بين المعاصرة والتقليدية.. ما هي أساليب التربية الأصلح للأطفال؟
يرى بعض الاختصاصيين أنّ التربية تبدأ قبل الولادة، إذ يربطون عصبية الرضّع بمزاج الأم السيئ وهي حامل، ويستشرفون المخاوف التي يجب أن تستعدّ لها الأم وكيفية التعامل وغيرها من التفاصيل والمراحل.
مجموعات الأمهات / صورة: Getty Images (Getty Images)

انتشرت خلال السنوات الأخيرة عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي حسابات عديدة تعود لاختصاصيين في مجال التربية وآخرين في علم الاجتماع والنفس وأطباء أطفال، ليقدموا مقاطع مصورة وحلقات ومقالات تشرح تفاصيل التعامل مع الطفل.

ويرى بعض الاختصاصيين أنّ التربية تبدأ قبل الولادة، إذ يربطون عصبية الرضّع بمزاج الأم السيئ وهي حامل، ويستشرفون المخاوف التي يجب أن تستعدّ لها الأم وكيفية التعامل وغيرها من التفاصيل والمراحل.

ويقدّم خبراء التربية تعليمات عديدة مستخدمين عناوين بارزة ولافتة حول "التعامل مع الطفل أثناء غضبه"، "وجوب منع الماء عن الرضيع حتى عمر الثلاثة أشهر"، "التربية الجنسية للطفل تبدأ من عمر كذا.."، وغيرها.

وتميل الأمهات من الجيل الجديد إلى اتباع إرشادات هؤلاء المختصّين، في حين يتصادمن مع من سبقهنّ خبرةً في الحياة، فباتت التربية الحديثة تجذب البعض من جهة، في حين تتمسّك فئة كبيرة بالطريقة التقليدية.

التقليدية.. "أخطاء لا تُغتفر"

ويرى اختصاصيون أنّ هناك مؤشرات عديدة على الأساليب التقليدية لتربية الأطفال، لاسيّما استخدام العنف، إذ كشفت المختصّة في تصحيح النطق (الأرطوفونيا)، الدكتورة رزيقة كركاش، أنّ معظم حالات الأطفال الذين يعانون صعوبة النطق أو تأخره، يجري تشخيصهم بتعرضهم للصدمات جراء العنف سواء كان مادياً أو معنوياً.

وتشير الدكتورة رزيقة في حديثها مع TRT عربي، إلى أنّ "رغم كل الحملات التي ننفذها لاعتماد الطرق الحديثة في التربية، إلّا أنّ كثيراً من الآباء لا يزالون يعتمدون طرق أمهاتهم".

وتؤكد أنّ الجميع يدرك اليوم بأنّ الصراخ في وجه الطفل قد يتسبب له في إعاقة نفسية، حيث يتشاجر بعض الآباء أمام أبنائهم وهم رُضع، أو يعنّف الرجل زوجته أمام ابنه، متسائلةً: لماذا يكرّر البعض ذلك؟ وكيف يمكن للطفل أن يكبر سوياً؟.

بدوره يعرب المختص في علم نفس الأطفال، الدكتور محمد عبدالإله، عن استغرابه من بعض الآباء الذين يتمسّكون بإملاءات التربية التقليدية، ويقول: "تصادمت في أكثر من مناسبة مع أم تقول إنّ ابنها لا يسمع الكلام إلا بالضرب، ثم تشتكي اضطرابه".

ويضيف الدكتور عبدالإله لـTRT عربي: "على آباء اليوم أن يؤسّسوا أنفسهم في أساليب التربية الحديثة؛ لأنّ هناك جيوشاً من الباحثين الذين يهدرون جهدهم ووقتهم ليمنحوا زبدة نتائجهم لتطوير الفرد والمجتمع".

وينصح مختص علم نفس الأطفال بـ"التكوين والتأهيل"، معتبراً أنّ الأمومة والأبوة شعور فطري، لكنّ التربية تحتاج إلى أشخاص مطّلعين بما يكفي، لافتاً إلى أنّه "لا يمكن الاتكال على الفطرة في تربية أطفال أسوياء".

من جهتها ترى المختصة في علم النفس والأمراض العصبية، الدكتورة صفاء إبراهيم، أنّ معظم الأشخاص الذين يتعالجون اليوم من مختلف الأمراض النفسية والعصبية عانوا "تربيةً تقليدية خاطئة".

وتضيف الدكتورة صفاء لـTRT عربي: "يؤلمني وأنا أسمع قصصاً من شباب بعمر العشرين والثلاثين وهم يتخبطون وسط عُقد وصعوبات في الحياة؛ بسبب طفولتهم، والتعامل الخاطئ مع صدماتهم من قبل أوليائهم".

الأساليب الحديثة.. "دلال زائد"

وترى مديرة إحدى المدارس الخاصة ليلى بن ضبيان، أنّ "ملامح فساد المجتمع بدأت تظهر مع ظهور ما يُعرف بالتربية الحديثة"، محملةً ما وصفته بـ"التّسيب المجتمعي" للأولياء الذين حادوا عن الطرق الكلاسيكية في التعامل مع الأبناء.

وفي حديثها مع TRT عربي، تشير بن ضبيان -وهي دكتورة في علم الاجتماع- إلى أنّ "الدول اليوم انساقت خلف موجة التربية الحديثة، وجرى تفعيل قوانين أفسدت كثيراً مما بناه آباؤنا".

وحول ذلك تستشهد بـ"القوانين الرادعة للمعلم والتي تمنعه من رفع صوته في وجه التلاميذ أو معاقبتهم، حيث جعلت ظاهرة التطاول على الأساتذة منتشرة"، لافتةً بالقول: "انتشرت قصص لم نكن نسمع بها سابقاً، لذلك لا أستغرب تدني مستوى التعليم".

وتعتقد أنّ "هيبة الأستاذ في التربية القديمة من هيبة الأولياء، لذلك تُسمى المدارس بالمؤسسات التربوية، وأنّ الشدّة علاج وأسلوب ناجع في كثير من الأحيان"، متسائلةً: كيف يمكن للطالب المراهق أن يعرف الصح من الخطأ، إذا تعاملنا معه بلطافة زائدة غير مبرّرة؟

وتصف المختصة في علم الاجتماع "التربية الحديثة بأنّها دلال زائد للأطفال، ستعاني المجتمعات من نتائجه فعلياً بعد عقدين أو ثلاثة من الزمن".

وتؤكد بن ضبيان أنّ التربية الحديثة "مجرد تسويق جعل كثيراً من الانتهازيين يفتحون مراكز يسمونها إعادة التأهيل النفسي أو مراكز استشارات أو تدريبات للآباء، وكل هذا بغرض نهب المال تحت مسمى التربية المعاصرة"، على حدّ قولها.

مسؤولية عظيمة

ويرى بعض اختصاصيي التربية أنّ الدمج بين أساليب التربية التقليدية والحديثة يمكن أن يكون الحل الأمثل في تحقيق تربية سوية للأطفال، إذ تقول السيدة كريمة الهاشمي شرقي، وهي مسؤولة قسم الرُّضع في إحدى رياض الأطفال: "رغم أنّني ربيت ثلاثة أجيال وأنا اليوم جدّة، فإنّني أحترم كثيراً قواعد التربية الحديثة، حتى إنّني أطالع بشكل يومي في هذا المجال".

وتشير السيدة كريمة في حديثها مع TRT عربي إلى أنّها "أبقت على الأفكار النافعة في التربية القديمة مثل القيم والمبادئ المجتمعية كالصّدق والعقيدة والاحترام، لكنّها أيضاً تخلّت عن كثير من معتقدات التربية التقليدية، مثل فرض الرأي على الطفل وغيرها".

وتضيف أنّه "لا يمكن تربية الجيل الجديد بعقلية آبائنا؛ لأنّ الظروف اختلفت، ولأنّنا نتعلم من أخطاء سابقينا، فنحن مسؤولون عن إدارة الشراكة في تربية الطفل مع الآباء بغية تحسين الأجيال القادمة وتدارك الأخطاء".

وتؤكّد ضرورة تحسين المعلومات فيما يتعلّق بالتربية المعاصرة، كما تشجّع الآباء على حضور مؤتمرات وقراءة مقالات ومشاهدة فيديوهات تعنى بالتربية.

وتشير السيدة كريمة قائلةً: "نحن نركز في الطّبخ كي لا يفسد الطّبق، نحن نبني جيلاً وهي مسؤولية عظيمة"، متسائلةً: فكيف لا نستثمر وقتنا ومالنا وتركيزنا من أجل الحصول على طفل سوي في المجتمع؟

TRT عربي