"صفقة شاليط ستكون مجرَّد لعبة أمام ما قد يجري"، هكذا عبّرت عائلات عدد كبير من الإسرائيليين في كتاب أرسلته إلى وزارة الخارجية في تل أبيب، عن واقع يثير كثيراً من القلق والهلع في إسرائيل، بعدما رُصدت عائلات يهودية حاصلة على جنسية إسرائيلية وأمريكية وكندية، في طريقها من غواتيمالا إلى إيران.
يدور الحديث عن طائفة "ليف طهور"، بما يعني باللغة العربية "القلب الطاهر"، وهي جالية يهودية شديدة التديُّن، كانت غادرت إسرائيل بسبب "خلاف آيديولوجي" خلال تسعينيات القرن الماضي، وتشتت بين غواتيمالا والولايات المتحدة وكندا، ويحمل أغلب أعضائها جنسية إسرائيلية، أو جنسيات مزدوجة (إسرائيلية-أمريكية).
وتشير مواقع عبرية إلى أن الطائفة المذكورة التي يدور حولها جدل كبير بسبب تشدُّدها وتديُّنها، لا تعترف بالصهيوينية "التي تسيطر على الأرض المقدسة".
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إن "الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تكثّفان الجهود في هذه الأثناء لمنع أبناء الجالية اليهودية في غواتيمالا من الهجرة إلى إيران، بعد رصد عشرات العائلات في المطار، يقصدون الحدود الإيرانية مع إقليم شماليّ العراق".
وأشارت إلى أن "بعض أقارب هذه العائلات توجهوا بنداء إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية للتواصل الفوري مع السلطات في غواتيمالا من أجل إغلاق حدود الدولة في وجوههم".
ضربة سياسية وأمنية
ونقلت عن بعض العائلات قولهم: "وصولهم إلى تلك المناطق من شأنه أن يؤدّي إلى ضربة سياسية وأمنية، صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل التي أفرج فيها عن الجندي جلعاد شاليط ستكون أشبه بلعبة أمام ما قد يجري".
وذكرت أن "الخارجية الأمريكية أيضاً تكثّف جهودها في هذا الموضوع، خشية من اختطاف هذه العائلات على يد إيران واستخدامها كورقة للضغط على تل أبيب وواشنطن".
وأكد أقارب بعض يهود "ليف طهور" أن عائلات فيها أطفال يحملون الجنسية الإسرائيلية يحاولون الهرب إلى حدود إيران مع إقليم شمال العراق".
واعتقلت سلطات غواتيمالا قبل أيامٍ مجموعةً من أبناء الجالية اليهودية يحملون الجنسية الأمريكية، من ضمنهم أطفال كانوا في طريقهم إلى إيران، "هناك خططوا -كما اتضح من التحقيق معهم- لطلب اللجوء السياسي".
وأشارت "يديعوت أحرونوت" إلى أنّ الولايات المتحدة هي التي طلبت من سلطات غواتيمالا إلقاء القبض عليهم.
مشكلة كبيرة
ونقلت الصحيفة عن "ر"، أحد أعضاء الجالية، قوله إن "ابنته مختفية منذ أسبوع، أخشى كثيراً على مصيرها ومصير أبنائها، في كل لحظة يزداد الخطر المحدق بهم، إيران خطيرة على حياتهم أكثر من الواقع الذي يعيشون فيه الآن".
وأضاف: "هناك مشكلة كبيرة جداً، عندما يتصلون بي يشتكون من آلام في البطن ومشاعر غريبة، لا يأكلون اللحم، ويتلقون أنواعاً من الدواء، لا أعرف تماماً ماذا يجري معهم في غواتيمالا".
وأشار إلى أن ابنته "التي تعيش في غواتيمالا مع شتات اليهود هناك، مؤمنة بالطريق الذي تسلكه، لا تستجيب لنداءاتنا، إنها مؤمنة بأن طريقها سوف يساعد على خروج المسيح".
استقبال المسيح عند حدود إيران!
وحسب "يديعوت أحرونوت" فإن معظم أبناء هذه الطائفة يحملون جنسية إسرائيلية، وتشير إلى أن معظم أطفال العائلات المهاجرة لا يسجَّلون رسمياً في الدولة، كما لا يُوثَّق وجودهم عن قصد، خشية اعتقالهم حال توقيف عائلاتهم.
وخشيةً من المساعي الأمريكية وخوفاً من اعتقالات إضافية في صفوفهم، بدأت الجالية اليهودية تستعدّ للهجرة إلى شماليّ العراق، بخاصة منطقة أربيل وقرب الحدود مع إيران.
ويؤمن أعضاء "ليف طهور" اليهود الذين يعيش بعضهم اليوم في منطقة "سانتا روزي" في غواتيمالا بمعتقدات دينية متشددة".
كما يؤمن أعضاء الجالية بأن "تلك المنطقة هي بابل القديمة، والمسيح المنتظر سيخرج منها بالأساس"، وقد أوفدت عدداً من أبنائها إلى المنطقة لشراء الأراضي "وتمهيد الأرضية" لاستقبال المسيح، ثم بدأت تتوالى الهجرات إلى هناك.
ونقلت الصحيفة العبرية عن عدد من أقارب يهود "ليف طهور" خشيتهم من عبور أقاربهم تلك المناطق القريبة من حدود إيران، بخاصة في ظلّ زعمهم وجود عناصر من تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة.
لجوء بإيران وولاء تامّ لخامنئي
وتفيد ملفّات كشفتها محاكم أمريكية بأن "أبناء الجالية اليهودية وجّهوا رسائل باللغة العبرية والإنجليزية والعربية إلى السلطات في إيران، طالبين منحهم اللجوء السياسي، وذلك عام 2018".
وحسب الملفات فإن "اليهود أعلنوا الولاء التامّ للمرشد الأعلى في إيران على خامنئي، وطلبوا منه قبول منحهم اللجوء السياسي، وتوفير الحماية لحقّهم في أداء الشعائر الدينية، والحماية من السلطات الصهيونية التي تسيطر على الأرض المقدسة"، في إشارة إلى إسرائيل.
وأظهر اليهود أنفسهم في الكتاب الموجَّه إلى المرشد الإيراني بأنهم "يهود على ولاء تامّ للرب ولتعاليم التوراة الحقيقية، يحملون لواء الحرب على الصهيونية وسيطرتها على بيت المقدس وعلى الشعب اليهودي، وأنهم يُلاحَقون بسبب إيمانهم هذا".
وقالت "يديعوت أحرونوت" إن أبناء الجالية تَلقَّوا ردّاً باللغة العربية بأنهم "مدعوُّون إلى إيران".
وتقول السلطات الإسرائيلية إنها تفعل كل ما بوسعها من أجل منع وصول هؤلاء اليهود إلى إيران، بخاصة أنه ثبت أن عدداً كبيراً منهم يحملون الجنسية الإسرائيلية.
تاريخ "القلب الطاهر"
شكّل هذه المجموعة شخص يهودي يُدعى "شلومو هيلبرنتس"، وهو ابن عائلة علمانية، بدأ في مرحلة شبابه التديُّن، وتَعلَّم في مدرسة "إيتاري" لليهود المتدينين في القدس المحتلة، وخلال الثمانينيات من القرن الماضي شكّل هذه الطائفة في القدس أيضاً.
في تلك الحقبة الزمنية بدأ شلومو جمع عدد كبير من المؤيدين له حوله، وبدأ في إطلاق شعارات واضحة ضد إسرائيل والصهيونية، وفي عام 2017 صنّفَت إسرائيل هذه الطائفة على أنها "طائفة عدوانية" بقرار من المحكمة.
عام 1990 فتحت السلطات الإسرائيلية كجزء من الملاحقة، تحقيقاً ضدّ شلومو هيلبرنتس بشبهة التعاون مع عناصر إسلامية في جُنَح تمسّ أمن الدولة، وقد هرب إلى الولايات المتحدة مع عشرات من مؤيديه بجوازات سفر مزيفة.
وخطط زعيم الجالية اليهودية لنقل أبناء جاليته إلى غواتيمالا بعدما بدأت السلطات الكندية ملاحقته بعدما فرّوا إليها، وفي غواتيملا لم يَسلَموا أيضاً، إذ بدأت سلطات مدينة سان خوان ملاحقتهم بشبهة "السعي إلى نشر معتقداتهم الدينية".