إن كنت ناشطاً حقوقياً، أو إعلامياً، أو أي مواطن يسعى لبعض من الحرية في تصفح مواقع الويب والهروب من الرقابة، وكنت تستخدم أحد برامج وتطبيقات الشبكات الافتراضية (VPN)، فأنت من ضمن 1.5 مليار مستخدم حول العالم واضعين بياناتهم وكل أسرارهم تحت وصاية تلك الشبكات، فهل الشركات المطورة لتلك البرامج هي محل للثقة؟
قبل الإجابة عن هذا التساؤل نستعرض سريعاً ميزات ما تقدمه تلك الشبكات، التي بسببها يلجأ إليها المستخدمون.
يستخدم الأشخاص شبكات VPN لمجموعة متنوعة من الأسباب، أولها الخصوصية، فهي أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الناس يستخدمون التطبيقات، إذ تنشئ تلك الشبكات اتصالاً مشفراً يخفي نشاط المستخدمين عبر الإنترنت عن مزود خدمة الإنترنت (ISP) وعن أعيُن المتطفلين كذلك.
ووفقاً لاستطلاع أجرته ExpressVPN، أشار 74% من المشاركين إلى أنّ الخصوصية عبر الإنترنت هي السبب الرئيسي لاستخدام VPN.
أمّا السبب الثاني فهو الأمان، إذ توفر VPN للمستخدمين ميزات أمان محسّنة، مثل الحماية من التهديدات السيبرانية كالقرصنة والتصيُّد والبرامج الضارة.
ووجدت دراسة أجرتها PCMag أن 38% من المشاركين استخدموا VPN لأغراض أمنية.
أمّا السبب الثالث فهو الوصول إلى المحتوى المقيد جغرافياً، إذ يستخدم عديد من الأشخاص شبكات VPN للوصول إلى بعض المحتوى المقيد في بلدانهم مثل خدمات البث أو بعض مواقع الويب المحظورة.
مدى موثوقية تلك الشبكات
وفقاً لموقع vpn pro فإنّ عدد الشبكات الافتراضية المتوفرة في الوقت الحالي يبلغ 105، تملكها 24 شركة فقط. وتلك الشركات مقسمة على دول محددة، أغلبها في الصين وروسيا وإسرائيل ودول شرق آسيا.
فعلى سبيل المثال، ما يقرب من ثلث شبكات VPN الشهيرة المخصصة للهاتف المحمول هي في الواقع صينية، يديرها مواطنون صينيون أو تقع في الصين.
توجد أيضاً شركة شهيرة تسمى Kape Technologies، مقرها في لندن، ومملوكة لإسرائيل. وتملك تلك الشركة عديداً من برمجيات وتطبيقات الشبكات الافتراضية الشائعة، مثل ExpressVPN وCyberGhost VPN وPrivate Internet Access وZenMate.
على الصعيد نفسه، تملك شركة j2 Global الإسرائيلية ما لا يقل عن 13 شبكة من شبكات VPN، منها IPVanish وStrongVPN وEncrypt.me وSaferVPN وPerimeter 81 وBuffered VPN.
وبإمكان تلك البرمجيات التي يجري تنصيبها على أجهزة الجوال أو الحواسيب الوصول إلى كل البيانات الرقمية والحيوية، كبصمة الوجه والإصبع والصور الشخصية وحسابات البريد وكلمات المرور وغيرها.
يرى خبراء أن سيطرة إسرائيل التي تتمتع بتاريخ عريض بالتجسس على هذه الشركات يعرض خصوصية المستخدمين لأخطار جسيمة.
أنشطة إسرائيل التجسسية
في مايو/أيار الماضي، سلَّط تقرير لموقع ميدل إيست مونيتور الضوء على أحدث أساليب التجسس الرقمية التي تستخدمها إسرائيل على الفلسطينيين، ما أعاد إلى الأذهان الفضائح التي جرى الكشف عنها في السنوات القليلة الماضية.
وحسب التقرير فإنّ أجهزة الأمن الإسرائيلية تستخدم أنظمة مراقبة عالية التقنية عبر نقاط التفتيش العسكرية التابعة لها في أنحاء الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة. تسمى الأنظمة Red Wolf وBlue Wolf وWolf Pack (الذئب الأحمر، والذئب الأزرق، وحزمة الذئاب).
و"الذئب الأحمر" هو أحدث نظام تستخدمه القوات تحديداً في مدينة الخليل. يعمل النظام من خلال مسح وجوه الفلسطينيين في أثناء مرورهم عبر نقاط التفتيش الأمنية التمييزية دون علمهم أو موافقتهم.
يتطلب عمل النظام تزويده بقواعد بيانات للفلسطينيين، منها بيانات القياسات الحيوية، يجري ذلك من خلال تزويد كل نقطة تفتيش بأكثر من 15000 صورة قادرة على التعرف على الوجوه لكل من يمر من خلال المعبر.
أما نظام "الذئب الأزرق" فهو تطبيق إلكتروني مثبت على هواتف جنود الاحتلال، ويضمن تصوير ومراقبة جميع الفلسطينيين الذين يمرون عبر الحواجز، بمن فيهم الأطفال والعجزة، تساعد بيانات الصور هذه في تحديث قاعدة البيانات الأمنية.
وتعتمد "حزمة الذئب" بشكل أساسي على المعلومات والبيانات التي يوفرها نظاما "الذئب الأحمر" و"الذئب الأزرق" لبناء أكبر قاعدة بيانات ممكنة لمعظم الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
هذا ما تستخدمه إسرائيل في داخل فلسطين، أمّا ما يجري تصديره وتوزيعه على دول أخرى، فأقرب دليل برنامج بيغاسوس الذي طورته شركة NSO وجرى الكشف عن 5000 شخصية حول العالم جرى التجسس عليهم باستخدام هذا البرنامج.
كذلك كشف مختبر Citizen Lab عن برنامج تجسسي جديد من تطوير شركة إسرائيلية تدعى QuaDream، أطلقت على برنامجها اسم Reign.
ووفقاً للمختبر يمكن لبرنامج التجسس هذا تسجيل المكالمات والأصوات الخارجية والتقاط الصور من الكاميرات والبحث في ملفات الجهاز دون علم المستخدم.
كذلك يمكنه إنشاء رموز مصادقة ثنائية، أي كلمات مرور ورموز أمان لتأمين الوصول المستمر إلى الحسابات السحابية لمالك الجهاز.
كما حدد Citizen Lab خوادم تحوي هذا البرنامج في عشر دول تلقت بيانات من أجهزة الضحايا، بما في ذلك إسرائيل وسنغافورة والمكسيك والإمارات العربية المتحدة وبلغاريا.
وقال الباحثون في Citizen Lab: "إن شركة QuaDream سوّقت برامج التجسس التي تنتجها لعملاء حكوميين في سنغافورة والمملكة العربية السعودية والمكسيك وغانا وإندونيسيا والمغرب ودول أخرى".