الكيبوتس هو نموذج لمجتمع زراعي إسرائيلي يهودي تأسس في أوائل القرن العشرين، ظهر كفكرة على يد المهاجرين الأشكناز اليهود من أوروبا الشرقية الذين استقروا في فلسطين وكانوا تحت حكم الدولة العثمانية.
في الكيبوتس، طُبِّقت فكرة إنشاء مجتمعات زراعية ذاتية الإدارة، حيث يعيش الأعضاء معاً ويشاركون في إدارة وتشغيل المزارع والأعمال الزراعية.
هذا النموذج الاستيطاني استُلهمت فكرته من الأفكار الماركسية والاشتراكية، إذ أُلغيت ملكية الأراضي والممتلكات الشخصية، ويمتلك الكيبوتس الأموال والممتلكات بشكل مشترك، ويوزِّع الثروة بالتساوي بين أعضائه.
في المقابل، يعدّ "الموشاف" نموذجاً زراعياً آخَر يشير إلى امتلاك الأرض فردياً، والمزارعون يعملون على أراضيهم الخاصة ويمتلكون ممتلكاتهم الشخصية بشكل فردي.
ما معنى كيبوتس؟
الكيبوتس هو نوع من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يأخذ اسمه من اللغة العبرية، ويعني "التجمع". يتميز الكيبوتس بتأسيسه على مبدأ العمل المشترك والملكية المشتركة للموارد، ويعيش فيه مستوطنون يهود يعملون في الزراعة والأنشطة المختلفة.
والكيبوتس هو كيان مستقل إدارياً يقدم خدمات تعليمية وصحية وحرفية لسكانه اليهود، ويعتمد بشكل رئيسي على الجهود الذاتية لأفراد المجتمع المقيمين فيه. يتلقى الكيبوتس دعماً من الدولة الإسرائيلية، حيث جرى تطوير هذا النهج الإداري لمعالجة تحدي وجود الأقلية اليهودية في فلسطين. ويتميز الكيبوتس بقواعد وقوانين وتشريعات تُطبَّق على أعضائه اليهود فقط، مما يجعلهم يعتمدون على أنفسهم بشكل كبير في تلبية احتياجاتهم ولا يتوجهون إلى هياكل الحكومة الرسمية.
تاريخ الكيبوتس
تاريخياً، كان الكيبوتس واحداً من أهم المكونات التي دعمت الحركة الصهيونية في فلسطين قبل وبعد عام 1948، ولعب الكيبوتس دوراً مهماً في تنمية المجتمعات الزراعية والاقتصادية في إسرائيل، وقد أثَّر الكيبوتس على الحياة السياسية والاجتماعية في إسرائيل حتى بداية الثمانينيات.
أنشأ اليهود أول كيبوتس عام 1909 جنوب بحيرة طبرية، بدعمٍ من الصندوق القومي اليهودي خلال فترة الهجرة اليهودية الثانية إلى فلسطين، وأُسِّس الصندوق القومي اليهودي عام 1901، وكانت مهمته شراء الأراضي في فلسطين العثمانية بهدف توطين اليهود في تلك المناطق، وذلك باستخدام التمويل الذي جُمع من الجاليات اليهودية في جميع أنحاء العالم.
في الفترة من 1945 إلى 1948، نجحت الكيبوتسات في استيعاب الآلاف من المهاجرين اليهود، حتى بلغت نسبة السكان في الكيبوتسات نحو 7% من إجمالي اليهود في فلسطين. لعبت هذه النسبة دوراً مهماً في التحضيرات الأمنية والعسكرية استعداداً لمعارك عام 1948 وأخيراً لإعلان قيام دولة إسرائيل.
يوجد حالياً نحو 250 كيبوتساً في الأراضي المحتلة، ويبلغ إجمالي سكان هذه الكيبوتسات أكثر من 120 ألف شخص، يتألف معظمهم من اليهود الأوروبيين الغربيين الذين هاجروا إلى فلسطين.
هيكل الكيبوتس
في الكيبوتسات تكون ملكية جميع الأراضي بشكل جماعي وإدارتها بواسطة السكان اليهود، وتتسم هذه المجتمعات بالمساواة والمشاركة الشاملة. الكيبوتسات غالباً ما تكون صغيرة الحجم، إذ لا يتجاوز عدد سكانها عادةً عدة مئات.
تعتمد الكيبوتسات على مبادئ أساسية مثل توزيع الثروة بالمساواة بين الأعضاء وتوفير الرواتب بطريقة متساوية، ويجري توليد الإيرادات بشكل رئيسي من الزراعة وتربية المواشي، ولكن مؤخراً وسّعت بعض الكيبوتسات نشاطها ليشمل الصناعة أيضاً.
تكون معظم المنازل في الكيبوتسات متشابهة، وتُخصص مساحات معيشة مماثلة لكل السكان، وتقدَّم الوجبات الغذائية في مناطق تناول الطعام المشتركة، ويُعِدّ الطعام بعض الأعضاء في المنزل أيضاً.
العضوية في الكيبوتس
عضوية الكيبوتس تعتمد على اختيار حر من الفرد الراغب في الانضمام بعد موافقته على المعايير والمقاييس التي يفرضها الكيبوتس، حيث يمكن للأفراد التأثير على قرارات الأغلبية في الكيبوتس، ويُعقد اجتماع عام للكيبوتس بين الحين والآخر يشبه برلماناً وتُتخَذ القرارات بالإجماع، أما الإدارة التنفيذية للكيبوتس فتكون بيد سكرتارية الكيبوتس التي يختارها الاجتماع العام، وتقسِّم سكرتارية الكيبوتس المهام الإدارية إلى لجان مختلفة؛ مثل لجنة الأمانة المالية للكيبوتس، ولجنة التربية والتعليم، ولجنة العمل والمصالح في الكيبوتس، وهكذا.
أماكن وقرى الكيبوتس
تقع هذه الأماكن التي تُعرف بـ"المستوطنات الإسرائيلية" في مناطق الصراع مع الفلسطينيين، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأُنشئت هذه المستوطنات بوصفها مستوطنات يهودية في الأراضي الفلسطينية التي استولت عليها خلال الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
إن وجود هذه المستوطنات يثير الكثير من الجدل والنزاعات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ يرى الفلسطينيون أن إقامة المستوطنات تعرقل فرصة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وتشكل عقبة لعملية السلام، ومن الجدير بالذكر أن المجتمع الدولي بما في ذلك الكثير من القرارات والقوانين الدولية تَعدّ بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة غير شرعي وتندِّد به.
بالإضافة إلى الجوانب السياسية والنزاعات، فإن وجود المستوطنات أثَّر على الديموغرافيا والاقتصاد في المنطقة، حيث يشمل ذلك استقطاب العائلات الإسرائيلية الشابة إلى هذه المستوطنات بحثاً عن عقارات بأسعار معقولة وفرص اقتصادية، وهذا يُسهم في زيادة عدد السكان في تلك المستوطنات وتعزيز وجود الإسرائيليين في تلك المناطق.
تُعد هذه القرى "المستوطنات" التي بلغ عددها أكثر من 210 في عام 1950، مكاناً يتعلم سكانه كيفية العمل في الأرض واستخدام الأسلحة أيضاً، وهذا يعكس "الجانب الاستعماري الأولي للمستوطنين"، كما يصرح به توماس فيسكوفي. وجدير بالذكر أن غالبية القوات التي جُندت في أثناء الحرب العربية-الإسرائيلية الأولى في عام 1948 كانت من هذه المستوطنات. في الواقع وُلد الكثير من القادة العسكريين والسياسيين في اليسار الصهيوني الإسرائيلي الذين سيطروا على مقاليد البلاد بين عامي 1948 و1977، أو تلقوا تدريبهم في هذه القرى.
كيبوتس "دفنا"
كيبوتس "دفنا" يقع شمالي إسرائيل بالقرب من كريات شمونة. تأسست فيه شركة "دفنا للصناعات" عام 1964، وهي اليوم واحدة من شركات إسرائيل لتصدير الأحذية، إذ تُصدّر منتجاتها إلى أسواق أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية.
بالإضافة إلى الأحذية، يؤدي الكيبوتس أنشطة اقتصادية أخرى تُسهم في توليد الدخل لسكانه اليهود، تشمل هذه الأنشطة زراعة بساتين التفاح والأفوكادو والجريب فروت، وزراعة القطن، وتربية الأبقار الحلوب، وتربية أسماك تجارية في بِرك، بالإضافة إلى خدمات تأجير المساكن.
كيبوتس "دغانيا ألف"
"دغانيا ألف" هو أول كيبوتس استيطاني. وهو تجمع سكني تعاوني زراعي تأسس على أرض فلسطين التاريخية في زمن الحكم العثماني وبعد ذلك تحت الانتداب البريطاني. تأسس في عام 1909على يد عشرة رجال وامرأتين بقيادة جوزيف باراتز. يُعدّ "دغانيا ألف" مسقط رأس موشي ديان. وفي عام 1947 بلغ عدد سكانه 380 شخصاً. ودمَّر الجيش السوري المستوطنة بالكامل خلال حرب عام 1948.
كيبوتس "بئيري"
بئيري (Be'eri) هو مستوطنة كيبوتس تقع شمالي إسرائيل، وتحديداً شمال غربي صحراء النقب بالقرب من حدود قطاع غزة. يخضع "بئيري" لإدارة مجلس إقليمي أشكول، وفي عام 2006 بلغ عدد سكان "بئيري" نحو 774 نسمة.
تأسس "بئيري" في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1946 كواحدة من 11 نقطة استيطانية في النقب. يقع بالقرب من وادي Nahabir. كان مؤسسه عضواً في حركة HaNoar HaOved VeHaLomed وتلقى تدريباً في "موعاز حييم" ليصبح من الكشافة العبرية.
بعد إعلان قيام إسرائيل عام 1948، انتقل الكيبوتس بمسافة تصل إلى ثلاثة كيلومترات إلى الجنوب الغربي ليصبح في الموقع الحالي. يعدّ "بئيري" واحداً من أغنى مستوطنات الكيبوتس في إسرائيل، وخلال الانتفاضة الثانية تعرَّض لقذائف صاروخية من كتائب القسام أُطلقت من مسافة نحو ثمانية كيلومترات من معبر قطاع غزة.
على بُعد نحو أربعة كيلومترات من "بئيري" يوجد النصب التذكاري للأنزاك، حيث دُفنت رفات الجنود الذين قُتلوا في معركة غزة الثالثة خلال الحرب العالمية الأولى.
لحظة استيلاء المقاومة على كيبوتس "بئيري" العسكري
نشر الإعلام العسكري لكتائب القسام مقطع فيديو يوثِّق لحظة اقتحام العشرات من أفراد المقاومة موقع كيبوتس "بئيري" العسكري، خلال المعارك التي دارت في عدة مستوطنات في غلاف غزة ضد قوات الاحتلال خلال عملية "طوفان الأقصى". تمكنت كتائب القسام خلال هذه العملية من أَسْر نحو 35 جندياً من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وفقاً لتقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية.
أهمية الكيبوتس بالنسبة لإسرائيل
الكيبوتسات لعبت دوراً مهماً في إقامة المستوطنات اليهودية في فلسطين، وأثَّرت بشكل كبير في المجتمع الإسرائيلي، بدأ العرب بمقاومة هذه المستوطنات بشدة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وإعلان وعد بلفور عام 1917. في العقود التالية تصاعدت التوترات واندلعت أعمال شغب وثورات عربية.
بعد إنشاء إسرائيل عام 1948، تحولت الكيبوتسات من مجتمعات زراعية إلى مراكز لإنتاج المعدات العسكرية والجنود، وكان لها دور استراتيجي في الدفاع عن إسرائيل، وأُسِّس بعضها في مناطق ذات أهمية استراتيجية كبيرة.
رغم اختلاف الأيديولوجيات بين الكيبوتسات، أسهم معظمها في جهود الدفاع الإسرائيلي، ولعبت دوراً مهماً في تاريخ إسرائيل.
الكيبوتس في الوقت الحاضر
على مر السنين، شهدت الكيبوتسات نمواً وازدهاراً وتكيفت مع تغيرات النظام، ومع بداية التسعينيات من القرن الماضي بدأ الكثير من الشبان في الكيبوتسات بمغادرة مجتمعاتهم بحثاً عن حياة في المدن، وهذا أدى إلى تطبيق عملية الخصخصة في غالبية الكيبوتسات الإسرائيلية.
على الرغم من عملية الخصخصة، يظل الكثير من أعضاء الكيبوتسات يعيشون ويتناولون وجباتهم معاً، ومع ذلك تحولت مجموعات العمل المختلفة داخل الكيبوتسات إلى تعاونيات تسعى لتحقيق أرباحها الخاصة وتعرض خدماتها بمقابل.
تأكَّد تراجع الكيبوتسات مع فوز حزب الليكود، الذي يمثل توجهاً قومياً ليبرالياً يمينياً، واندمجت الكيبوتسات مع موجات التحرير الاقتصادي التي قامت بها إسرائيل، واليوم يعمل معظم الكيبوتسات البالغ عددها نحو 250 كشركات خاصة، بعضها أيضاً انتقل إلى إنشاء متنزهات وأجنحة ومتاحف داخل حدودها.