مع مرور الوقت، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت جزءاً من حياة الأغلبية العظمى من الأفراد باختلاف المجتمعات، كما أصبح تأثيرها واضحاً في بعض الفئات كالمراهقين والأطفال والشباب الذين يتخذون من هذا الفضاء الإلكتروني مكاناً للتسلية عبر تحديّات عديدة من دون الاكتراث بالآثار الجانبية في الصحة الجسدية والعقلية.
وانتشر في الآونة الأخيرة تحديات ارتبطت بالأطعمة والغذاء، مثل تناول الطعام بكميات كبيرة جداً خلال فيديو أو بث مباشر، والتي تحولت لاحقاً من "نمط شائع" (Trend) إلى محتوى متكامل لأعداد كبيرة من الأفراد.
ومن أكثر الأنماط المرتبطة بالتغذية شيوعاً الذي انتشر على شكل تحدّ وجعله "Trend" تجربة تناول الطعام الكوري الحار جداً بأصناف محددة، مثل "الإندومي الكوري" وهي عبارة عن شعيرية سريعة التحضير مضاف إليها كمية كبيرة من الفلفل باختلاف أنواعه.
أو رقائق البطاطس (الشيبس) الكوري أو ما يسمى "شيبس الموت" وهي عبارة عن شيبس لونه أسود ودرجة حدوديته عالية جداً، إذ انتشر هذا النمط بشكل كبير جداً حتى أصبح انتشاره يتجاوز مواقع التواصل الاجتماعي ليتحول إلى تحدّ وسلوك مجتمعي وخاصة بين فئتي الشباب والمراهقين، وهم الأكثر تأثراً.
ظهور نمط شائع أو تحدّ يدفع المشاهير والمؤثرين لتجربته في فيديو وبث مباشر ما يزيد في سرعة انتشاره، بينما آخرون يدعون إلى عدم الخوض فيه ذاكرين تجارب مؤلمة مثل حادثة وفاة شاب مصري ذي سبعة عشر عاماً نتيجة تحدي الإندومي الكوري، إذ توفي بعد أيام من مشاركته مع أصدقائه في تحدي "الإندومي الكوري الحار" وذاع خبر وفاته عبر جميع القنوات والمواقع الإخبارية.
هل الطعام الكوري الحار آمن صحياً؟
لا شك في أن الطعام الحار له فوائد عديدة مثبتة علمياً إضافة إلى كونه يلقى استحساناً باعتباره منكهاً أساسياً في معظم أصناف الطعام في بعض الدول.
ويعدّ الفلفل الحار على اختلاف أنواعه من أغنى مصادر مضادات الأكسدة التي تخلص الجسم من السموم وتحارب "الجذور الحرة" (Free Radicals)، كما يعدّ مفيداً جداً لصحة الجهاز الهضمي وحمايته من الأمراض والسرطانات وذلك بسبب غناه بمادة "الكابسيسين" (Capsaicin).
وأثبتت دراسات عديدة الدور الفعال للفلفل الحار في تقليل الكولسترول وتحسين صحة القلب والشرايين إضافة إلى تقليل معدلات الوفيات، وفي دراسة تحليلية نُشرت عام 2021 عن العلاقة بين استهلاك الفلفل الحار ونسبة الوفاة بسبب أمراض القلب والشرايين، أشارت الدراسة إلى أن استهلاك الفلفل الحار يرتبط بخفض خطر الوفاة الناتج عن أمراض القلب والشرايين.
ورغم ذلك، فإن استهلاك الطعام الحار قد يؤدي عند البعض إلى ظهور أعراض جانبية عديدة نتيجة ارتفاع درجة حساسيتهم من مادة "الكابسيسين"، وخاصة عند الأفراد الذين لا يعدّ الفلفل الحار جزءاً من روتينهم اليومي منذ الطفولة، وبالتالي درجة تحمّلهم له تعدّ غير كافية لتناول أصناف كـ"الشيبس الأسود الحار" و"الإندومي الكوري".
ويرى المختصون أن الطعام الحار وبفعل مادة "الكابسيسين" يعمل على تحفيز الجهاز العصبي بشكل غير طبيعي، وقد يصل الأمر ليعامل الجسم "الكابسيسين" كمادة سامة أو مسببة للمرض، ما يؤدي إلى ظهور أعراض تتبع تناوله مباشرة مثل الشعور بالتنميل والخدران في أعضاء الجسم، والأرق الشديد، وتهيّج الجلد والأنسجة ومن ضمنها الأنف والعينين، كما قد يسبب التلبّك المعوي وتهيّج المعدة والمري وكذلك أعراض مثل الاستفراغ والإسهال.
إضافة إلى تسببه بأمراض جلدية عديدة، أبرزها زيادة تهيّج الجلد وتحسّسه وزيادة ظهور حبّ الشباب، وفقدان الشهية المزمن المرضي.
وبينما لا يسبب استهلاك "الكابسيسين" بحدّ ذاته الإصابة بتقرّحات المعدة وبطانة الأمعاء، إلّا أن تكرار الإصابة بتهيّج المعدة والاستفراغ والإسهال يسبب، وفق ما يرى مختصون وتبعاً لدراسات علمية، التقرحات على المدى البعيد، كما يسبب تفاقم أعراض الشق الشرجي الحاد لدى المرضى.
الوعي وتجنّب الانجرار نحو التحديات الشائعة
تشكل السوشيال ميديا عاملاً خطيراً يؤثر في جميع مناحي الحياة، ومن ضمنها الناحية الصحية.
وتناول العديد من الدراسات تأثير السوشيال ميديا في نمط الحياة والتغذية والعادات المكتسبة، إذ أشارت دراسة نُشرت عام 2019 أن تأثير السوشيال ميديا في الصحة قد يصل إلى كونها مهددةً لحياة الأفراد، واصفة السوشيال ميديا بمساحة للمعلومات المغلوطة والمضللة.
ووفقاً لبحث نُشر في موقع Trends Research، فإن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تشكل مصدراً رئيسياً لتنشئة الشباب والأطفال، وتهديداً للكثير من القيم التي كانت تحرص عليها الأسرة، وهذا بعد أن أصبح الشباب خاضعين لقيم العالم الافتراضي.
وعن الخطوات التي يجب اتباعها لحماية أنفسنا وأطفالنا من تأثيرات مواقع التواصل الإجتماعي بشكل عام وفي الأنماط الغذائية بشكل خاص، أشار مقال بحثي نُشر في موقع "Mayo Clinic" إلى ضرورة مراقبة الوالدين لحسابات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بأبنائهم، إضافة إلى ضرورة توعية الأبناء حول مواقع التواصل وأنها مملوءة بالمحتويات المضللة وغير الحقيقية.
وبشكل أكثر ارتباطاً بالتغذية والسلوكيات الغذائية والحياتية، أكد البحث ضرورة حرص الوالدين على مناقشة الأبناء حول الأنماط الغذائية الشائعة وضرورة البحث المشترك عن حقيقتها وتأثيراتها بطريقة علمية ومن مصادر موثوقة، والحرص على مراقبة السلوكيات الغذائية واتخاذ خطوات فعّالة في توعية الأبناء عند اتخاذهم أو تبنّيهم لاختيارات خاطئة.