غزة ـــ تأخر السفر للعلاج خارج غزة وقلة توافر العلاج في المستشفيات أدت إلى تدهور الحالة الصحية لبعض المرضى والعيش في حالة قلق وخوف دائمين، على الرغم من محاولتهم تجاوز هذه العوائق وإيهام أنفسهم أنهم أقوياء أمام هذا المرض، إلا أن العوائق أقوى منهم.
سفرٌ بعيد المنال
أدهم الغول (46 عاماً) أصيب عام 2005 بسرطان الغدد الليمفاوية. ساندته عائلته لكي يتخطى هذا المرض، إذ يواكب علاجه في مستشفيات إسرائيل منذ إصابته بالمرض، وينتظر الحصول على تصريح من أجل عمل صورة مقطعية ضرورية للكشف عن تطور المرض في الكبد ووجود كتلة شخصها الأطباء في غزة. لكن الجانب الإسرائيلي حرمه من ذلك ولم يرد عليه.
يقول أدهم لـTRT عربي: "منذ بداية العام قدمت طلباً للحصول على تصريح من أجل إجراء الفحوصات لأنني مصاب بسرطان الغدد، وهو سرطان يمكن أن ينتقل لأي جزء من الجسم بسرعة كبيرة، لكنّ الرفض المستمر لطلبي أدخلني في حالة نفسية صعبة جعلتني أشك أن المرض سيطر على جسدي كله ولا أمل لي بالعلاج".
ويضيف قائلاً: "الجانب الإسرائيلي يعلم أننا مرضى ونحتاج إلى علاج غير متوفر في غزة، لكنه يماطل في منحنا التصريحات بالعلاج. إننا نعيش وضعاً نفسياً لنا ولمن حولنا. يستطيع المرضى في كل الدول السفر والتنقل بسهولة للعلاج، إلا في قطاع غزة حيث تضيق بنا السبل من كلا الجانبين المصري والإسرائيلي. هذا الأخير يقول إننا تحت الفحص الأمني من أجل قهرنا أكثر فأكثر".
الرفض الإسرائيلي
أمجد أبو الهنود (51 عاماً) مصاب بسرطان الدم منذ تسعة أعوام ويتعرض لمماطلة الإسرائيليين في السماح له بالتنقل إلى مستشفيات الخارج.
يصف أمجد في حديثه لـTRT عربي تأثير ذلك على حالته النفسية: "عندما يتأخر الردّ من الجانب الإسرائيلي نشعر بحزن وقلق شديدين. نتخيّل أن المرض سينتشر بأجسادنا، وحالتنا ستتدهور بسرعة، فبالإضافة إلى آلام المرض، يؤثر القلق الدائم نتيجة هذا علينا وعلى أبنائنا وأهالينا".
ويسترسل قائلاً: "نحن لا نهتم للمرض كثيراً لأنه أصبح مرض العصر في غزة بسبب كثرة الحروب وتلوث البيئة، بل ما يؤلمنا هو عدم القدرة على علاجه بسرعة والسيطرة عليه. وهناك العديد من الحالات التي توفيت بسبب الإهمال الشديد من الجانب الإسرائيلي".
ممنوعان من السفر
مها اللولو (51 عاماً) أصيبت بسرطان الغدد والرحم في عام 2012، ومؤخراً بدأ المرض يظهر بالثدي إذ أجرت عمليات جراحية عدة لاستئصال المرض على نفقتها الشخصية على الرغم من أنها مكلفة جداً. السبب هو منع الجانب الإسرائيلي لها من السفر من أجل العلاج.
تحكي مها لـTRT عربي: "نحن محرومون من السفر للعلاج بدون أسباب واضحة. إسرائيل مصرّة على عدم مراعاة خطورة المرض. في كل مرة أتأخر في أخذ علاجي الخاص أفقد الوعي وأدخل في غيبوبة لأيام أو أسابيع عدة وهذا خطر على حياتي".
وتضيف مها: "هناك حلّ آخر بالسفر إلى مصر، إلا أنه مكلف جداً، ويبلغ الذهاب لمرّةٍ واحدة 3 آلاف دولار وهذا مبلغ لا أستطيع دفعه باستمرار".
أصيب صالح ابن مها البالغ من العمر 25 عاماً بسرطان الدم، وكان يذهب مع والدته للاستفادة من العلاج الكيماوي، لكنّه أيضاً الآن مُنع من السفر، فتضاعفت، بالتالي، الأعباء على الأسرة بوجود مريضي سرطان محرومَين من حقهما في العلاج.
قسوة الشفقة
أصيبت سوزان النحال (38 عاماً) بسرطان الثدي، لكن المعاناة الأصعب بالنسبة لها لم تكن مع المرض نفسه، بل مع المجتمع. كانت لديها قناعةٌ بأنه مرض كجميع الأمراض الأخرى، بل مجرّد مرحلة ستمرّ، لكنّ نظرات الشفقة في عيون الناس كانت تؤلمها أكثر، لهذا حاولت أن تحتوي أطفالها الثلاثة وزوجها لكي تستطيع تخطي أوجاع المرض.
تحكي سوزان لـTRT عربي عن تجربتها: "لم يكن يهمني المرض على الإطلاق، لكنّ نظرات الناس وتناقلهم للكلام عن مرضي، واعتقادهم أن نهايته الحتمية هي الموت كان له كبير الوقع على أطفالي الذي يخبرونني بما يسمعونه من الجيران".
وتضيف سوزان: "كنت أخبرهم أنني سوف أتغير مع مرور الوقت، وأنني سأفقد شعري بسبب العلاج، كأنما كنت أعدهم نفسياً لما سيحدث. زوجي وأطفالي متقبلون لمرضي، ويقدرون قوتي وشجاعتي في مواجهة المرض".
مجتمع مريضات السرطان
كفاية شحادة (49 عاماً) أصيبت بسرطان الثدي منذ ثمانية أعوام. السرطان، في المجتمع الغزي، يعني الموت الحتمي. إلا أن مؤسسة بسمة أمل لرعاية مرضى السرطان غيرت هذه الفكرة.
تعقد "بسمة أمل" جلسات توعوية للسيدات حول التعامل مع سرطان الثدي. كما تعتبر هذه فرصة لهن لكي يجتمعن ويحكين عن همومهن وآلامهن.
تحكي كفاية شحادة لـTRT عربي: "أصبحت لديّ صديقات مصابات بنفس مرضي، نرى بعضنا هنا بشكل مستمرّ، كما أنشأنا مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك لكي نتحدث معاً ونستشير بعضنا في أمور العلاج ونستفيد من تجارب بعضنا. أشعر بالثقة والراحة معهن لأنهم يتفهمن وضعي ويشعرن بما أشعر به. قضاء وقت طويل معهن هو بمثابة دعم نفسي ومعنوي لي".
الدعم النفسي شفاء
ترافق الإخصائية الاجتماعية والنفسية نفين البربري مريضات السرطان منذ خمس سنوات، وتواكب تطور حالاتهنّ النفسية والاجتماعية، بخاصة في ظل وجود عوائق كثيرة تواجههن في غزة، سواء من ناحية حرمانهنّ من العلاج، أو من ناحية نظرة المجتمع.
تقول نفين لـTRT عربي: "عدم توافر العلاج والحصول على تصاريح للسفر يجعل المريض يعيش في حالة قلق وتوتر وانفعال شديد بسبب الانتظار، وهذا الأمر يؤثر على حالته الصحية، بل إنه يثير الخلايا السرطانية في جسده. أؤكد دائماً أن بين الحالة النفسية والصحية لمريض السرطان ارتباطاً كبيراً، لهذا نقوم بعمل جلسات مستمرة من أجل دعم هؤلاء ومساعدتهم على التخلص من القلق والخوف على حالتهم الصحية إلى حين سفرهم للعلاج أو توفره لهم".
كشفت وزارة الصحة عن تزايد عدد مرضى السرطان في قطاع غزة ليصل إلى 12.600 مريض و53 % منهم إناث و47 % ذكور، مؤكدةً خطورة واقعهم الإنساني والصحي الذي بات يهدد حقوقهم العلاجية مع استمرار نقص الدواء ومهامهم الطبية.
وأشارت إلى أن 500 حالة مرضية لا تزال أرقاماً في قائمة طويلة تنتظر بفارغ الصبر السماح لها باجتياز حدود قطاع غزة.
مع العلم أن مرضى قطاع غزة يسافرون للعلاج عبر معبر رفح الذي يربط غزة بالأراضي المصرية ومعبر بيت حانون "إيرز" وهو يفصل بين غزة وأراضي الضفة الغربية وإسرائيل.