النقاط والخطوط والزهور والكوفية.. دلالات تاريخية لنقوش الملابس والموضة
تنوعت نقوش الأزياء وألوانها لما لها من دلالات تاريخية واجتماعية واقتصادية وحضارية وحتى سياسية ودينية، فهي تعكس حياة الشعوب وتوجهاتها وأذواقها منذ القدم، والتي أحدثت إبداعات بين مصممي الأقمشة والأزياء نتج عنها توارث ملحوظ في تصاميم تطورت عبر العصور,
أحد التصاميم وتظهر فيه نقش الكوفية الفلسطينية وبعضاً من نقوش الثوب الفلسطيني التقليدي (Others)

ليس غريباً أن نجد تاريخ الموضة اليوم يعود إلى القرن التاسع عشر وأواسط القرن العشرين ومنها ما يعود إلى أقدم من ذلك للقرن السابع والثامن عشر، تلك النقوش القديمة مازالت شعبيتها حاضرة بقوة في يومنا هذا وعند أحدث دور الأزياء والماركات العالمية والتي يقبل عليها الجميع دون تردد لتعيدنا إلى حكاية أو قصة من تاريخ وأصول هذه النقوش الجميلة.

أنواع بعض النقوش وتاريخها

أولاً: نقاط البولكا

يرجح المؤرخون أن اسم هذه النقشة يعود إلى رقصة البولكا التشيكية وهي إحدى أنواع "الروك آند رول"، التي انتشرت في بريطانيا وأميركا في منتصف القرن الماضي، وهي تعني "الخطوات الصغيرة" ويعتقد أن الربط بين الرقصة ونقش النقاط على الأقمشة هو بث الروح الحماسية والفرح وجعل المرأة تعيش أجواء جميلة إلى أن أصبح المنقط موضة العصر وبالتحديد في فترة العشرينيات ونالت إعجاب الفتيات.

الجميل في نقش "المنقط" أنه مناسبة لجميع الأعمار واستخدم في تصاميم الألبسة الرياضية والقمصان الرسمية وربطات العنق والإكسسوار، ولم تعد حكراً على الفتيات بل ظهرت بقوة في الأزياء الرجالية وملابس الأطفال بعد إطلاق شركة والت ديزني ملابس منقطة لفيلمها الكرتوني "ميني ماوس".

ثانياً: نقش الزهور

كان المصريون القدماء أول من أشار إلى نقوش الأزهار والورود حيث برز اهتمامهم من خلال زراعتهم الأزهار على ضفاف النيل وإتقانهم لفن الرسوم على معابدهم المقدسة وخاصة زهرة اللوتس والنخيل.

أبدع العرب في نقوش الزهور في العصر الإسلامي الحديث وازدهرت بعد دخولهم بلاد الشام وبلاد الأندلس واختلاط الشعوب والحضارات وإحداث عملية تبادل ثقافي في الحياة الاجتماعية والفكرية والثقافية، إلى أن نشطت تجارة الأقمشة في ظل عهد الدولة العثمانية مما جعلها طريقاً تجارياً بين تجار الشرق والغرب في القرنين الخامس والسادس عشر، وكان للأتراك تفوق واضح في نقوش الأزياء المستوحاة من الطبيعة كأزهار الربيع والرمان والقرنفل والزنبق والياسمين، وفي القرن التاسع عشر مع انطلاق الثورة الصناعية اجتاحت أشكال الورود كافة دور الأزياء مما نال إعجاب النساء والرجال وصعدت نقش الزهور في القرن 21 بشكل لافت في الأسواق.

ثالثاً: نقش المستطيلات

نقش الترتان أو المستطيلات أو المربعات الهندسية المختلفة أو الكاروهات كما نعرفها وهي تعود للقبائل الأسكتلندية القديمة، حيث هناك الترتان الأحمر والأخضر والأزرق والأصفر وهي الأكثر شيوعاً منذ القرن التاسع عشر، وكل لون ونقش له معان وحكاية خاصة من التاريخ.

وشاح مزخرف بنقوش تقليدية (Others)

يرجح المؤرخون أن الترتان الأحمر كان يُرتدى في المعركة حتى لا تظهر الدماء، والأخضر يشبه الغابة، والأزرق يرمز إلى البحيرات والأنهار والأصفر يشبه المحاصيل، وكانت تحدد الألوان تبعاً للطوائف الدينية حيث يمثل الترتان الأحمر والأخضر الكاثوليك، ويمثل اللون الأزرق البروتستانت، كما كان يلبسه جنود الجيش الأمريكي وبعض المناصب في السلطات القضائية، وشهد نقش المستطيلات انتشاراً واسعاً في أمريكا وبريطانيا في عشرينيات القرن الماضي، وما زال موضة قوية حتى اليوم تتجدد لدى جميع الفئات العمرية وفي معظم بيوت الأزياء حول العالم.

رابعاً: نقوش الكوفية

تعرف الكوفية بالغترة أو الشماغ أو الحطّة أو المشدة أو القضاضة أو "الجمدانة" وتعني في حوض الفرات لباساً للرأس يتكون من قطعة قماشية تصنع بالعادة من القطن أو الكتان مزخرفة بألوان عديدة أشهرها اللون الأحمر والأبيض والأسود والأبيض، مربعة الشكل ويجري ثنيها في الغالب بشكل مثلث وتوضع على الرأس وأحياناً على الكتف.

وردت كلمة "اشماغ" في اللغة السومرية والتي هي في الأصل مقطعان هما: اش ماخ: تعني غطاء الرأس ويعتقد باحثون في الملابس التقليدية للشعوب بأن النمط المستخدم في توزيع الألوان (الأحمر والأبيض) أو غيرهما يعود إلى حضارات ما بين النهرين (دجلة والفرات) القديمة.

وكانت الكوفية رمزاً للرجولة والأناقة قديماً، وخلال العصر العثماني تميز العامة بوضعها على أكتافهم وسكان الريف على رؤوسهم، بينما كان الأعيان يضعون الطربوش، وفي الثلاثينيات أثناء ثورة فلسطين توسع لبس الكوفية في فترة الانتداب البريطاني وجرى توحيد لباس الرأس عند الفلسطينيين حتى يتعذر على سلطات الانتداب تمييز الثوار واعتقالهم.

وفي وقت لاحق تحولت الكوفية إلى رمز وطني فلسطيني مع بروز حركة المقاومة الفلسطينية الحديثة في الستينيات، وحرص الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات على الظهور بها أصبحت الكوفية مع الوقت جزءاً من الذاكرة البصرية المرتبطة بنضال الشعب الفلسطيني حيث ارتداها الفدائيون والمتظاهرون داخل فلسطين وخارجها، وباختلاف الألوان اشتهر الشماغ في العديد من المناطق لا سيما في بلاد الشام والخليج.

الشهيد ياسر عرفات مرتدياً الكوفية الفلسطينية (Others)

أما الآن فأصبحت شهرة الشماغ عالمية لا عربية فقط، فقد ارتدى الشماغ كثير من الفنانين العرب والعالميين إضافة إلى ذلك، انتشرت الكوفية في البلدان الغربية ويسعى المصممون العرب كافة إلى إبراز الهوية العربية في الملابس والحفاظ على هذا النوع من التراث، كما قدم العديد من مصممي الأزياء العالميين أزياء رجالية ونسائية مستوحاة من نقوش الشماغ بألوانه المختلفة.

أهمية النقوش في عالم الموضة

وعن سبب شعبية هذه النقوش ووجودها باستمرار في عالم الموضة والأزياء، TRTعربي أجرى حواراً مع مصممة الأزياء الأردنية ذات الأصول الفلسطينية آمنة فريحات والتي برزت تصميماتها من وحي الثقافة العربية الأصيلة والحفاظ على التراث ودمج تفاصيل كل النقوش القديمة بتصاميم عصرية مشرقة، وعلى طريقتها الخاصة تحرص آمنة في تصميماتها أن تناسب جميع الأعمار وفي نفس الوقت غالباً تكون كل قطعة تناسب المحجبة وغير المحجبة.

أحد أعمال مصممة الأزياء الفلسطينية آمنة فريحات (Others)

وتستوحي فريحات تصاميمها من عالم موضة مشاهير الأربعينيات والخمسينيات التي تأثرت بها، لافتةً إلى أنها تعشق التصاميم التي كانت ترتديها النجمات المشهورات في تلك الفترة، وأنها تسعى بشكل دائم إلى تقديم أزياء عربية تبرز هوية المرأة الشرقية وأنوثتها معاً.

وترى آمنة أن نقش الكاروهات والمنقط والورود لم يختف يوماً عن ساحة الموضة ولا يمكن أن يزول حتى مع مرور مئات السنوات ولكن نجده في شكل جديد ومختلف وله خيارات أوسع من ناحية التصميم، بل عاد إلى الساحة بنفس قوة السبعينيات والثمينيات في موديلات ربيع وصيف 2021.

وتبين آمنة أنه ليس هناك قواعد معينة لارتداء المرأة نقشاً معيناً في موسم ما، فلم تعد الكاروهات لفصل الشتاء بل يمكن للمرأة أن ترتديه في فصلي الشتاء والصيف وباقي الفصول، كذلك المنقط لا يمكن حصره في الملابس الصيفية مثل الفساتين النافشة بل شاهدنا منه الملابس الشتوية كالبلاطين والقمصان والجواكيت الثقيلة.

وتقول: "موضة الكاروهات لن تنتهي مع مرور السنوات وهو من القطع الأساسية في خزانة كل امرأة حتى لو كان التصميم بسيط النقشة كفيل بإضفاء القيمة الجمالية للقطعة وبكل تأكيد ستبدو المرأة بإطلالة عصرية وبروح شبابية". وعن القيمة الجمالية المضافة للمرأة تؤمن أمنة أن المرأة عندما ترتدي هذه النقوش يعرف ذوقها الرفيع وطابعها الخاص بها وهي دليل أنها مهتمة بالموضة وأناقتها.

الحفاظ على الثقافات الأصيلة

وتؤكد آمنة أن ثمة تمسكاً واضحاً من المصممين العرب بالنقوش القديمة للحفاظ على أصالتها مثل نقوش الكوفية والخطوط العربية، وحالياً هذه موضة الكتابة بالخط العربي متبعة عند عقد القران، فتكتب أسماء العروسين على ملابسهم أو تحمل أبياتاً من الشعر.

وأطلقت آمنة مؤخراً مجموعتها الخاصة للعباءات والأزياء التراثية المرتبطة بكل بلد عربي، ونقوش مستوحاة من الطبيعية مثل: الملاية المصرية بألوان زاهية مع رسوم لعيون صغيرة، والعباءة الخليجية الملونة والمزخرفة بالورود أو المنقط أو الأشكال الهندسية، وتصميمات قريبة من القفطان المغربي الخفيف وعباءات ملونة مطرزة يدوياً، وهي تعد من الأزياء التقليدية والأنيقة في الوقت ذاته وترتبط العباءة بشهر رمضان لما لها من شكل جميل ومحتشم وتتألق السيدات بها في هذا الشهر بالتحديد.


TRT عربي