خان يونس: تاريخ عريق وصعوبات وتحديات في وجه الاحتلال
بعد حرب عام 1948، استضاف أهالي مدينة خان يونس نحو خمسين ألف لاجئ فلسطيني من إخوانهم الفلسطينيين، هؤلاء اللاجئون لا يزالون يعيشون في معسكرات في المدينة في انتظار العودة إلى مدنهم وقراهم التي فقدوها.
قلعة برقوق الأثرية تقع في قلب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة (Others)

خان يونس مدينة تقع في جنوب قطاع غزة، وتعدّ واحدة من كبرى مدن القطاع من حيث عدد السكان والأهمية الاقتصادية. تاريخ خان يونس يمتد عبر العصور، وهي تحمل في جعبتها تراثاً ثقافياً وتاريخياً غنياً، وسكان المدينة عاشوا عبر العقود تحت تأثير الكثير من الأحداث والتغيرات السياسية والاجتماعية.

تلعب خان يونس دوراً مهماً في الأحداث بما في ذلك مشاركتها في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والجهود الاقتصادية والاجتماعية لسكان المدينة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة.

موقع خان يونس

مدينة خان يونس تقع في أقصى جنوب غربي فلسطين، وتبعد نحو عشرة كيلومترات فقط عن الحدود المصرية، تُعد خان يونس ثاني أكبر مدينة في قطاع غزة من حيث عدد السكان والمساحة.

تقع مدينة خان يونس على بُعد نحو 100 كيلومتر إلى الجنوب الغربي من القدس، تحدّها من الجنوب مدينة رفح، ومن الشمال مدينة دير البلح، تعدّ خان يونس مركزاً مهماً في المحافظة وتطل على البحر الأبيض المتوسط من الجهة الغربية، في حين تقع صحراء النقب إلى الشرق منها، وتبلغ مساحتها 108 كيلومترات مربعة.

تسمية خان يونس

اسم مدينة خان يونس يتألف من كلمتين: الأولى "خان" وتعني "فندق"، والثانية "يونس" وهي اسم نسبة إلى الأمير يونس التوروزي الداودار.

استخدم الخلفاء الأمويون بدءاً من الخليفة عمر بن عبد العزيز الخانات كأماكن لاستراحة المسافرين وبالتالي اكتسبت هذه الأماكن دوراً مهماً في توفير الإقامة للمسافرين.

مع تطور الأحداث التاريخية لا سيما في عصر المماليك، شهدت الخانات نجاحاً كبيراً نتيجة ازدهار التجارة العالمية عبر الشرق العربي، وفي العصر العثماني شهدنا تحولاً تدريجياً إلى استخدام مصطلح "الفنادق" بدلاً من "الخانات" وتقلصت أهمية الخانات بشكل كبير، وتظل بعض الخانات تلعب دوراً تقليدياً في بعض المدن خلال الانتداب البريطاني على فلسطين.

نبذة تاريخية عن خان يونس

يعود تأسيس مدينة خان يونس إلى العصور القديمة، حيث أسس الإغريق مدينة ساحلية وسموها "جينسس". (Others)

يعود تأسيس مدينة خان يونس إلى العصور القديمة، حيث أسس الإغريق مدينة ساحلية وسموها "جينسس". وترتبط نشأة خان يونس بالعصور الوسطى، خصوصاً عهد المماليك الجراكسة والسلطان المملوكي برقوق الذي حكم مصر وبلاد الشام بين عامي 1382 و1399م، وعزّز الحركة التجارية بين مصر وبلاد الشام من خلال إصدار أوامر ببناء الكثير من الخانات والقلاع، إذ بنى الأمير يونس الداودار الذي يحمل أختام السلطان، قلعة محصنة وسوراً ضخماً حولها. بُني أيضاً خان فسيح داخل القلعة في عام 1387م (789هـ).

في العصور المملوكية كانت مدينة خان يونس تابعة للواء غزة، الذي شمل مناطق واسعة تمتد من النقب وجنوب الأردن حتى مدينة الكرك. شاركت المدينة منذ تأسيسها في الأحداث المهمة التي شهدتها مصر وبلاد الشام، وجدد العثمانيون في وقت لاحق القلعة واستخدموها حامية عسكرية. أُنشئ جزء من القلعة مكاناً لاستقبال التجار والمسافرين والمارة. في الفترة العثمانية كانت فلسطين عموماً تابعة للواء غزة معظم الوقت، ولكن في بعض الأحيان تابعة لمدينتي القدس وعكا.

كانت مدينة خان يونس خلال تلك الفترة بوابة الشام للقادمين من مصر، وكانت من أهم المنازل الرئيسية للمسافرين القادمين إلى مصر وبلاد المغرب. أسهمت هذه المدينة بشكل كبير في الدفاع عن بلاد الشام ومصر، وفي نهاية القرن التاسع عشر أُقيم أول مجالس بلدية في مدينة خان يونس، حيث بدأت الحكومة العثمانية في تنظيم هياكل بلدية في عام 1874، ومنذ ذلك الحين شكَّلت المدينة عدداً من المجالس البلدية.

لعبت مدينة خان يونس دوراً بارزاً في الأحداث التاريخية والعسكرية، ومن بين هذه المشاركات البارزة كان دورها البطولي في صد الغزو البريطاني، قصف البريطانيون قلعتها باستخدام المدافع مما أدى إلى تدمير القلعة، بعد ذلك تجاهل الإنجليز ترميم القلعة نظراً لعدم رغبتهم في استعادة دورها العسكري، ونتيجة لذلك تحولت الأراضي داخل القلعة إلى ملكيات خاصة وقام السكان بإزالة بقايا الخان المدمَّر وأسوار القلعة بشكل تدريجي. في الوقت الحالي لم يتبقَّ من القلعة إلا الواجهة الغربية التي تشكِّل البوابة الرئيسية للقلعة والخان.

بعد حرب عام 1948، استضاف أهالي مدينة خان يونس نحو خمسين ألف لاجئ فلسطيني من إخوانهم الفلسطينيين، هؤلاء اللاجئون لا يزالون يعيشون في معسكرات في المدينة في انتظار العودة إلى مدنهم وقراهم التي فقدوها.

قدمت مدينة خان يونس مساهمة فعالة في حروب عامي 1956 و1967، حيث أبدت إرادة قوية وصموداً لا مثيل له، في عام 1956 تعرضت المدينة لمجزرة بشعة من جيش الاحتلال عقوبةً على صمودها، وبعد حرب عام 1967 منعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المدينة من تجديد بنيتها التحتية بسبب صمودها الأسطوري، نتيجة لذلك أصبحت المدينة في وضع منكوب على الصعيدين الداخلي والخارجي، وبنيتها التحتية ما زالت غير موجودة، وهي ضعيفة، وتعرضت لسياسات الاستيطان والحصار من إسرائيل بهدف منعها من مواصلة النضال والمقاومة.

منذ عودة السلطة الوطنية في عام 1994، بدأت مدينة خان يونس في استعادة وتحسين بنيتها التحتية، حيث نفذت البلدية مجموعة من المشاريع لتطوير المدينة، منها تجديد وتأهيل ورصف الكثير من الشوارع التي تعرضت للتدهور في أثناء فترة الاحتلال الإسرائيلي وأنشأت عدداً من الطرق الجديدة، أُقيمت أيضاً محطتان لتحلية المياه وتجديد الآبار القديمة وتحسين الشبكة المائية المتهالكة، بالإضافة إلى ذلك بدأت المدينة في بناء شبكة صرف صحي تعدّ من أهم مشاريع تطوير البنية التحتية في خان يونس.

عائلات وقرى خان يونس

تتكون تركيبة السكان في مدينة خان يونس من مجموعة متنوعة من العائلات، وتعود أصول وجذور هذه العائلات إلى مناطق مختلفة، بعض هذه العائلات هاجر من مدينة غزة بعد بناء القلعة، ومع توسع العمران حولها وزيادة مساحة البلدة انضم المزيد من العائلات إلى المدينة، ومن أشهر هذه العائلات:

ياسر، وعسقول، وأبو شمالة، وأسعد، والحلاق، وأبو موسى، وجاد الله، وأبو نمر، والشوا، وأبو ستة، واليازوري، وأبو القمصان، وكلاب، وأبو جراد-الحلبي، والبس، ودحلان، والفاضي، وأبو قوطة، والزقزوق، والآغا، وأبو شقرة، وحمدان، والجبور، وأبو جرب، والبحيصي، وأبو شاويش، والعقاد، وأبو ستة، وأبو بكرة، وأبو شريتح، وأبو الخير، وفارس، والسنوار، وشاميه، والسيار، والزقان.

أما بالنسبة إلى القرى فتوجد في خان يونس قرية القرارة وتُعد من أجمل الأماكن في قطاع غزة بفضل هوائها النقي وأجوائها الهادئة مما يجعلها وجهة شهيرة للسكان في القطاع، تقع هذه البلدة في شرق مدينة خان يونس وتشمل مناطق أخرى مثل بلدة بني سهيلا وبلدة عبسان الكبيرة وعبسان الصغيرة وبلدة خزاعة ومعن وقيزان النجار والسطر الغربي والشرقي.

أبرز المعالم التاريخية في خان يونس:

قلعة برقوق

قلعة برقوق الأثرية تقع في قلب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، ولطالما بقيت شاهداً متجدداً على التاريخ لمدة تزيد على 632 عاماً.

تقع قلعة برقوق على بُعد نحو 20 كيلومتراً من الحدود بين مصر وفلسطين، وتعد واجهة تربط بين القاهرة ودمشق وقطاع غزة، بُنيت القلعة بهدف توفير الحماية للمدينة وكذلك كنقطة التقاء للتجار والمسافرين الذين كانوا يتجهون إلى كبرى عواصم الدولة المملوكية في العصور القديمة، يتميز تصميم القلعة بشكل مربع وهي تحظى بعناية خاصة من جمعية القلعة لرعاية التراث تحت إشراف يحيى الفرا، الذي يبلغ من العمر 75 عاماً والذي كان يسهر على الحفاظ على هذا الموقع التاريخي.

يقول الفرا إن القلعة تتألف من طابقين، حيث يتضمن الطابق الأول مجموعة من المخازن ومساحات مخصصة لإيواء الحيوانات ومبيت الدواب، أما الطابق الثاني فيحتوي على مجموعة من الغرف المتعددة التي كانت تُستخدم لراحة الأشخاص الذين اعتادوا الإقامة في القلعة في الماضي، بالإضافة إلى ذلك يضم الطابق الثاني مسجداً يقع على الجانب الأيسر من البوابة الرئيسية للقلعة. تتزين جدران القلعة ببعض النقوش القديمة التي يُعتقد أنها تعود إلى عصر المماليك.

مقام إبراهيم الخليل

مقام إبراهيم الخليل يقع في قرية عبسان الكبيرة وبالقرب من هذا المقام يمكن العثور على أرضية فسيفسائية ملونة تتميز بجمالها، تتضمن رسوماً متنوعة تمثل طيوراً وأوراقاً نباتية ولفائف مزخرفة متقَنة، تحتوي أيضاً على كتابات وزخارف تصويرية تمثل الصليب المعقوف المعروف بالمفروكة. يعود تاريخ هذه الأرضية إلى عام 606 ميلادي.

النشاط الاقتصادي في خان يونس

بالنسبة إلى التجارة: تمتلك مدينة خان يونس موقعاً جغرافياً مهماً حيث تلتقي البيئة الزراعية مع البيئة الصحراوية، مما أسهم في تعزيز التجارة في هذه المنطقة، ولعب رأس المال دوراً حاسماً في إقامة المراكز التجارية في المدينة، وقد أسهمت الحوالات المالية التي أرسلها المغتربون من سكان المدينة إلى أقاربهم في تعزيز هذا النشاط التجاري، بالإضافة إلى ذلك انتشرت المحلات التجارية داخل الأحياء السكنية، وتُعقد سوق الأربعاء بانتظام وتعدّ واحدة من كبرى الأسواق التي تُقام في قطاع غزة وتتنافس فقط مع سوق السبت التي تُعقد في مدينة رفح.

بالنسبة إلى الصناعة: قطاع الصناعة في مدينة خان يونس متميز بحجمه الصغير، حيث تسود الصناعات الخفيفة التي لا تتطلب استثمارات رأسمالية كبيرة أو معرفة تقنية متقدمة، يشمل هذا القطاع صناعات، مثل صناعة الألبان والخبز والحلويات وغزل الصوف والتجارة والحدادة وورش العمل المتنوع. أُقيمت صناعات أخرى في الفترة الأخيرة مثل صناعة الأغذية والصناعات الكيميائية والسجاد والملابس ومواد البناء وصناعة الأخشاب، ويجدر بالذكر أن صناعة النسيج والأقمشة ازدادت ازدهاراً منذ الخمسينيات والستينيات بفضل جهود أبناء مدينة المجدل وعسقلان الذين هاجروا إلى المدينة بعد النكبة في عام 1948.

بالنسبة إلى الزراعة: جزء من سكان مدينة خان يونس يعمل في مجال الزراعة وتربية الحيوانات، ومن المحاصيل الزراعية الرئيسية في المدينة الحبوب مثل القمح والشعير، بالإضافة إلى زراعة الخضراوات وبعض محاصيل الفاكهة مثل البطيخ والشمام والحمضيات واللوز والزيتون والقصب.

المناخ في خان يونس

إقليم خان يونس يتأثر بالمناخ الصحراوي المتوسطي ويمتد في الجزء الجنوبي من قطاع غزة، وعلى الرغم من وجودها على ساحل البحر المتوسط وتأثرها بالمناخ المعتدل والرطب، فإن موقعها الجنوبي يقلل من تأثير الأمطار الشتوية الناتجة عن الرياح الجنوبية الغربية، ومع ذلك نلاحظ تأثير نسيم البحر الذي يلطف من حرارة الصيف ويهب في الفترة الصباحية مما يسهم في تحسين الظروف المناخية في المنطقة.

معركة خان يونس

معركة خان يونس المعروفة أيضاً بـ"Han Yunus Muhaberesi" باللغة التركية، وقعت في 28 أكتوبر/تشرين الأول 1516 بين الدولة العثمانية والمماليك، خلال هذه المعركة هاجم المماليك بقيادة جان بردي الغزالي، القوات العثمانية التي كانت تسعى للعبور عبر غزة في طريقها إلى مصر، تمكن الجيش العثماني بقيادة سنان باشا الخادم من تحقيق النصر في هذه المعركة، حيث أُصيب قائد المماليك الغزالي خلال المعركة وعاد البقية من جيشه إلى القاهرة بعد الهزيمة.

خان يونس في ظل الاحتلال الإسرائيلي

سيطرت سلطات الاحتلال على جزء كبير من أراضي مدينة خان يونس واستخدمتها لبناء المستوطنات، تشكل مستوطنة غوش قطيف تجمعاً استيطانياً كبيراً في قطاع غزة، حيث تمتد على طول الساحل من حدود دير البلح إلى الحدود الدولية في رفح، هذه المستوطنة تستولي على معظم الأراضي الغربية لمدينة خان يونس وتفصل المدينة ومخيمها عن الوصول إلى شاطئ البحر. في سبتمبر/أيلول 2005، حرِّرت المستوطنة من الاحتلال. ويبلغ عدد سكان مدينة خان يونس، حسب إحصائيات 2017، نحو 370.638 ألف نسمة.

TRT عربي