انفجرت مؤخراً أزمة لاجئين جديدة في أوروبا، لكن هذه المرة في منطقة البلطيق شمال شرقي القارة، والتي من غير المعتاد أن يصلها لاجئون غير شرعيين نظراً لعوامل الطقس البارد، والطبوغرافيا الوعرة، وانتشار الغابات الكثيفة بها، وبُعدها الجغرافي عن الشرق الأوسط، وكذلك أوضاعها الاقتصادية غير المثالية مقارنة بدول أوروبية أخرى كألمانيا وبلجيكا والنمسا. غيرَ أن سِجالاً يدور بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي مهد الطريق لذلك.
سمح التساهل المتعمد من قبل السلطات البيلاروسية لمهاجرين من جنسيات متعددة -يغلب عليها الجنسية العراقية- أن يعبروا حدود البلاد الغربية إلى ليتوانيا، ومنها قاصدين الوصول إلى بولندا وخلفها ألمانيا. وفتحت السلطات الليتوانية تحقيقات حول كيفية وصول هؤلاء اللاجئين إلى بيلاروسيا في المقام الأول، وكيف عبروا الحدود إلى ليتوانيا دون أن يتعرض إليهم أحد من السلطات البيلاروسية.
وبُثت خلال الأسابيع القليلة الماضية العشرات من المقاطع عبر موقع "يوتيوب" عبر أشخاص -أغلبهم عراقيون- يشرحون تفصيلياً إمكانية السفر إلى بيلاروسيا ومنها العبور إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر ليتوانيا.
مبالغ طائلة ووعود كاذبة
كشف تحقيق نشرته هيئة الإذاعة والتلفزيون الليتوانية، أن وصول اللاجئين إلى الأراضي البيلاروسية جرى بضوء أخضر من سلطات بيلاروسيا. حيث أفاد التقرير بأن حكومة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أعطت تأشيرات سياحية للاجئين أغلبهم من أكراد العراق، وجرى ذلك عن طريق شبكة مهربين تحت غطاء شركات سياحية وُجدت الفترة الماضية بكثافة في مدينتي أربيل وبغداد.
ويسرد التقرير عملية "النصب" كاملةً حيث أكد أن الشركات السياحية تكفّلت بالدعاية وجلب الضحايا من العراق ممن يعانون من أفق مسدود نتيجة الأوضاع الاقتصادية الراهنة ببلاد الرافدين. وفرضت تلك الشركات تكاليف باهظة تصل إلى 15 ألف دولار للفرد، لكي يستخرجوا تأشيرة سياحية إلى بيلاروسيا، ومنها تسهيل مرور الأفراد عبر الحدود البيلاروسية-الليتوانية.
وبعد سلسلة من التحقيقات مع ضحايا المهربين، كُشف عن ملابسات وصولهم إلى الأراضي البيلاروسية، حيث أكد هؤلاء أنهم استُقبِلوا في العاصمة البيلاروسية "منسك" عبر سيارات فارهة، ولبثوا بضعة أيام في فنادق فخمة، محددة من قبل الحكومة البيلاروسية، حتى طُلب منهم أن يتوجهوا نحو حدود ليتوانيا، تحت مزاعم بأن الطريق لا يزيد عن 20 دقيقة.
ووفق أحد اللاجئين: "عندما ضللنا الطريق، أتتنا السلطات البيلاروسية وأعادت توجيهنا بنفسها نحو الحدود الليتوانية". في إشارة واضحة لتورط بيلاروسيا في وصول موجة اللاجئين إلى أوروبا.
وأكد وزير الخارجية الليتواني غابريليوس لاندسبيرجيس في تصريح أدلى به لجريدة Financial Times: "يجري إصدار تأشيرات الدخول تلقائياً للعراقيين الذين يحجزون رحلاتهم عبر وكالة السفر البيلاروسية المملوكة للدولة المعروفة باسم «Center Kurort»". وأكد لاندسبيرجيس أن حكومة بيلاروسيا لم تستغل طموحات اللاجئين فقط كـ"مطية" لأجندتها السياسية، بل تربّحت أيضاً من عملية توافد المهاجرين غير الشرعيين وعبورهم إلى الأراضي الليتوانية.
بيلاروسيا وورقة اللاجئين: سِجال مع الاتحاد الأوروبي
توجه السلطات المحلية في ليتوانيا أصابع الاتهام نحو بيلاروسيا لسماح الأخيرة بوصول موجات من اللاجئين إلى أراضيها عبر إصدار تأشيرات سياحية، ثم استضافتهم وتوجيههم نحو الحدود الغربية مع ليتوانيا.
وكان الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو قد أعلن صراحةً اعتزامه فتح الباب على مصراعيه ليعبر "فيضان من اللاجئين" إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر حدود بلاده الغربية.
وجاء تصرف لوكاشينكو رداً على العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على بيلاروسيا، عقب حادثة إرغام طائرة "راين إير" على الهبوط في العاصمة البيلاروسية "مسنك" لاعتقال الصحفي المعارض رومان بروتاسيفيتش.
والذي جرى بأمر شخصي من لوكاشينكو، عن طريق اعتراض جوي من طائرة مقاتلة من نوع ميغ-29، لطائرة الركاب التي كان على متنها الصحفي الشاب المعارض.
يذكر أن الحكومة الليتوانية اتخذت تدابير احترازية جديدة عن طريق تشييد جدار خرساني معزز بأسلاك شائكة لمنع تدفق المزيد من اللاجئين.
وأجرى وزير الخارجية الليتواني غابريليوس لاندسبيرجيس زيارة إلى بغداد بحث خلالها مع الحكومة العراقية كيفية وقف تدفق اللاجئين إلى بيلاروسيا، وترحيل من وصل إلى الأراضي الليتوانية بالفعل.