على مدار سنوات دخلت إثيوبيا ومصر والسودان في نزاع مرير بشأن سد النهضة، الذي تملؤه أديس أبابا دون التوصل إلى اتفاق ملزم مع دولتَي المصب.
واستخدم الجيران الأفارقة الدبلوماسية حتى الآن لتسوية النزاع الثلاثي حول المياه دون تحقيق اختراق يذكر، لكن الخبراء يقولون إن المخاطر الحالية يمكن أن تتفاقم إذا حدثت أزمة مناخية حادة تعصف بالمنطقة مثل تلك التي عصفت بباكستان وأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية هذا العام.
في هذا السياق قال خليل العناني، وهو زميل في المركز العربي بواشنطن العاصمة، لـTRT World: "التحدي [بالنسبة إلى دول المصب] سيكون خلال مواسم الجفاف التي من المتوقع أن تصل في غضون عامين. وأضاف أن القاهرة والخرطوم "تعتمدان بشكل كبير على نهر النيل في معظم مياههما العذبة، وقد تنشأ صراعات في حال عدم التوصل إلى اتفاق ملزِم مع إثيوبيا بشأن تشغيل سد النهضة".
ويعد سد النهضة، وهو مشروع للطاقة الكهرومائية تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار بطاقة تقدَّر بأكثر من 6000 ميغاوات، أمراً بالغ الأهمية لدعم التنمية الاقتصادية لإثيوبيا على حد قول السلطات في إديس أبابا. والسد قيد الإنشاء منذ عام 2011 على النيل الأزرق بالبلاد -أحد أهم روافد نهر النيل- وقد بدأت أديس أبابا ملء الخزان خلف السد منذ عامين.
وفي أغسطس/آب أكملت إثيوبيا المرحلة الثالثة من ملء الخزان. في ذلك الوقت قال رئيس وزرائها آبي أحمد: "عندما شرعنا في بناء سد على النيل قلنا منذ البداية إننا لا نريد جعل النهر ملكاً لنا". وقال إن السد يمنع الترسبات و"سيقلل من حجم الثروة والأرواح البشرية المفقودة في دول المصب بسبب الفيضانات".
وشدد رئيس الوزراء آبي أحمد على حرص إثيوبيا على استئناف المحادثات التي يرعاها الاتحاد الإفريقي بين الدول الثلاث، وحذر من أن "أي خيار آخر لن يوقف ما بدأناه وسيكون بلا جدوى". في المقابل تعتبر القاهرة والخرطوم السد تهديداً خطيراً لإمدادات المياه الحيوية لديهما.
ويخشى كلا الجارين عدم تلبية احتياجاتهما من المياه في حالة سيطرة إثيوبيا الكاملة على تدفق المياه خصوصاً في ظل مواسم الجفاف وقلة هطول الأمطار.
وقال أشوك سوين رئيس منظمة اليونسكو للتعاون الدولي في مجال المياه لـTRT World: "قد تجبر سنوات الجفاف الطويلة إثيوبيا على عدم إطلاق المياه من الخزان لتلبية احتياجات مصر عند الحاجة". وأضاف أن "إثيوبيا لا تسحب المياه من تدفق النهر ولكنها تملأ المياه في خزان السد، مما يمنحها اليد العليا إذا عطلت أزمة المناخ نمط هطول الأمطار في حوض النيل لفترة طويلة". وهو سيناريو سيترك مصر والسودان في نهاية المطاف عرضة للخطر.
ولا تزال مصر تعاني مشكلات المياه. في عام 2007 أدت ندرة المياه في البلاد إلى اندلاع احتجاجات "ثورة العطشان". بحلول عام 2025 من المتوقع أن تصبح مصر تعاني ندرة المياه تماماً. أما السودان، وهو بلد يعاني ندرة المياه، فيخشى أن يؤثر سد إثيوبيا على مشاريع الطاقة الكهرومائية الخاصة به.
وبالنسبة إلى إثيوبيا فإن بناء سد النهضة وملْأه وتشغيله حقوق سيادية لا يمكن التنازع عليها أو المساومة. ويريد السودان ومصر اتفاقاً ملزماً لكن إثيوبيا تقول إن أي اتفاق يجب أن يكون استشارياً. حاولت دول المصب إقحام الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في النزاع، مما أغضب إثيوبيا، التي تسعى للحوار من خلال الكتلة الإقليمية للاتحاد الإفريقي فقط.
ولن تقدم الأمم المتحدة المساعدة ما لم يندلع صراع عسكري.
وحاولت كل الأطراف التوصل إلى اتفاق في الماضي. كما وقعوا أيضاً إعلان المبادئ عام 2015، لكنه لم يساعد في تسوية نزاع المياه العابرة للحدود.
ويقول الخبراء إنه وعلى الرغم من أن دول المصب لها الحق في الاحتجاج على تصرفات دول المنبع، فإن أهمية الاحتجاج تعتمد كلياً على طبيعة العلاقات بين الدول المتنازعة.
وفي هذه الحالة وكما يرى بعض الخبراء تغيرت العلاقة بين مصر وإثيوبيا بشكل جذري خلال العقد الماضي عندما بدأت القاهرة تفقد هيمنتها على الحوض، بخاصة بعد أحداث الربيع العربي عام 2011.
ومؤخراً بعثت مصر برسالة إلى مجلس الأمن الدولي تطلب تدخلها في النزاع. وحذر وزير خارجيتها سامح شكري في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قائلاً: "من يظن أن التمسك بالوسائل السلمية لحل الخلافات المائية شكل من أشكال الضعف مخطئ".
وقال سوين خبير النزاعات البيئية: "إن احتجاج مصر المستمر أمام مجلس الأمن الدولي لن يُحدث تغييراً كبيراً وذلك بسبب عدم توقيع الدول الثلاث على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية".
وأضاف: "من خلال عرض الأمر على مجلس الأمن الدولي لا يحدث أي فرق عندما يكون للأعضاء الذين يحملون حق النقض آراء مختلفة جداً حول حقوق دول المنبع والتزاماتها".
وقال العناني إن الأمم المتحدة لن تتدخل إلا إذا تحول النزاع إلى صراع عسكري وهو أمر مستبعد للغاية.
وقال إنه يتعين على دولتَي المصب بذل المزيد من الجهود للتوصل إلى اتفاق ملزم من خلال الضغط على القوى العظمى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، وهو أمر لديه أيضاً فرصة ضئيلة للنجاح بسبب الخلاف بين هذه القوى.
وقال العناني: "الانقسامات بين هذه القوى تجعل من الصعب الضغط عليها". وبذلك فإن "مصر والسودان في موقف ضعيف تجاه إثيوبيا"، على حد قوله.
وتطالب مصر والسودان بـ"حقوق تاريخية" في مياه نهر النيل، لكن جذور الخلافات الحالية متجذرة في المعاهدة الأنجلو-مصرية لعام 1929.
ومن ناحية أخرى تقول إثيوبيا إنها ليست ملزمة بأي من المعاهدات الاستعمارية، بحجة أنها أعطت مصر حقوقاً مطلقة في النيل.
وقال سوين: "الحقوق التاريخية ليست مطلقة. تسمح اتفاقية الأمم المتحدة بوضوح بالاستخدام العادل للمياه كما تعطيها الأولوية على الحقوق التاريخية". وهكذا يرى الخبراء أن بناء إثيوبيا السد هو رد أديس أبابا على المعاهدات الاستعمارية غير العادلة.
إمكانية حدوث صفقة
مع توقف المفاوضات وتصاعد التوترات لا تزال فكرة الصراع الإقليمي قائمة. لكن العديد من الأسباب تجعل من غير المحتمل حدوثه.
وقال سوين: "أولاً لم يكن السودان أبداً واضحاً وصريحاً بشأن موقفه بشأن السد، وبالتالي فإن الصراع لا يزال قائماً بين مصر وإثيوبيا".
ثانياً من المستبعد جداً أن توقف أي عملية عسكرية السد عن العمل، فكمية المياه في الخزان نفسه هي حماية للسد.
وقال أيضاً إذا ضربت مصر بطريقة ما السد فإن كمية المياه المتدفقة في اتجاه مجرى النهر ستكون كارثية على السودان.
وقد دفع هذا السيناريو الخبراء إلى الاعتقاد بأن صفقة التبادل يمكن أن تنهي النزاع، وهي صفقة يمكن أن تضمن الطاقة لإثيوبيا والمياه لمصر.
وأضاف سوين: "مصر بحاجة إلى المياه بينما تحتاج إثيوبيا إلى الطاقة. إذا تمكنت الدول الثلاث من الحصول على شبكة كهرباء مشتركة ووافقت مصر وإثيوبيا على مبادلة المياه بالطاقة خلال مواسم الجفاف الطويلة، فإن الاتفاقية محتملة للغاية".
وقال إن الخلاف يمكن حله إذا "حذت دول الحوض حذو الأرجنتين والبرازيل وباراغواي، التي وقعت اتفاقية حول مشاريع نهر بارانا عام 1979 بعد فترة طويلة من الصراع المرير على سد إيتايبو".
توجد حاجة إلى إرادة سياسية
لكن العناني قال إن إثيوبيا بموقفها القوي ليست ملزمة بالموافقة على مثل هذا الاتفاق.
وقال إن "إثيوبيا لا ترى ضرورة لتوقيع اتفاقية ملزمة أو التوصل إلى اتفاق مع مصر، فهي تنظر إلى سد النهضة على أنه ميزة استراتيجية من شأنها تعزيز دورها الإقليمي، وبالتالي لن تقدم تنازلات".