تعود حكاية استخدام مصطلح التقليلية أو الميناميليزم (Minimalism) إلى ستينيات القرن الماضي عقب الحرب العالمية الثانية، حيث كان أول ظهور لها كحركة فنية تابعة للمدرسة التجريدية، التي تتميز باستخدام أقل العناصر والألوان، وتركز على التبسيط وحذف كثير من التفاصيل.
من هناك امتدت حركة التقليلية لتصبح مؤخراً أسلوب حياة يتخذه البعض في جميع المناحي، فالشخص التقليليّ (Minimalist) باختصار يركز على اقتناء ما يحتاجه فقط، ويتجنب كل ما يفيض عن حاجاته الأساسية سواءً في البيت أو الملابس أو حتى الطعام، وهو يؤمن أنّ التقليلية تحرّره من هوس الاقتناء والتملك الذي يجتاح عصرنا الحديث، وهو يرى أنّ التقليلية أسلوب حياة باستطاعة أي شخص اتباعه.
يرفض التقليلي رأي المجتمع فيما يجب أن يكون عليه حجم منزله أو كمية الملابس التي يجب أن تملأ خزانته، أو حتى كمية الدمى والألعاب التي يشتريها لطفله، ولذلك نستطيع بسهولة تمييز بيوتهم التي لا تعج بالفوضى، وتتميز بالبساطة وبعض المساحات الخالية، وإن فتحت خزانة ملابس شخص تقليلي فستجد فيها ما يخدم حاجاته الأساسية دون زيادة.
تأثير التقليلية على الصحة العقلية
إنّ اقتناء الكثير من الملابس وقطع الأثاث والديكور داخل المنزل يخلق حالة فوضى تؤثر بشكل مباشر على الصحة العقلية، فقد تحفز الفوضى داخل المنزل إفراز هرمون الكورتيزول المعروف باسم هرمون التوتر النفسي، وهذا ما أشارت إليه دراسة بحثية منشورة عام 2009، فقد أظهرت أنّ إفراز الكورتيزول كان أعلى لدى النساء اللاتي وصفن بيوتهن بألفاظ تعبر عن الفوضى وعدم الترتيب، كما أظهرن مزاجاً سيئاً على مدار اليوم، ولهذا تأثير سلبي واضح على الصحة العقلية على المدى الطويل، وعلى النقيض كانت النساء اللاتي وصفن بيوتهن بأنها مريحة أقلّ توتراً على مدار اليوم، وارتبط ذلك بمستويات أقل من هرمون الكورتيزول.
إنّ اقتناء ما تحتاجه فقط يتيح لك فرصة التركيزعلى ما تمتلكه والاستمتاع به بأقصى حدّ، إلى جانب رفع مستوى التركيز العام وتقليل التشتت، فاقتناء القليل يقلّل من المسؤوليات المختلفة ويجعل القرارات الواجب اتخاذها أقلّ، وبالمحصلة ترتفع الإنتاجية في العمل، وممَّا لا شكّ فيه أنّ ارتفاع الكفاءة في العمل يجعل الشخص مبتهجاً بإنجازه بشكل أكبر، ما يقلّل التوتر والضغوط النفسية.
إلى جانب تركيز التقليلية على الاهتمام بما يمتلكه الفرد بالفعل من ناحية مادية فإنّها ترفع من تركيز الفرد على ما يملكه من علاقات اجتماعية مختلفة مع العائلة أو الأصدقاء، والعلاقات الاجتماعية الناجحة تعني سعادة أكبر وصحة عقلية أفضل.
أشارت دراسة بحثية عام 2012 حول كيفية تأثير السيطرة على الرغبة في الاستهلاك واتباع نظام حياة بسيط إلى أنّ الشعور العام بالرضا في الحياة كان أعلى لدى الأشخاص الذين اتبعوا نظام حياة بسيطاً، وهذا ما أكدته نتائج دراسة أخرى عام 2015 حول نمط الاستهلاك القليل وأثره في جعل المرء سعيداً، حيث أشارت إلى أنّ الأشخاص قليلي الاستهلاك كانوا أكثر سعادةً مقارنةً بمن وصفتهم بالمستهلكين.
بهذا الصدد يجب التنبيه من أجل تجنب اللبس في الفهم إلى أنّ الشخص يشعر بالسعادة عند اقتنائه شيئاً جديداً، ولكن ما نتحدث عنه هو التأثير على المدى الطويل، فالقيام بتجارب كالسفر واكتساب مهارات جديدة في الحياة يرفع الشعور العام بالسعادة عند المقارنة بالسعادة المؤقتة المرافقة للاستهلاك، وفقاً لما أشارت إليه دراسات مختلفة تحت عنوان "أن تفعل أو تمتلك؟ هذا هو السؤال"، وذلك لأنّ التجارب المختلفة تصبح جزءاً من هوية الشخص وتكوينه، وتجعله أكثر نجاحاً في علاقاته الاجتماعية وأكثر سعادة على الدوام.
بالرغم من ارتباط الأرق ومشاكل النوم المختلفة باضطرابات الصحة العقلية المختلفة بشكل أساسي مثل الاكتئاب والقلق المرضي، فإن الخبراء قد وجدوا رابطاً بين حب الاكتناز وعدم النوم خلال الليل، إذ أشارت منظمة مايوكلينيك إلى أحد الأسباب المحتملة وراء ذلك، وهو الربط بين عدم قدرة الشخص على اتخاذ القرار فيما يخصّ ما سوف يقتنيه أو ما سوف يتخلص منه وقلة النوم.
هل للتقليلية فوائد صحية للجسم حقاً؟
على غير المتوقع فإنّ التقليلية تؤثر أيضاً على الصحة الجسدية بشكل إيجابي، فهي تدفع الشخص إلى ممارسة التمارين الرياضية والاهتمام بالنفس بصورة غير مباشرة عن طريق خلقها لوقت إضافي كان يضيع في أثناء التسوق المطول أو تنظيف البيت بتفاصيله الكثيرة، إذْ يستطيع التقليلي استثمار هذا الوقت الإضافي بممارسة رياضة المشي أو اليوجا وغيرها من التمارين التي يُلاحظ آثارها على الصحة الجسدية.
عند تبني الشخص أسلوب حياة التقليلية فإنّه يبدأ بالتركيز على نوعية وكمية الطعام التي يستهلكها أيضاً، وهذا يدفعه إلى تناول الأطعمة الكاملة الصحية التي تحتوي على جميع العناصر الأساسية، وتجنّب الأطعمة المعلبة التي تحتوي على العديد من المواد الكيميائية الضارة، كما أنّ التقليلي يقوم بتقليص كمية البهارات المستخدمة ويتجنب شراء البهارات التي لا يتمّ استخدامها بكثرة، وهذا بطبيعة الحال يجعل الشخص يركز على شراء نوعية ذات جودة أعلى، واستخدام الأعشاب الطازجة للحصول على النكهة المنشودة، ولهذه الخطوات آثار صحية على الجسم لا يمكن إنكارها.
إن كنت قد بدأت التفكير في أن تصبح تقليلياً بالفعل فعليك أن تتذكر دوماً أنّ الحياة في عصرنا الحالي معقدة بما فيه الكفاية، ولا ينقصها أن نزيد عليها فوضى منازلنا وأماكن عملنا، وإذا أردت الحصول على نصائح والنظرعن كثب إلى تجارب شخصية فهذه أفضل مدونات التقليلية عام 2020 وفق موقع healthline الطبي المتخصص.
إليك معلومة أخيرة، قد يبدو اتباع أسلوب حياة التقليلية تحدياً صعباً للوهلة الأولى، ولكنه أسهل ممَّا تعتقد، فهو لا يعني أنه يجب عليك البدء بالتخلص من كل ما هو زائد لديك مرة واحدة، إذ يؤدي ذلك إلى توقفك على الفور وأخذ خطوات عكسية، ولكن المطلوب هو خطوات بسيطة ومستمرة، فعليك أن تتخلص من شيء واحد فقط كل مرة ومراقبة شعورك حيال ذلك قبل الانتقال إلى التخلص من شيء آخر.