التحركات الشعبية.. كيف أجبرت أيرلندا على دعم فلسطين؟
ما بين مواقف سياسية، بداية من المطالبة في عام 1980 بإقامة دولة فلسطينية، ومواقف شعبية خرجت فيها أعداد من المتظاهرين تجاوزت 15 ألفاً، تتقدم أيرلندا صفوف المدافعين عن القضية الفلسطينية في الغرب.
Demonstration in solidarity with Palestinians in Gaza, in Dublin / صورة: Reuters (Reuters)

لم يقتصر الدعم الأيرلندي للقضية الفلسطينية على التحركات الشعبية التي ملأت شوارع أيرلندا منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، ولكن الحكومة الأيرلندية أيضاً غرَّدت خارج السرب الأوروبي، المؤيد لمزاعم الاحتلال الإسرائيلي وأمريكا، حتى وإن كان هذا بفعل الضغط الشعبي الذي أجبرها على تغيير موقفها.

وتشترك أيرلندا مع فلسطين في تاريخ مشابه عبر مواجهة ذات المستعمر، إذ أرسلت بريطانيا في القرن العشرين قوتها غير النظامية "بلاك آند تانس" للأراضي الأيرلندية بهدف إخماد الثورة ضد بريطانيا وقتها، وهو ما نتج عنه ارتكاب جرائم ضد الشعب الأيرلندي، ليذهب قسم منهم إلى فلسطين، وقد استغلته بريطانيا وقتها لقمع الشعب الفلسطيني الذي كان حينها تحت ما يُعرف باسم "الانتداب البريطاني".

كما أن سياسات التجويع والتهجير القسري وهدم البيوت، هي سياسات عرفها الشعب الأيرلندي على يد البريطانيين، في السابق، لذلك فإن هذا التضامن مع فلسطين يأتي امتداداً طبيعيّاً لتاريخ مشترك من المعاناة، حسب ما يؤكد سياسيون وقانونيون.

وما بين مواقف سياسية، بداية من المطالبة في عام 1980 بإقامة دولة فلسطينية، ومواقف شعبية خرجت فيها أعداد من المتظاهرين تجاوزت 15 ألفاً، تتقدم أيرلندا صفوف المدافعين عن القضية الفلسطينية في الغرب.

تاريخ مشترك من النضال

يرى الناشط الأيرلندي، إبراهيم حلاوة، أن التحركات الشعبية في أيرلندا كان لها دور مُهم في الضغط على الحكومة مع بداية الهجوم الإسرائيلي على غزة، ليتحول موقفها من مؤيد لوجهة نظر الحكومات الغربية بأن ما حدث هو "دفاع عن النفس" إلى حكومة رافضة للانتهاكات.

ويؤكد حلاوة في حديثه مع TRT عربي، أن "الشعب الأيرلندي كان حريصاً جدّاً على إبلاغ الحكومة بأن موقف المجتمعات الدولية لا يمثلنا".

أما عن الموقف الأيرلندي الداعم لفلسطين، فيردُّه حلاوة إلى تاريخ النضال المشترك بين البلدين، موضحاً أن حكومات العالم خذلت فلسطين وأيرلندا وقت نضالهما ضد القوى الاستعمارية، وهو ما يجعل الجانب الأيرلندي حريصاً على تقديم سُبل الدعم كافة للفلسطينيين.

ويشير الناشط الأيرلندي إلى أن "كلا البلدين شعر أنه يشترك في الألم الناجم عن قوة استعمارية عدوانية".

وعن توقعاته لتأثير الموقف الأيرلندي في دعم القضية الفلسطينية خلال الفترة المقبلة، يقول حلاوة إن "هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها الجيل الجديد إبادة جماعية تُرتكب ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما خلق جيلاً لديه رواية أخرى في أيرلندا".

ويتابع: "هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها بوضوح جيلاً يقاتل القنابل بالمعلومات، وهو ما نتج عنه كشف إسرائيل، التي تزعم دائماً بفخر أنها تمثل الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، بعد أن اعتمدت على الكذب والدفع بروايات كاذبة".

ضغط شعبي

وعن رد فعل القوى السياسية في أيرلندا وموقف الحكومة مع بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة، يقول النائب في البرلمان الأيرلندي، ريتشارد بويد، إن حكومته كانت تردد في البداية مزاعم إسرائيل، قبل أن يجبرها الرأي العام والاحتجاجات على تغيير موقفها. ويؤكد بويد في حديثه مع TRT عربي، أن هذه التحركات الشعبية هي التي جعلت موقف الحكومة أفضل من موقف كثير من الحكومات في العالم الغربي.

ويتابع: "رددت حكومتنا في البداية كثيراً من الدعاية لإسرائيل والولايات المتحدة، ومع تصاعد الاحتجاجات الشعبية، وكذلك حجم الانتهاكات والإبادة الجماعية في غزة، أصبحت رواية الحكومة الأيرلندية أكثر انتقاداً لإسرائيل، وتحت الضغط الشعبي وصلت إلى موقف أفضل من عديد من الحكومات في العالم الغربي".

ويلفت بويد إلى أن الموقف الأيرلندي الآن تحوَّل من حكومة تُردد مزاعم إسرائيل إلى حكومة داعية لوقف إطلاق النار وتطبيق العقوبات، وهو ما يؤكد أن الضغط الشعبي هو كلمة السر في محاولات وقف مذابح إسرائيل في غزة، حسب قوله.

وانتقد بويد موقف الحكومات الأوروبية قائلاً: "لقد خذلت حكومات العالم الشعب الفلسطيني حقّاً، ومنحت إسرائيل فرصة كبيرة للإفلات من العقاب، وهو ما سمح لإسرائيل بمواصلة هجومها الغاشم والإبادة الجماعية لأهل غزة".

أما عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية، فيصفه النائب البرلماني الأيرلندي بأنه "أسوأ الجُناة".

وتستمر الحكومة والشارع بأيرلندا في تقديم الدعم لفلسطين من خلال مجموعة من الفعاليات المنتظرة، إذ يبيّن بويد أن يوم 13 يناير/كانون الثاني الحالي سيكون يوماً للاحتجاجات العالمية للضغط على الحكومات لدعم القضية الفلسطينية، مشيراً إلى التخطيط لكثير من الفعاليات في دبلن، وكذلك لندن وواشنطن.

مطالبات بطرد السفير الإسرائيلي في أيرلندا

في سياق متصل يقول النائب البرلماني عن حزب "بيبول بيفور بروفيت"، بول مورفي، إن الرأي العام في أيرلندا يقف بأغلبية ساحقة إلى جانب الشعب الفلسطيني، وهو ما أدى إلى "تركيز جهود القوى السياسية في أيرلندا لإدانة إسرائيل".

متظاهرون يرفعون علم فلسطين تضامنا مع سكان غزة في مدينة دبلن الأيرلندية (AA)

ويضيف مورفي لـTRT عربي: "من الطبيعي أن يجبر الحشد الجماهيري الداعم للقضية الفلسطينية الحكومات على التحرك، ومع ذلك، تتجاهل الحكومات في معظم البلدان هذا الرأي العام".

ويردُّ مورفي هذا التجاهل إلى بحث الحكومات العالمية عن مصالحها الاستراتيجية، وليس رغبات الأغلبية أو حقوق الإنسان، مؤكداً أن العالم في حاجة إلى مضاعفة جهود التعبئة والضغط على الحكومات لتحقيق نتائج أكثر فعالية.

ودعا النائب الأيرلندي إلى ضرورة اتخاذ قرارات أكثر أهمية لدعم فلسطين من جانب حكومته، و"ألا تقف عند الإدانة للانتهاكات الإسرائيلية أو التصويت لصالح وقف إطلاق النار".

ويلفت مورفي إلى أنهم "يدعون لطرد السفير الإسرائيلي وفرض عقوبات على إسرائيل"، منتقداً رفض الحكومة الأيرلندية هذه الخطوات حتى الآن.

أسباب تاريخية وقانونية

من جانبه، يؤكد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام، أن الدعم الأيرلندي الرسمي والشعبي له أسباب تاريخية وقانونية، لافتاً إلى وجود تقارب كبير بين التجربتين الأيرلندية والفلسطينية، خصوصاً في ظل معاناة الشعبَين من مستعمِر واحد.

ويقول مهران لـTRT عربي إن "الاحتلال البريطاني لأيرلندا كان بمثابة كارثة إنسانية، إذ شهد القرن التاسع عشر وحده ما يقرب من مليون ضحية نتيجة الجرائم والمجاعات التي تسبَّب بها الاحتلال".

ويشير إلى أوجه التشابه بين ممارسات الاحتلال البريطاني السابق تجاه الأيرلنديين، وبين سياسات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، من حيث التهجير القسري ومصادرة الأراضي وفرض الحصار وغيرها من الممارسات التي وصفها بـ"غير الإنسانية".

ويبيّن مهران أن هذا الأمر دفع أيرلندا منذ انضمامها للاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ مواقف مشرفة داعمة بقوة للقضية الفلسطينية، إذ طالبت منذ عام 1980 بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، فضلاً عن تبني مواقف أخرى مناصرة لحق اللاجئين في العودة والتعويض.

ويلفت مهران إلى القانون التاريخي الذي أقره البرلمان الأيرلندي، الذي اعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة "ضمّاً فعليّاً غير قانوني"، مؤكداً أن ذلك يمثل انتصاراً كبيراً للشرعية الدولية وقضية فلسطين.

وحول الأسباب القانونية لدعم أيرلندا لفلسطين، يوضح مهران أن القانون الدولي ينص صراحة على عدم شرعية احتلال أرض أي دولة بالقوة ويلزم سحب القوات المحتلة فوراً، كما يؤكد حق تقرير المصير للشعوب، وهو ما تتمسك به أيرلندا تجاه فلسطين، باعتباره مبدأ أساسيّاً في القانون الدولي المعاصر.

TRT عربي