشريد".
ويضيف الأحمد مستذكراً بعض العادات الرمضانية قبل النزوح: "عند أذان المغرب كانت الأسرة تجتمع على مائدة إفطار واحدة، وبعد أذان العشاء يذهب الرجال جماعات لأداء صلاة التراويح في المساجد، والأقارب يدعون بعضهم لتناول وجبة الإفطار، واليوم يحتار كلٌّ منّا كيف يؤمّن طعام الإفطار لعائلته، والخيمة الضيقة أصبحت عالمنا البائس، والماء البارد في الجو الحار ترف إضافي ليس متاحاً".
غلاء الأسعار
تجتاح مدينةَ إدلب موجةُ غلاء في الأسعار يشتكي منها السكان، وتنعكس سلباً على أطباقهم الرمضانية، وما اعتادوا عليه سابقاً، كما عمد التجار إلى رفع أسعار بعض السلع الأساسية تزامناً مع قدوم شهر رمضان كالخضار واللحوم.
أمجد الحسين (39 عاماً) من مدينة سرمدا، أب لسبعة أبناء، يشكو ارتفاع الأسعار في شهر رمضان، وعن ذلك يقول: "أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 20% مع دخول شهر رمضان".
ويشير الحسين إلى أنّ المشروبات الرمضانية والمعجنات التي اعتاد الأهالي على تناولها في رمضان مثل عرق السوس والتمر هندي والمعروك، أصبحت حكراً على الميسورين بسبب غلاء أسعارها.
من جهتها أم مروان (40 عاماً) هجّرها قصف نظام الأسد من ريف حلب الغربي، لينتهي بها المطاف في خيمة على أطراف بلدة كفر لوسين، وساءت أوضاعهم المادية بعد خسارة زوجها عمله كمزارع، لذلك اكتفت قبيل شهر رمضان بشراء احتياجات أسبوع واحد بسبب الغلاء، وعن ذلك تقول: "كنت فيما مضى أتجوّل في السوق قبل حلول الشهر الفضيل لشراء التوابل والبهارات والتمور، وجميع لوازم الحلويات والمشروبات الرمضانية، لكنّ الوضع اختلف كثيراً بعد النزوح، وأصبحنا نشتري الأساسيات فقط بسبب الفقر والغلاء وشحّ فرص العمل".
تُبيّن أم مروان أنها أصبحت تطبخ الطعام باستعمال موقد النار، بعد أن يجمع أطفالها بعض العيدان والأكياس، كما باتت تستخدم السّمن والزيت كحل بديل عن اللحوم لإعداد طعام الإفطار لأسرتها.
مبادرات تعكس مبدأ التكافل الاجتماعي
وعلى الرغم من قسوة الظروف التي يمرّ بها أهالي إدلب، لا يخلو شهر رمضان من اللفتات الإنسانية والمبادرات الفردية التي تنطلق بهدف مساعدة الفقراء والمحتاجين، حيث نشر مواطنون منذ بداية شهر رمضان، صناديق بلاستيكية أو معدنية، في بعض شوارع مدينة إدلب، ليملأها متبرعون بالمؤن، ليستفيد المحتاجون من محتواها، وبالتالي مساعدة هذه الفئة بتأمين بعض حاجاتهم الأساسية، وذلك تحت اسم مشروع "سبع سنابل"، كما وضعوا إلى جانبها عبارات تحثّ الميسورين على التصدّق للمحتاجين منها "ضع إن كنت مستطيعاً، وخذ إن كنت محتاجاً"، و"صندوق الخير لأهل الخير" وغيرها.
أبو رائد (35 عاماً) من مدينة إدلب، صاحب فكرة المبادرة قال لـTRT عربي: "الكثير من الفقراء يتأملون السلع دون أن يتمكنوا من شرائها، لذلك قمت بوضع سلة داخل متجر الأغذية الذي أملكه، ووضعت بها بعض السلع الأساسية كالسّكر والشاي والبرغل، لإعانة الأسر الفقيرة، كما قمت بحثّ الزبائن على التبرع أيضاً، كلٌّ حسب استطاعته، لمساعدة الفقراء في هذا الشهر الفضيل وتخفيف بعض الأعباء المادية عن كاهلهم".
ويؤكد أبو رائد أنّ الأعداد الكبيرة للأسر الفقيرة، تفرض مدّ يد العون لهم في كل الشهور، لا سيّما رمضان الذي له خصوصيته، وهذه المبادرة رغم بساطتها تعكس مبدأ تكافل الناس وتعاونهم في شهر الخير والبركة، وتهدف لمساعدة المحتاجين على أخذ ما يحتاجون إليه من مواد غذائية بأنفسهم بدلاً من طلبها والشعور بالحرج والإهانة.
أطلقت جمعية "عطاء للإغاثة الإنسانية" مشروعاً لإفطار الصائمين في الشمال السوري، وهي عبارة عن مطبخ متنقّل، يجوب بجميع معدّاته مناطق عدة في ريف محافظة إدلب، لتقديم وجبات إفطار يومية طازجة للأهالي والنازحين خلال شهر رمضان.
أحمد لولو مدير مكتب جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية يتحدث لـTRT عربي بقوله: "نظراً لضرورة تلبية احتياجات أهالي القرى النائية والنازحين إليها أطلقنا مشروع مطبخ متنقل، عن طريق سيارة مزودة بجميع المعدات، تستطيع الوصول إلى مختلف القرى وتلبية احتياجات أهاليها من الوجبات المطبوخة خلال شهر رمضان".
ويؤكد أحمد أنّ المطبخ المتنقل يضمن وصول الطعام طازجاً وساخناً إلى المستفيدين الذين يصل عددهم إلى 600 عائلة يومياً، في مناطق ريف جسر الشغور مروراً بخربة الجوز وعين البيضا وغيرها.
كذلك تُوزّع الجمعية 6000 وجبة رمضانية في مخيمات الشمال السوري في مناطق مختلفة من إدلب وريف حلب.
جهود تركية للتخفيف عن الأهالي
استجابة لأوضاع الأهالي والنازحين أطلقت منظمات خيرية تركية عدة مشاريع لتقديم وجبات إفطار ومواد غذائية خلال شهر رمضان بمدينة إدلب والمناطق المحيطة بها، بهدف تخفيف الأعباء عن العائلات الفقيرة في ظل وضع معيشي صعب.
المسؤول الإعلامي في هيئة الإغاثة الإنسانية التركية "IHH" سليم طوسون يتحدث لـTRT عربي عن مشاريع الهيئة في رمضان فيقول: "الإغاثة التركية تهدف إلى تقديم يد العون للأسر المحتاجة والفقيرة في العديد من مدن سوريا خلال شهر رمضان المبارك، حيث سنعمل على توزيع 50 ألف طرد غذائي، مع تقديم وجبات الإفطار لحوالي 600 ألف شخص، إلى جانب تقديم معونة الفطر والزكاة لـ20 ألف شخص، وكسوة العيد لـ20 ألف طفل".
ويشير طوسون إلى أن عدد المستفيدين من مساعدات رمضان يقارب 850 ألف شخص في مناطق إدلب وعفرين والباب وتل أبيض ورأس العين وجرابلس وأعزاز. مؤكداً أن الهيئة ترسل يومياً 500 ألف رغيف خبز إلى الداخل السوري.
أم علاء(50 عاماً) نازحة في مخيم سرمدا بريف إدلب الشمالي تستفيد مع أسرتها المكونة من تسعة أشخاص، من وجبات الإفطار التي تقدمها الهيئة بشكل يومي، وعن ذلك تقول لـTRT عربي: "لا يمكننا طهي وجبات دسمة خلال الشهر الكريم، بسبب ضيق حالنا المادي وغلاء أسعار اللحوم بأنواعها، لذلك تساعدنا تلك الوجبات، وتخفف عنا بعض الأعباء، وتوفر علينا مبالغ كبيرة ليست بحوزتنا أساساً".
"رمضان كريم" و"اللهم أعنّا على الصيام والقيام وإسقاط النظام" عبارات تفيض بها قلوب أهالي إدلب وهم يستقبلون شهر رمضان، وسط ظروف العوز ونقص الاحتياجات الرئيسية، والافتقاد لذكريات رمضان الأمس في منازلهم المستباحة، محاولين لملمة جراحهم وآلامهم، للتأقلم مع قسوة واقعهم، وكلّهم أمل أن تنفرج الغمّة، وتحمل لهم الأيام القادمة الفرح بالنصر، والخلاص من نظام الاستبداد.