منذ الأيام الأولى لشهر رمضان، راهنت القناة الثانية المغربية على مسلسل "المكتوب" ليكون أيقونة إنتاجها لهذا الموسم. ولم يخِب ظنها في ذاك، حيث حقق منذ عرض أولى حلقاته أرقام مشاهدات ضخمة، لينصب بحسب مؤسسة "ماروك ميتري"، المختصة في قياس نسب المشاهدات، المسلسل الأكثر مشاهدة في تاريخ التلفزة المغربية.
ويحكي "المكتوب" قصَّة حياة "شيخة"، الراقصة والمغنية الشعبية في المغرب، ومعاناتها مع الصور النمطية التي تحوم حول تلك المهنة. كما يعالج مواضيع الفوارق الاجتماعية وما تخلفه من صراعات، بين عائلة "المعطاوي" الثرية التي سيقع ابنها عُمر في حب "ابنة الشيخة"، وسيتزوجها رغم كل تلك العراقيل.
غير أن هذا الإنتاج الدرامي سيقع في قلب عاصفة من النقاشات الحادة، مع انتقاد الداعية المشهور في وسائل التواصل الاجتماعي بالمغرب، ياسين العمري، والذي اعتبر أن المسلسل يحرض على الانحلال الأخلاقي والتطبيع مع الفساد، كما أنه يقدم صورة مغلوطة حول المغربي المحافظ والمتدين. الأمر الذي أثار امتعاض الفريق الآخر من الذين هاجموا ما اعتبروه "قدحَ الشيخ في تراث الشيخات".
العمري ينتقد "المكتوب"
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً للداعية ياسين العمري ينتقد فيه مسلسل "المكتوب"، معتبراً بأن "الشيخة" ليست نموذجاً للافتخار، وأن معظم الأسر المغربية يعتبرونها "وسمة عار"، وأن هذا الواقع الذي يتحدث عنه المسلسل لا يمثل الواقع المغربي الذي يمتاز بالتدين والمحافظة.
وتوجه العمري بالسؤال إلى الحاضرين في اللقاء الموثق بمقطع الفيديو المذكور حول ما إذا كان في أحيائهم "شيخات"، فأجاب ثلاثة حاضرين بالنفي، ليرد قائلاً: "ها هي إذن ثلاثة أحياء بلا شيخات، لكن من الضروري أن تجد هناك نساء متدينات ويحفظن القرآن، هذا هو الواقع المغربي فلمَ لا يصنعون مسلسلات تتحدث عنه؟".
وخلص العمري في آخر المقطع إلى أن المراد من مثل هذه الإنتاجات هو "دفع المجتمع إلى التطبيع مع المنكر"، وأن "المرأة المغربية ترتعب فقط عند سماع لفظ شيخة". هذا قبل أن يستحضر حديث علي بن أبي طالب القائل: "سكت أهل الحق، حتى توهم أهل الباطل أنهم على حق".
جدل حول تصريحات العمري
وانقسم المغاربة عقب تصريحات الداعية إلى فريقين، أحدهما ينتصر له والثاني يهاجمه لما اعتبره قدحاً في أحد الشخصيات المهمة في التراث المغربي.
وكتب حمزة الكنودي، الطالب و الباحث، على صفحته بفيسبوك قائلاً: "الصراحة، وجدت كلامه أكثر اعتدالاً من تدوينات البعض من دعاة الحرية، والمدافعين عن حرية التعبير وحقوق الإنسان، وجدت رأيه لا ينزاح عن رأي الغالبية العظمى ممن كانوا ينتقدون إنتاج القنوات العمومية خلال شهر رمضان". وأضاف: "في كل الأحول اتفقنا أو اختلفنا معه، فهو كشخصية عمومية، كان له القدرة على تقديم تصوره ورؤيته، لكن دعاة الحرية لا قدرة لهم على نقد الواقع وعلى نقد الإنتاجات التي تستهلك ميزانيات ضخمة من الأموال العمومية".
واستغل الروائي المغربي، محمد بنميلود، فرصة الجدل من أجل استحضار الفنانة المغربية الحاجة الحمداوية التي كانت أحد أبرز "الشيخات". وكتب قائلاً: "أفلا يكفي أن تكون هذه الشيخة العارفة بالله قد صدحت ذات يوم بأغنية: أنا عزبة من الركابي والقاع داه العتابي.. حتى تكون قد هزمت كل خفافيش الظلام والغش والنفاق والشقاق".
ودون عبد الله الناصري على صفحته بفيسبوك: "إذا بحثت عن الشيخة في تراثنا الثقافي تساءلت في حيرة: أكانت شيخة أم مناضلة؟! مثلاً: خربوشة التي غنت الثورة على "القايد عيسى" الذي أنهى حياتها، لكن حرمها نعت "شيخة" من ذكرها ضمن شهيدات وشهداء النضال السياسي بالمغرب! وفي المقابل: الحمداوية التي غنت المجون ضَمِنَ لها نعت "الحاجة" بدل "الشيخة" تخليد اسمها ضِمْنَ ملهمات وملهمي التراث الفني الشعبي المغربي!".
ويرى العديد من المغاربة أن "الشيخة" لعبت أدواراً مهمة في تاريخ البلاد، تعدت نطاق الفن والفرجة. وهذا ما أشار إليه الفنان المغربي حجيب في إحدى مقابلاته الصحفية بأن: "الشيخة كانت تجول بين القبائل في فترة الاستعمار وتنقل من خلال "العيوط" (الأشعار الشعبية) إنجازات القبائل لبعضهم البعض من أجل تحفيزهم وشحن هممهم ضد المستعمر". وهذا ما يفسر الاعتقالات والتعذيب الذي لقيه عدد من "الشيخات"، على رأسهم الحاجة الحمداوية، إبان فترة الاستعمار الفرنسي.