منذ إعلانه، يوم الأربعاء الماضي، ما زال قرار التعبئة الجزئية للقوات الاحتياطية في الجيش الروسي، يثير القلاقل في البلاد. ذلك بعد الرفض الواسع الذي لقيه، وعبر عنه باحتجاجات واسعة شملت أزيد من 38 مدينة، كما عبر موجات النزوح الجماعي التي شهدتها المعابر الحدودية الروسية طوال الأيام الخمسة الماضية.
هذا وبحسب منصة "ODV-Info" الحقوقية، المتخصصة برصد الاحتجاجات في روسيا، اعتقلت شرطة البلاد أكثر من 2355 مشاركاً في الاحتجاجات ضد التعبئة العامة، وجّهت لعشرة منهم تهماً جنائية. فيما سُلّم الباقون لمكتب التجنيد، من أجل الزجّ بهم في جبهات القتال بأوكرانيا.
ويوم الأحد، شهدت جمهورية داغستان، ذاتية الحكم وذات الأغلبية المسلمة، مظاهرات حاشدة ضد قرار التجنيد الإجباري، تخللتها اشتباكات مع رجال الشرطة واعتقالات في صفوف المحتجين. ما دفع مراقبين لوصف ذلك بـ"عمليات الاحتجاز القاسية للغاية" التي تعرفها الجمهورية.
احتجاجات داغستان
وفاق عدد المعتقلين خلال احتجاجات جمهورية داغستان الـ100 معتقل، وُجّهت لثمانية منهم تُهماً جنائية. وذلك إثر المظاهرة الواسعة التي عرفتها العاصمة محج قلعة، ومناطق متفرقة أخرى. وأظهرت صور نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي بعض المواطنين وهم يشتبكون مع رجال الشرطة، في سابقة منذ اندلاع الاحتجاجات المناهضة لقرار التعبئة لعسكرية في روسيا.
وفي مدينة خاسافيورت، شوهد نساء يطاردن رجال الشرطة، مرددات هتافات "لماذا تأخذون أبناءنا، من الذي هوجم؟ هل روسيا هي التي هوجمت؟ إنهم لم يأتوا إلينا. هل نحن من هاجمنا أوكرانيا. روسيا هي التي هاجمت أوكرانيا! أوقفوا الحرب!"
وعلى مشارف مدينة إنديري، أغلق السكان الطرق المؤدية إليها من أجل عرقلة تحرّك العربات العسكرية، وتعطيل إجراء التجنيد الإجباري. كما رُصد إطلاق الشرطة لأعيرة نارية في الهواء، من أجل تفريق المتظاهرين، الذين تجمهروا في وسط المدينة الصغيرة.
وحسب خدمة شبكة BBC في روسيا، لقي أزيد من 300 جندي داغستاني مصرعهم خلال الحرب الدائرة في أوكرانيا، وهو أعلى معدل في البلاد، إذ يفوق معدل العاصمة موسكة بعشرة أضعاف. وحسب وزارة الدفاع الروسية، فقد 6 آلاف جندي روسي حياتهم منذ اندلاع المعارك في 27 فبراير/شباط الماضي.
ماذا تعرف عن جمهورية داغستان؟
تُعتبر داغستان إحدى الجمهوريات المكوِّنة لروسيا الاتحادية، وتتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 1991، ومنذ عام 2003 يرشّح البرلمان الداغستاني شخصية سياسية يعيّنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيساً للجمهورية، وهو المنصب الذي يشغله منذ 2013 الرئيس رمضان عبد اللطيفوف.
ويبلغ عدد سكان جمهورية داغستان نحو 3.18 مليون نسمة، أغلبهم يدينون بالدين الإسلامي. ودخل الإسلام إلى داغستان مبكراً في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، غير أنهم لم يعتنقوه بشكل كامل وقتها، بل وقّعوا معاهدة صُلح مع المسلمين، يحاربون بموجبها في صفهم خلال الفتوحات الإسلامية في آسيا الصغرى. وترجّح مصادر تاريخية بأن نحو 40 صحابياً يرقدون تحت تراب الإقليم.
ومن الناحية الجغرافية، تقع داغستان على الشاطئ الأوروبي لبحر قزوين، وتبلغ مساحتها نحو 50 ألف كيلومتر مربع، تحتل النسبة الأكبر منها جبال القوقاز ويتخللها نحو 6 آلاف نهر، ومن هذه الطبيعة الجبلية اشتُقّ اسم البلاد الذي يعني باللغة التركية "بلاد الجبال". هذا وتُعدّ مدينة محج قلعة أكبر مدن الجمهورية، وعاصمتها الإدارية والسياسية.