تفجيرات البيجر وأجهزة الاتصال.. هجوم سيبراني أم ثغرة أمنية؟
عقب إعلان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توسيع أهداف الحرب الراهنة لتشمل "إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم" بالأمس، حدثت سلسلة متزامنة من الانفجارات الغامضة اجتاحت مناطق متفرقة في لبنان، إذ انفجرت أجهزة اتصال محمولة خاصة ف أيدي من يحملونها.
تفجيرات البيجر.. اختراق سيبراني أم تخريب عسكري؟ / صورة: AFP (AFP)

ولم يكن عددها قليلاً ليُعتبر استهدافاً لأشخاص بعينهم، بل تفجرت آلاف من أجهزة "بيجر" التي يستخدمها عدد كبير من أعضاء حزب الله في الاتصالات، ما أسفر عن مقتل 12 شخصاً على الأقل وإصابة نحو 2800 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، وفق وزارة الصحة اللبنانية.

تبع ذلك اليوم سلسلة جديدة من الانفجارات في أجهزة اتصال لاسلكية من نوع آخر "ووكي توكي أيكوم" ومختلفة عن التي انفجرت أمس، ما أسفر عن سقوط عدد من القتلى وإصابة العشرات. ونقلت رويترز عن مصدر أمني أن حزب الله اشترى هذه الأجهزة قبل 5 أشهر من وقت شرائه أجهزة البيجر تقريباً.

وبالأمس قال حزب الله اللبناني، إن أجهزته المختصة تُجري تحقيقاً واسع النطاق أمنياً وعلمياً لمعرفة سبب الانفجارات المتزامنة في أجهزة اتصاله، وفي بيان لاحق، أعلن أنه "بعد التدقيق في كل الحقائق والمعطيات والمعلومات المتوافرة حول الاعتداء الغادر الذي حصل بعد ظهر اليوم، فإننا نحمّل العدو الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان الإجرامي الذي استهدف المدنيين أيضاً، وأدى إلى استشهاد عدد من المواطنين".

هجوم سيبراني أم تفخيخ مسبق؟

بحسب تقرير لموقع إيه بي سي نيوز الأمريكي، فإن تفجير أجهزة البيجر عن بُعد، التي كان يحملها عناصر حزب الله في لبنان لم يعطل فقط عنصراً رئيسياً من اتصالات الحزب، وأدى إلى مقتل وجرح العديد منهم، بل كشف أيضاً عن هوية الأعضاء.

وقال مصدر مقرّب من حزب الله للوكالة الفرنسية في وقت سابق الثلاثاء، طالباً عدم الكشف عن هويته، إن الأجهزة التي انفجرت "وصلت عبر شحنة استوردها حزب الله مؤخراً تحتوي على ألف جهاز"، ويبدو أنه "جرى اختراقها من المصدر".

وأشارت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها بعد عمليات الانفجار بساعات، إلى أن أجهزة النداء هذه تصنعها شركة غولد أبولو في تايوان، وأن العديد من تلك الأجهزة المتضررة، كانت من شحنة جديدة تلقاها حزب الله في الأيام الأخيرة.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين "وآخرين" لم تسمّهم أن إسرائيل عبثت بهذه الأجهزة قبل وصولها إلى لبنان من خلال زرع كمية صغيرة من المتفجرات بداخل كل منها، وأوضح اثنان من المسؤولين أن المادة المتفجرة، التي لا يتجاوز وزنها أونصة أو اثنتين، كانت مزروعة بجوار البطارية في كل جهاز استدعاء، كما ضُمّنت مفتاحاً يمكن تشغيله عن بعد للتفجير.

وردّاً على تقرير الصحيفة قال رئيس الشركة التايوانية هسو تشين-كوانغ في تصريحات اليوم : "هذه ليست منتجاتنا من البداية إلى النهاية"، موضحاً أنها صُنعت بوساطة شركة أخرى، وهي شركة(BAC)، التي تقع في بودابست، وأنها صنعت أجهزة النداء بموجب ترخيص.

بدورها، قالت وزارة الاقتصاد التايوانية، إنه لا سجل للتصدير المباشر إلى لبنان، وأضافت أنها ترجح إدخال تعديل على الأجهزة بعد تصديرها.

وقال خبراء مستقلون في مجال الأمن السيبراني درسوا لقطات من الهجمات للصحيفة، إنه من الواضح أن قوة وسرعة الانفجارات ناجمة عن نوع من المواد المتفجرة. وأوضح ميكو هيبونين، متخصص في الأبحاث في شركة البرمجيات WithSecure ومستشار الجرائم الإلكترونية في اليوروبول: "من المرجح أن تكون هذه الأجهزة قد عُدلت بطريقة ما للتسبب في هذا النوع من الانفجارات، إذ يشير حجم وقوة الانفجار إلى أنه لم يكن بسبب البطارية فقط".

"الاختراق الإلكتروني مستبعد"

بينما قال روبرت جراهام ، الرئيس التنفيذي لشركة الأمن السيبراني الأمريكية إراتا سيكيوريتي، لصحيفة وول ستريت جورنال، "إنه من المحتمل أن يكون القراصنة قد تسببوا في انفجار البطاريات داخل أجهزة الاتصال بصفحة تحتوي على كود خبيث، لكن هذا سيكون صعباً للغاية"، مضيفاً أنهم في هذه الحالة سيحتاجون إلى معرفة طراز الأجهزة والعلامة التجارية لها، ولن يكون التأثير قوياً كما تشير مقاطع الفيديو للانفجارات. ووفقاً لجراهام فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو اعتراض شحنة من أجهزة النداء من الشركة المصنعة لها في أثناء ذهابها إلى وجهتها، ووضع متفجرات داخلها إلى جانب برمجيات خبيثة.

قالت إميلي هاردينج، نائبة مدير برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في حديثها مع صحيفة واشنطن بوست، إنه غير مرجح أن ما حدث هجوم إلكتروني بالنظر إلى طبيعة أجهزة الاستدعاء "المنخفضة التقنية للغاية"، والتي يستخدمها أعضاء حزب الله جزئياً لتجنب المراقبة الرقمية، إذ لا تستطيع التقاط الصوت ولا تحتوي على كاميرات، وبالتالي فهي تشكل خطراً أقل من الهواتف المحمولة عندما يتعلق الأمر بمراقبة الحركات والاجتماعات. وأردفت يبدو أن إسرائيل قد تسللت إلى سلسلة التوريد التي يستخدمها حزب الله لأجهزة الاتصال الخاصة به، ووجدت طريقة لتفخيخها.

من جهته قال الخبير في مجال البرمجيات وأمن المعلومات مراد علوان، إن ما يتردد حول أن ما حدث هو اختراق ترددات أجهزة يستخدمها عناصر من حزب الله وتحميل هذه الترددات بطاقة إضافية، أدت إلى تسخين البطاريات، ومن ثم انفجارها تقنياً فرضية غير منطقية وغير واقعية إطلاقاً.

وأشار في حديثه لـTRT عربي إلى أن الحديث المتداول عن تلك الأجهزة أنها قابلة للانفجار ويُتحكم بها عن بعد، وبطبيعة الأحوال أجهزة التليفون المحمول أو اللاسلكي هي أجهزة إلكترونية ليست قابلة للانفجار بحد ذاتها، فهي ليست قنابل موقوتة.

وتابع: "ربما الجزء الوحيد في هذه الأجهزة القابل للاشتعال هي بطاريات الليثيوم، وربما لسبب ما قد تنتفخ وتشتعل، ولكن لا يمكننا أن نقول، إنها تؤدي إلى انفجار مثل الذي رأيناه في الفيديوهات، وأعتقد أن هذه الأجهزة هي مفخخة سلفاً، وجرى تفجيرها عن بعد".

بدوره قال المحلل الأمني، إيلياً مانييه، في تصريحات للوكالة الفرنسية، إن هذه العملية تعتبر "خللاً أمنياً كبيراً" فقد استهدفت الأجهزة عبر إدخال متفجرات متناهية الصغر داخلها، وتفجيرها بوسائل تقنية متقدمة، معتقداً أن الهجوم جرى الإعداد له على مدى شهور، وربما سنوات، ما يعكس تعقيد العملية ودقتها.

وفي تحليل نشره الخبير الأمني والمحلل السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، مايك ديمينو، على منصة إكس، قال، إن العملاء تمكنوا من التسلل إلى نظام التوريد وإضافة المتفجرات إلى الأجهزة من دون إثارة الشبهات، ما يعني في رأيه أن "جهاز الموساد (الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية المسؤولة عن العمليات الخاصة) اخترق سلسلة التوريد".

"إسرائيل وراء التفجير"

كشف موقع المونيتور الأمريكي عن مصادر "استخباراتية إقليمية رفيعة المستوى" أن إسرائيل نفذت هجومها بأجهزة البيجر في لبنان بعد أن جمعت معلومات استخباراتية تفيد بأن اثنين من أعضاء حزب الله اكتشفا اختراق الأجهزة.

وأشار الموقع إلى أن قرار تنفيذ العملية فُرض على إسرائيل بسبب هذا الخرق الاستخباراتي "قبل فوات الأوان". وذكر أن آلاف الأجهزة التي حصل عليها حزب الله فخختها إسرائيل قبل تسليمها للحزب، وأن الخطة الأصلية الإسرائيلية كانت تقضي بتفجير الأجهزة في حال اندلاع حرب شاملة مع حزب الله من أجل تحقيق تفوق استراتيجي.

وبينما لم تتبنَّ إسرائيل العملية أو تعلق بشأنها حتى الآن قالت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، إن تفجير الآلاف من أجهزة البيجر التابعة لحزب الله في لبنان، تقف وراءه "جهتان في إسرائيل"،وذكرت أن الاستهداف الذي طال عناصر حزب الله في جميع أنحاء لبنان، كان "نتيجة عملية مشتركة بين جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) والجيش".

وأكد موقع "والا" العبري مساء الثلاثاء أن إسرائيل هي من تقف وراء الهجوم، ونقل عن مصدر إسرائيلي مطلع على التفاصيل قوله "جرت الموافقة على عملية تفجير أجهزة اللاسلكي من نوع بيجر ببداية الأسبوع، في إطار سلسلة من المشاورات الأمنية التي أجراها نتنياهو مع عدد من كبار الوزراء ورؤساء المؤسسة الأمنية وأجهزة المخابرات".

وذكر الموقع أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره الأمريكي لويد أوستن قبل دقائق من تفجير أجهزة الاتصال (البيجر)، ونقل عن مسؤول أمريكي، لم يسمه، أن غالانت أخبر نظيره الأمريكي بأن إسرائيل تعمل على تنفيذ عملية صعبة في لبنان قريباً، ورفض تزويده بمزيد من التفاصيل بشأن الهدف وكيفية التنفيذ.

بينما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، إن الولايات المتحدة "لم تكن على علم مسبق، ولم يكن لها أي دور" في الانفجارات المتزامنة لأجهزة اتصال تابعة لحزب الله في لبنان، رافضاً التعليق على الشكوك في أن إسرائيل "تقف وراء التفجيرات".

TRT عربي - وكالات